ارتبطت نظرية « صدام الحضارات » باسم المؤرخ الامريكي صامويل هانتجتون ، وذلك بعد ان نشر مقاله بهذا العنوان في اوائل التسعينات ثم طورها في منتصف العقد في كتاب « صدام الحضارات : اعادة صنع النظام العالمي « ومنذ هذا التاريخ ، ومع الجدل والنقاش الذي اثارته هذه « النظرية »، لم تعد تذكر الا مرتبطة باسم صامويل هانتنجتون ، غير ان قلة قليلة هي التي تعلم ان لول من صاغ هذا المفهوم هو المؤرخ اليهودي الديانة البريطاني المولد برنارد لويس (1916) ، الذي بدا حياته الاكاديمية في مدرسة لندن للدراسات الشرقية في جامعة لندن ، وحصل منها علي شهادة الدكتوراه عام 1936 ، واوفدته الجامعة في مهمة علمية لمدة عام لزيارة الشرق الاوسط حيث زار مصر وفلسطين وسوريا وتركيا ، عاد بعدها ليعمل استاذا مساعدا في التاريخ الاسلامي ، ولكي يبدأ كتاباته غزارة عن الشرق الاوسط وعالم الاسلام والمسلمين ، ولكي يصبح ، خاصة بعد هجرته الي جامعة برنستون بالولاياتالمتحدة ، هو الخبير بالولاياتالمتحدة بعالم الاسلام والشرق الاوسط الذي تستشيره وتستمع اليه الدوائر السياسية في الولاياتالمتحدة والغرب . غير ان ما يعنينا في هذا المقال هو الدراسة التي نشرها لويس عام 1998 تحت عنوان « جذور الغضب الاسلامي « The roots of Muslim Rage وضمها كتابه الذي صدر عام 2004 From Babel to Dragomans Middle East . في هذه الدراسة صك برنارد لويس تعبير « صدام الحضارات « ، غير اننا قبل ان نعرض هذه الدراسة من المفيد ان نشير الى الدراسة التي نشرها لويس عام 1988 تحت عنوان « الثورة الاسلامية «Islamic Revolution والتي ركز فيها علي الثورة الايرانية واعتبر ان الهدف الاول للأصولية ليس الاعداء الخارجيين ولكن العدو الداخلي وهم النظم والحكام الذين تخلوا عن الشريعة الاسلامية وتبنوا النظم والقيم الغربية ، ولذلك فانه فقط حين يخلع الحكام المرتدون عن الاسلام سوف تصبح الحرب ضد المعتدي الاجنبي والنصر عليه ضرورة ، ويواصل لويس تفصيله للعلاقة بين الاسلام والغرب بقوله : تاريخيا ، دارت الحرب في المفهوم الاسلامي والمسيحية والتي عرفت بعد ذلك بأوروبا ثم تجددت في الأزمنة الحديثة بالغرب ، وقد تدعم هذا المفهوم بقرون من الصراع والجهاد والحملات الصليبية والغزو واعادة الغزو الاوروبي للإسلام ، فاذا كان المنافس الرئيسي هو المسيحية والعالم الغربي ، فان العدو الرئيسي كان هو القوة القائدة في العالم ، كانت في وقت ما الامبراطوريات البيزنطية والرومانية ، والقوة الامبريالية في اوروبا والان هي الولاياتالمتحدة او كما صورها الخوميني « بالشيطان الاكبر » ، ورغم تعدد مصادر التهديد فانه كان من الاسهل توجيه العداء للغرب باعتباره مصدرا لكل الاخطار التي حلت بالعالم الاسلامي في العصر الحديث والتي قوضت طريقة الحياة الاسلامية وهكذا فان هدف الثورة الايرانية ثم بعد ذلك في اماكن اخري هو ازاحة التأثيرات الغربية التي فرضت علي بلاد المسلمين وشعوبها في عصر السيطرة الاجنبية واستعادة النظام الاسلامي الحقيقي كما قام في عصر النبي واصحابه. ويتساءل لويس عن مصادر الغضب والثورة الاسلامية وعنده ان الكتابات والخطب الثورية تكشف عن فرضين الاول هو الاحساس بالانحلال المتنامي وخاصة بين الفئات