القانون يحدد شروط لإصدار الفتوى.. تعرف عليها    قوات الاحتلال تعتقل 14 فلسطينيًا خلال اقتحام مدينة نابلس    إعلام: المسؤولون الأوروبيون منزعجون من تملق روته لترامب في قمة الناتو    طلاب الثانوية العامة بالمنوفية يؤدون اليوم امتحاني الفيزياء والتاريخ    كأس العالم للأندية| مونتيري يضرب أوراوا بثلاثية في الشوط الأول    تعرف على موعد صرف المعاشات بالزيادة الجديدة    ترامب يشن هجومًا على القضاء الإسرائيلي لمحاكمته نتنياهو    وفد برلماني من لجنة الإدارة المحلية يتفقد شركة الإسكندرية لتوزيع الكهرباء    تحديد الإيجار حسب المنطقة.. قانون جديد لتوفيق أوضاع المالك والمستأجر    محافظ المنيا يشهد احتفال الأوقاف بالعام الهجري الجديد - صور    تشريع جديد يُنصف العامل.. كيف يؤمن القانون الجديد حقوق العمال؟    21 طالبًا مصريًا في برنامج التدريب الصيفي بجامعة لويفيل الأمريكية    بينهم إصابات خطيرة.. 3 شهداء و7 مصابين برصاص الاحتلال في الضفة الغربية    5 أيام حمائم.. كيف انتهت حرب إيران وإسرائيل ب"شكرًا لحسن تعاونكم معنا"؟    جزئيًا.. إيران تُعيد فتح مجالها الجوي بعد وقف إطلاق النار مع إسرائيل    راغب علامة يكسر الرقم القياسي في "منصة النهضة" ب150 ألف متفرج بمهرجان "موازين"    رسالة وداع مؤثرة من حمزة المثلوثي لجماهير الزمالك.. أنتم الروح    "وشلون أحبك".. على معلول يتغزل بزوجته بصورة جديدة    الدولار ب49.85 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الخميس 26-5-2025    إصابة 9 عاملات بمصنع ملابس في حادث بالمنيا    مها الصغير تتهم أحمد السقا بضربها داخل كمبوند    إصابة 10 أشخاص في حادث على طريق 36 الحربي بالإسماعيلية    محمد رمضان: "رفضت عرض في الدراما من أسبوع ب 200 مليون جنيه"    «نقل الكهرباء» توقع عقدًا جديدًا لإنشاء خط هوائي مزدوج الدائرة    مؤتمر إنزاجي: سنحاول استغلال الفرص أمام باتشوكا.. وهذا موقف ميتروفيتش    يورو تحت 21 عاما - من أجل اللقب الرابع.. ألمانيا تضرب موعدا مع إنجلترا في النهائي    شديد الحرارة وتصل 41 درجة.. تحذير بشأن حالة الطقس اليوم الخميس    التشكيل الرسمي لقمة الإنتر ضد ريفر بليت فى كأس العالم للأندية    إليسا تهنئ نادر عبدالله بعد تكريمه من «ساسيم»: «مبروك من نص قلبي»    بمناسبة العام الهجري الجديد.. دروس وعبر من الهجرة النبوية    تمريض حاضر وطبيب غائب.. رئيس الوحدة المحلية لنجع حمادي يفاجئ وحدة الحلفاية الصحية بزيارة ليلية (صور)    قافلة طبية لعلاج المواطنين بقرية السمطا في قنا.. وندوات إرشاية لتحذير المواطنين من خطر الإدمان    مينا مسعود يزور مستشفى 57357 لدعم الأطفال مرضى السرطان (صور)    إدارة الغذاء والدواء الأمريكية تُلزم بإضافة تحذير عن خطر نادر للقلب بسبب لقاحات كورونا    صحة مطروح تنظم احتفالية كبرى بمناسبة اليوم العالمي للتبرع بالدم    3 أيام متتالية.. موعد إجازة ثورة 30 يونيو 2025 للقطاع العام والخاص بعد ترحيلها رسميًا    صوت بلغاريا مع أنطاكية.. البطريرك دانيال يندد بالعنف ويدعو إلى حماية المسيحيين    الزمالك يستقر على قائمته الأولى قبل إرسالها لاتحاد الكرة    حضور جماهيرى كبير.. ويل سميث لأول مرة فى مهرجان موازين بالمغرب (صور)    وزير الرياضة يهنئ أبطال السلاح بعد التتويج ب 6 ميداليات أفريقية    مع إشراقات العام الهجري الجديد.. تعرف على أجمل الأدعية وأفضلها    مصطفى نجم: الزمالك على الطريق الصحيح    الدفاعات الإيرانية تسقط طائرة مسيّرة مجهولة قرب الحدود مع العراق    «الشؤون العربية والخارجية» بنقابة الصحفيين تعقد أول اجتماعاتها وتضع خطة عمل للفترة المقبلة    محافظ قنا يتفقد مشروع تطوير ميدان المحطة.. ويؤكد: نسعى لمدينة خضراء صديقة للبيئة    رئيس كهرباء البحيرة يوجه بتأمين التغذية الكهربائية للقرى السياحية بمنطقة الضبعة    4 أبراج «عارفين كويس همّ بيعملوا إيه».. غامضون لا يحتاجون إلى نصيحة وقراراتهم غالبًا صائبة    عيار 21 الآن بعد الارتفاع الجديد.. قفزة بأسعار الذهب اليوم الخميس بالصاغة محليًا وعالميًا    إصابة 11 شخص من كلب ضال فى الغربية    مع حلول العام الهجري الجديد 1447ه.. متى يبدأ رمضان 2026 فلكيًا؟    دار الإفتاء تعلن اليوم الخميس هو أول أيام شهر المحرّم وبداية العام الهجري الجديد 1447    دعاء العام الهجري الجديد 1447ه مستجاب.. ردده الآن لزيادة الرزق وتحقيق الأمنيات    بعد الاعتداء على 3 أطفال وتصويرهم.. قضية "توربينى البحيرة" تشهد فصلا جديدا فى ساحات القضاء.. جنايات دمنهور تقضى بإحالة المتهم للمفتى.. والمحكمة تنظر مرافعات الدفاع داخل غرفة المداولة.. والنطق بالحكم 21 أغسطس    بلاغ رسمي ضد أحمد السقا.. طليقته تتهمه بالاعتداء عليها وسبّها أمام السكان    جمال الكشكي: سياسة مصر تدعم الاستقرار وتدعو دائما لاحترام سيادة الدول    ممر شرفي من المعتمرين استعدادا لدخول كسوة الكعبة الجديدة (فيديو)    هذا ما يحبه الرجال..3 أشياء تفعلها النساء الجذابات بشكل منتظم    النيابة العامة بالمنيا تقرر تشريح جثة مدير المخلفات الصلبة بالمحافظة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



برنارد لويس وأصول نظرية صدام الحضارات
نشر في الأهرام اليومي يوم 01 - 03 - 2015

ارتبطت نظرية « صدام الحضارات » باسم المؤرخ الامريكي صامويل هانتجتون ، وذلك بعد ان نشر مقاله بهذا العنوان في اوائل التسعينات ثم طورها في منتصف العقد في كتاب « صدام الحضارات : اعادة صنع النظام العالمي « ومنذ هذا التاريخ ،
ومع الجدل والنقاش الذي اثارته هذه « النظرية »، لم تعد تذكر الا مرتبطة باسم صامويل هانتنجتون ، غير ان قلة قليلة هي التي تعلم ان لول من صاغ هذا المفهوم هو المؤرخ اليهودي الديانة البريطاني المولد برنارد لويس (1916) ، الذي بدا حياته الاكاديمية في مدرسة لندن للدراسات الشرقية في جامعة لندن ، وحصل منها علي شهادة الدكتوراه عام 1936 ، واوفدته الجامعة في مهمة علمية لمدة عام لزيارة الشرق الاوسط حيث زار مصر وفلسطين وسوريا وتركيا ، عاد بعدها ليعمل استاذا مساعدا في التاريخ الاسلامي ، ولكي يبدأ كتاباته غزارة عن الشرق الاوسط وعالم الاسلام والمسلمين ، ولكي يصبح ، خاصة بعد هجرته الي جامعة برنستون بالولايات المتحدة ، هو الخبير بالولايات المتحدة بعالم الاسلام والشرق الاوسط الذي تستشيره وتستمع اليه الدوائر السياسية في الولايات المتحدة والغرب .
غير ان ما يعنينا في هذا المقال هو الدراسة التي نشرها لويس عام 1998 تحت عنوان « جذور الغضب الاسلامي « The roots of Muslim Rage وضمها كتابه الذي صدر عام 2004 From Babel to Dragomans Middle East . في هذه الدراسة صك برنارد لويس تعبير « صدام الحضارات « ، غير اننا قبل ان نعرض هذه الدراسة من المفيد ان نشير الى الدراسة التي نشرها لويس عام 1988 تحت عنوان « الثورة الاسلامية «Islamic Revolution والتي ركز فيها علي الثورة الايرانية واعتبر ان الهدف الاول للأصولية ليس الاعداء الخارجيين ولكن العدو الداخلي وهم النظم والحكام الذين تخلوا عن الشريعة الاسلامية وتبنوا النظم والقيم الغربية ، ولذلك فانه فقط حين يخلع الحكام المرتدون عن الاسلام سوف تصبح الحرب ضد المعتدي الاجنبي والنصر عليه ضرورة ، ويواصل لويس تفصيله للعلاقة بين الاسلام والغرب بقوله : تاريخيا ، دارت الحرب في المفهوم الاسلامي والمسيحية والتي عرفت بعد ذلك بأوروبا ثم تجددت في الأزمنة الحديثة بالغرب ، وقد تدعم هذا المفهوم بقرون من الصراع والجهاد والحملات الصليبية والغزو واعادة الغزو الاوروبي للإسلام ، فاذا كان المنافس الرئيسي هو المسيحية والعالم الغربي ، فان العدو الرئيسي كان هو القوة القائدة في العالم ، كانت في وقت ما الامبراطوريات البيزنطية والرومانية ، والقوة الامبريالية في اوروبا والان هي الولايات المتحدة او كما صورها الخوميني « بالشيطان الاكبر » ، ورغم تعدد مصادر التهديد فانه كان من الاسهل توجيه العداء للغرب باعتباره مصدرا لكل الاخطار التي حلت بالعالم الاسلامي في العصر الحديث والتي قوضت طريقة الحياة الاسلامية وهكذا فان هدف الثورة الايرانية ثم بعد ذلك في اماكن اخري هو ازاحة التأثيرات الغربية التي فرضت علي بلاد المسلمين وشعوبها في عصر السيطرة الاجنبية واستعادة النظام الاسلامي الحقيقي كما قام في عصر النبي واصحابه.
ويتساءل لويس عن مصادر الغضب والثورة الاسلامية وعنده ان الكتابات والخطب الثورية تكشف عن فرضين الاول هو الاحساس بالانحلال المتنامي وخاصة بين الفئات المتعلمة وخاصة الذين تلقوا تعليما في الغرب ، ولكن ما هو اكثر اهانه من التراخي في مراعاة المعايير الرئيسية واسلوب الحياة الاسلامية واصبح متاحا ومستهلكا بشكل علني الطعام والشراب المحرم اسلاميا ، وتعرض دور السينما والتليفزيون ما هو غير اخلاقي وغير مهذب اما الفرضية الثانية فهي شيوع العادات والبضائع الغربية الاستهلاكية وما خلقته عملية التغريب من فجوة كبيرة بين الغني والفقير وجعلتها اكثر وضوحا وبشكل جعل النخبة المستغربة والاغلبية غير المستغربة تعيشان في عوالم مختلفة وتهميش الولاءات التي جمعتها معا من قبل . ومثل هذا التباين هو الذي اثار واشعل حالة الاغتراب والغضب التي دمرت النظام بأكمله في ايران وعكست اثارها علي بلدان اخري مثل مصر .
بعد هذا التقديم للثورة الاسلامية ودوافعها واهدافها يتقدم هانتنجتون لكي يؤصل للغضب الاسلامي ويتعرف علي اصله في تاريخ الحضارة الاسلامية وحيث كان العالم الاسلامي وهو في ذروة قوته ، يري نفسه كمركز الحقيقة والتنوير محاطا ببرابرة كفار والذين سوف يتمدنون ويتنورون في الوقت المناسب ، ولكن كانت ثمة اختلافات حاسمة بين مجموعات غير المؤمنين فالبرابرة في الشرق والجنوب كانوا مشركين ووثنيين لا يمثلون اي تهديد او منافسة خطرة على الاسلام اما في الشمال والغرب فعلي النقيض ، وقد تعرف المسلمون منذ تاريخ مبكر علي منافس حقيقي تمثل في ديانة عالمية منافسة وحضارة متميزة تلتهمها هذه الديانة ، وعلي امبراطورية ، وان كانت اصغر كثيرا الا انها لم تكن اقل طموحا في دعاويها وامالها ، كان هذا هو الكيان المعروف لنفسه وللأخرين بالمسيحية وهو التعبير الذي كان مرادفا لأوروبا وقد استمر الصراع بين هذين النطاقين المتنافسين لقرابة اربعة عشر قرنا ، وقد بدا يتقدم في القرن السابع واستمر تقريبا حتي هذا اليوم ، وتكون من سلسلة طويلة من الهجمات والهجمات المضادة او الجهاد والحملات الصليبية والغزوات والرد عليها .
وللألف عام الاولي كان الاسلام يتقدم والمسيحية تتراجع وتحت التهديد ، وغزت العقيدة الجديدة الاراضي المسيحية القديمة ، المشرق وشمال افريقيا وغزت اوروبا وحكمت لفترة اسبانيا والبرتغال وحتي اجزاء من فرنسا ، وصدت محاولات الصليبيين لاستعادة اراضي المسيحية المفقودة في الشرق وحتي ما فقده المسلمون من جنوب غرب اوروبا قد عوض بالتقدم الاسلامي في جنوب شرق اوروبا والذي وصل مرتين الي فيينا ، الا انه وللثلاثمائة عام الاخيرة ومنذ فشل الحصار التركي الثاني لفيينا عام 1683م وصعود الامبراطوريات الاستعمارية الغربية في آسيا وافريقيا ، اصبح الاسلام في موضع الدفاع وجعلت الحضارة المسيحية لأوروبا والعالم كله بما فيه الاسلام في نطاق محيطها . ومن هذا الاساس التاريخي يؤسس هانتنجتون ما يراه من المد الصاعد للثورة ضد هذا التفوق الغربي والرغبة في اعادة تأكيد القيم الاسلامية واستعادة العظمة الاسلامية ، فقد عاني المسلمون مراحل متتالية من الهزيمة ، كانت الاولي هي فقدان السيطرة علي العالم للقوة المتقدمة لروسيا والغرب ،والثانية هي تقويض لسلطته في بلاده ذاتها من خلال غزو الافكار الاجنبية والقوانين وطرق الحياة وفي بعض الاحيان الحكام الاجانب والمستوطنين وامتيازات العناصر غير الاسلامية ، اما الهزيمة الثالثة القاصمة فكانت تحدي سيادته في بيته نفسه من النساء المتحررات ، والابناء المتمردين ، ويستخلص هانتنجتون ان هذه كانت اكثر مما يمكن احتماله وكان اشتعال الغضب حتميا ضد هذه القوي الغريبة والكافرة التي دمرت سيطرته وفككت مجتمعه واخيرا خرقت حرمة بلاده ، وكان طبيعيا ايضا ان يتجه هذا الغضب في المقام الاول ضد هذا العدو وان يستمد قوته من عقائد وولاءات قديمة.
واذا كان هذا هو رصد هانتنجتون للعلاقة بين الاسلام والمسيحية ، كما تجسدت في اوروبا فماذا عن امريكا ؟ وكيف انتقلت مشاعر الغضب الاسلامي اليها ؟ يقول هانتنجتون ان في بلاد الاسلام لم يكن شيئا ملحوظا يعرف عن امريكا ، وفي البداية اثارت الرحلات الاستكشافية بعض الاهتمام ، وكانت اول رؤية عن اكتشاف العالم الجديد كتبها جغرافي تركي في القرن السادس عشر تحت عنوان «تاريخ الهند الغربية » ولكن مع هذا ضعف الاهتمام ولم يذكر شيء كثير عن امريكا في اللغة التركية او العربية او اللغات الاسلامية الأخرى حتي وقت متأخر نسبيا ، وحتي الوجود الامريكي الصغير ولكن المتنامي في الاراضي الاسلامية في القرن التاسع عشر في صورة تجار وقناصل وارساليات ومدرسين لم يثر الا فضولا قليلا ولم يذكر غالبا في الادب الاسلامي او صحف هذا الوقت . ولكن جاءت الحرب العالمية الثانية وصناعة البترول وتطورات ما بعد الحرب بالكثير من الامريكيين للأراضي الاسلامية كما جاء عدد متزايد من المسلمين الي امريكا اولا كطلاب ثم كمدرسين او رجال اعمال او زوار وبعد ذلك كمهاجرين كما عرضت السينما وبعد ذلك التليفزيون طريقة الحياة الامريكية امام ملايين لا تحصي كان اسم امريكا من قبل غير معروف لهم ولا يعني شيئا ، وبعد الحرب الثانية مباشرة وحين ضعفت تقريبا المنافسة الغربية ، وقبل ان تظهر المنافسة اليابانية وصلت المنتجات والسلع الامريكية الى مناطق نائية خالقة اذواقا جديدة وتطلعات . وبالنسبة للبعض اصبحت امريكا تمثل الحرية والعدالة والفرصة بالنسبة للكثيرين . فقد مثلت الثروة والقدرة والنجاح في وقت لم تكن هذه الصفات ينظر اليها كخطيئة او جرائم ، ثم حدث التغيير العظيم حين وافقت الصحوة الدينية بين اعدائهم واعداء الله ، واعطوهم موطنا واسما في نصف الكرة الغربي ، وفجأة اصبحت امريكا العدو الرئيسي وتجسيدا للشر المعارض الشيطاني لكل ما هو خير وبشكل خاص للإسلام والمسلمين ، ويفسر هانتنجتون هذا العداء لأمريكا بالسبب الذي يذكر دائما وهو تأييد امريكا لإسرائيل وتزايده ولكنه يجد في هذا بعض الغرابة كسبب وحيد ، ففي الايام الاولي لقيام اسرائيل وحيث احتفظت امريكا ببعض المسافة ، منح الاتحاد السوفييتي اعترافا واقعيا في الحال بإسرائيل وارسلت الاسلحة التشيكية التي انقذت الدولة الوليدة من الهزيمة والموت في ايام حياتها الاولي ، ومع هذا لم تبد مشاعر سيئة تجاه الاتحاد السوفيتي وسياساته ، كما لم تبد مشاعر طيبة تجاه امريكا ، وفي عام 1956 كانت الولايات المتحدة هي التي اجبرت بريطانيا واسرائيل علي الانسحاب من مصر ، ومع هذا ففي نهاية الخمسينات كان الاتحاد السوفيتي هو البلد الذي اقام حكام مصر وسوريا والعراق ودول اخري روابط التضامن معه في الامم المتحدة ، وفي العالم بوجه عام .
وحتي حكام ايران وقبل وبعد وفاة الخوميني ، وحين قرروا ولأسباب تخصهم الدخول في حوار ووجدوا ذلك اسهل للحديث الي الغرب اكثر من واشنطن ، وفي نفس الوقت عومل الرهائن الغربيون في لبنان من جانب من اسروهم باعتبارهم فروعا للشيطان الاكبر . ويضيف هانتنجتون الي التأييد الامريكي لإسرائيل تفسيرات تذكر كثيرا خاصة من المنشقين الاسلاميين حيث يرجعون المشاعر العدائية لأمريكا للتأييد الامريكي للنظم المكروهة ، التي ينظر اليها من جانب الراديكاليين باعتبارها نظما رجعية وغير ورعة بالنسبة للمحافظين وفاسدة ومستبدة بالنسبة للاثنين .
لكن هانتنجتون لا يكفيه هذه الاسباب ويري اسبابا اعمق من هذه المظالم المحددة « شيئا اعمق يحول كل خلاف الى مشكلة ويجعل كل مشكلة غير قابلة للحل » وفي محاولته للوصول الي هذا الشيء « الاعمق» يعترف هانتنجتون ان هذا المقت لأمريكا وبشكل عام للغرب ليس مقصورا علي العالم الاسلامي ، فقد اثر مزاج العداء وخيبة الامل في اجزاء كثيرة من العالم تتحدث عن نفسها وتدعي الحديث عن الشعوب المقهورة في العالم الثالث ، وتفسير ذلك عند هانتنجتون مألوف فيقول « نحن » في الغرب متهمون بالانغماس في الجنس والعنصرية والامبريالية والاستبداد والاستغلال، ولكنه ينكر ان تكون اي من هذه الخطايا مقصورة علي الغرب والامريكيين او ان يكونوا الأسوأ.
ويقترب لويس من مفهومه حول صدام الحضارات وتتبعه في الاستجابات الاولي للعالم الاسلامي للحضارة الغربية ، والتي كانت اعجابا وتقليدا واحتراما ضخما لإنجازات الغرب ورغبة في تقليدها وتبنيها ، وقد نشأت هذه الرغبة من وعي حاد ومتزايد بالضعف والفقر وتخلف العالم الاسلامي مقارنة بالغرب المتقدم ، وقد اصبح التباين اولا واضحا في ارض المعركة ولكن ما لبث ان انتشر بسرعة في مجالات اخري من النشاط الانساني، وقد وصف الكتاب المسلمون ولاحظوا ثروة وقوة الغرب وعلمه وتكنولوجيته ومنتجاته واشكال حكوماته ، ولوقت ما رؤي ان سر النجاح الغربي يكمن في انجازين : التقدم الاقتصادي وخاصة الصناعة ، والمؤسسات السياسية وخاصة الحريات .
وقد حاولت اجيال عدة من الاصلاحيين والمحدثين ان يتبنوا هذه الانجازات ويدخلوها في بلادهم علي امل انهم سوف يكونون بذلك قادرين علي ان يحققوا المساواة مع الغرب وربما يستعيدون تفوقهم المفقود . ويستخلص لويس من هذه الاستجابات الاولي انه في زماننا اخلي هذا المزاج من الاعجاب والتقليد بين الكثير من المسلمين السبيل الي العداء والرفض ، وبالتأكيد فان هذا المزاج يعود في جزء منه الي الشعور بالمهانة وبانهم قد تم تجاوزهم والتغلب عليهم من هؤلاء الذين كانوا يعتبرونهم ادني منهم ، ويفسر لويس هذا المزاج جزء منه بالأحداث في العالم الغربي نفسه ، والي تأثير حربين انتحاريتين ، مزقت فيهما الحضارة الغربية نفسها جالبة دمارا كبيرا لنفسها ولشعوب اخري وحيث دخل المتحاربون في جهد دعائي حول العالم الاسلامي ، وقد وحدت الرسالة التي جاءوا بها الكثير من المستمعين الذين كانوا مستعدين للاستجابة وفقا لخبراتهم غير البعيدة مع الغرب. وقد جلبت دخول الاساليب التجارية والمالية والصناعية ثروة كبيرة ولكنها اصبحت حقا فقط للغربيين الذين زرعوا في البلاد الاسلامية وللأقليات المستغربة ، ولكنه فقط بين السكان اكثرية لكنهم ظلوا معزولين عن الجماهير ومختلفين عنهم ، حتي في لباسهم وطريقة حياتهم ، وكان حتميا ان ينظر اليهم كعملاء ومتعاونين مع ما اعتبر عالما معاديا ، وحتي المؤسسات السياسية التي جاءت من الغرب جري التشكيك فيها ، وبالنسبة لأعداد واسعة من الشرق اوسطيين جلبت الاساليب الغربية الاقتصادية الفقر وجلبت المؤسسات السياسية الغربة والاستبداد بل وحتي نموذج الرفاهية الغربية جلب الهزيمة .
ويستخلص لويس انه بعد هذا لم يكن غريبا ان كثيرين كانوا مستعدين لان يستمعوا لأصوات تقول لهم : ان الطرق الاسلامية القديمة كانت افضل وان مبررهم الوحيد في هذا ان يزيحوا جانبا التجديدات الوثنية للإصلاحيين وان يعودوا الي الطريق الحق الذي وصفه الله لشعبه .
اما صراع الاصوليين فهو في نهاية الامر عند لويس ضد عدوين : العلمانية والحداثة ، والحرب ضد العلمانية واعية واضحة ، وهناك الان ادبيات كاملة تدين العلمانية كشر وقوة وثنية جديدة في العالم الحديث ، وترجعها الي اليهود والغرب والولايات المتحدة . اما الحرب ضد الحداثة فهي في الجانب الاكبر ليست واضحة وليست عن وعي ، وهي موجهة ضد عملية التغيير الذي جري في العالم الاسلامي في القرن الماضي او اكثر وحول الهياكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتي الثقافية للبلاد الاسلامية هدفا شكل الاستياء الذي لا هدف له ولغضب الجماهير الاسلامية علي القوي التي احطت من قيمهم التقليدية وولاءاتهم وفي التحليل الاخير معتقداتهم وافعالهم وكرامتهم بل وحتي من اسباب رزقهم .
ويري لويس في الثقافة الدينية للإسلام شيئا يهم حتي اكثر الفلاحين تواضعا وكرامة ولطفا تجاه الآخرين نادرا ما يوازيها في الحضارات الأخرى ، ورغم هذا فانه في اوقات الغليان والتمزق تتحرك عواطف عميقة ، وحيث تخلي هذه الكرامة وهذا الاحترام للآخرين الي خليط متفجر من الغضب والكراهية والتي تجبر حتي حكومة دولة قديمة ومتحضرة وحتي المتحدث باسم ديانة روحية عظيمة ان يتدافع عن الخطف والاغتيال وان يحاول ان يجد في حياة نبيهم موافقة بل وحتي سوابق لمثل هذه الاعمال .
ويضيف هانتنجتون ان غرائز الجماهير التي تجعل الغرب كمصدر هذه التغييرات الضيقة ويردون تمزق طرقهم القديمة في الحياة الي الغرب والي اثر السيطرة القديمة والدستور الغربي او النموذج الغربي ليست زائفة ، طالما ان الولايات هي الوريث الشرعي للغرب فقد ورثت الولايات المتحدة المظالم الناتجة واصبحت مركز الكراهية والغضب المتصاعد .
ويستخلص لويس ان « هذا ليس اقل من صراع حضارات ربما غير عقلاني ولكنه بالتأكيد رد الفعل التاريخي لمنافس قديم ضد التراث الصهيوني المسيحي او الحاضر العلماني »، ويوصي لويس « بانه من الاهمية القصوى ان علي جانبنا يجب الا نستثار الي رد فعل تاريخي مماثل ولكنه ايضا رد فعل غير عقلاني ضد هذا المنافس ، وفي نفس الوقت يجب ان نحرص جدا علي كل الجوانب لتجنب خطر حروب دينية جديدة تنشأ من تفاقم الخلافات واحياء التحيزات القديمة» ويخلص هذا الي نصيحة بقوله « انه من اجل هذه الغاية يجب ان تعمل علي تحقيق تقدير افضل للديانات الأخرى والثقافات السياسية من خلال دراسة تاريخهم وادبهم وانجازاتهم ، وفي نفس الوقت يمكن ان نأمل في انهم سيحاولون التوصل الي فهم افضل لنا وخاصة لأنهم سيتفهمون ويحترمون ، حتي ولو لم يختاروا ان يتبنوا مفاهيمنا الغربية حول العلاقة السليمة بين الدين والسياسة » .
وهكذا نجد ان برنارد لويس ، ورغم تحيزاته المعروفة عن الاسلام والمسلمين ، وتفسيراته الضيقة لاسباب الغضب والاستياء الاسلامي من السياسات الامريكية ، فانه فيما يتعلق بمفهومه عن صدام الحضارات وحديثه عن الحدود الدامية للإسلام بشكل رآه مؤرخون امريكيون بأنه اعلان عن حرب عالمية ثالثة ، فان لويس يدعو الولايات المتحدة والغرب الي تجنب حروب دينية جديدة ، ويدعوهم الي تقدير افضل للديانات والثقافات السياسية الأخرى ودراسة تاريخهم وادبهم وانجازاتهم في نفس الوقت الذي دعا الي فهم واحترام متبادل.
غير ان هذا لا ينفي الدور الذي قام به برنارد لويس وبشكل خاص بعد احداث 11 سبتمبر حيث اعتمدت عليه الادارة الامريكية لتبرير حربها علي العراق ، والتقطه المحافظون الجدد في الولايات المتحدة واستخدموه لكي يقدم لهم الاساس النظري والتاريخي لأعدادهم للحرب علي العراق ، وعملهم الدائب لكي يحولوا الاسباب الحقيقية لاستياء المسلمين من الولايات المتحدة الي عوامل وتفسيرات ساذجة مثل حب المسلمين لرفاهية وتقدم وقوة الولايات المتحدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.