المتعلمة وخاصة الذين تلقوا تعليما في الغرب ، ولكن ما هو اكثر اهانه من التراخي في مراعاة المعايير الرئيسية واسلوب الحياة الاسلامية واصبح متاحا ومستهلكا بشكل علني الطعام والشراب المحرم اسلاميا ، وتعرض دور السينما والتليفزيون ما هو غير اخلاقي وغير مهذب اما الفرضية الثانية فهي شيوع العادات والبضائع الغربية الاستهلاكية وما خلقته عملية التغريب من فجوة كبيرة بين الغني والفقير وجعلتها اكثر وضوحا وبشكل جعل النخبة المستغربة والاغلبية غير المستغربة تعيشان في عوالم مختلفة وتهميش الولاءات التي جمعتها معا من قبل . ومثل هذا التباين هو الذي اثار واشعل حالة الاغتراب والغضب التي دمرت النظام بأكمله في ايران وعكست اثارها علي بلدان اخري مثل مصر . بعد هذا التقديم للثورة الاسلامية ودوافعها واهدافها يتقدم هانتنجتون لكي يؤصل للغضب الاسلامي ويتعرف علي اصله في تاريخ الحضارة الاسلامية وحيث كان العالم الاسلامي وهو في ذروة قوته ، يري نفسه كمركز الحقيقة والتنوير محاطا ببرابرة كفار والذين سوف يتمدنون ويتنورون في الوقت المناسب ، ولكن كانت ثمة اختلافات حاسمة بين مجموعات غير المؤمنين فالبرابرة في الشرق والجنوب كانوا مشركين ووثنيين لا يمثلون اي تهديد او منافسة خطرة على الاسلام اما في الشمال والغرب فعلي النقيض ، وقد تعرف المسلمون منذ تاريخ مبكر علي منافس حقيقي تمثل في ديانة عالمية منافسة وحضارة متميزة تلتهمها هذه الديانة ، وعلي امبراطورية ، وان كانت اصغر كثيرا الا انها لم تكن اقل طموحا في دعاويها وامالها ، كان هذا هو الكيان المعروف لنفسه وللأخرين بالمسيحية وهو التعبير الذي كان مرادفا لأوروبا وقد استمر الصراع بين هذين النطاقين المتنافسين لقرابة اربعة عشر قرنا ، وقد بدا يتقدم في القرن السابع واستمر تقريبا حتي هذا اليوم ، وتكون من سلسلة طويلة من الهجمات والهجمات المضادة او الجهاد والحملات الصليبية والغزوات والرد عليها . وللألف عام الاولي كان الاسلام يتقدم والمسيحية تتراجع وتحت التهديد ، وغزت العقيدة الجديدة الاراضي المسيحية القديمة ، المشرق وشمال افريقيا وغزت اوروبا وحكمت لفترة اسبانيا والبرتغال وحتي اجزاء من فرنسا ، وصدت محاولات الصليبيين لاستعادة اراضي المسيحية المفقودة في الشرق وحتي ما فقده المسلمون من جنوب غرب اوروبا قد عوض بالتقدم الاسلامي في جنوب شرق اوروبا والذي وصل مرتين الي فيينا ، الا انه وللثلاثمائة عام الاخيرة ومنذ فشل الحصار التركي الثاني لفيينا عام 1683م وصعود الامبراطوريات الاستعمارية الغربية في آسيا وافريقيا ، اصبح الاسلام في موضع الدفاع وجعلت الحضارة المسيحية لأوروبا والعالم كله بما فيه الاسلام في نطاق محيطها . ومن هذا الاساس التاريخي يؤسس هانتنجتون ما يراه من المد الصاعد للثورة ضد هذا التفوق الغربي والرغبة في اعادة تأكيد القيم الاسلامية واستعادة العظمة الاسلامية ، فقد عاني المسلمون مراحل متتالية من الهزيمة ، كانت الاولي هي فقدان السيطرة علي العالم للقوة المتقدمة لروسيا والغرب ،والثانية هي تقويض لسلطته في بلاده ذاتها من خلال غزو الافكار الاجنبية والقوانين وطرق الحياة وفي بعض الاحيان الحكام الاجانب والمستوطنين وامتيازات العناصر غير الاسلامية ، اما الهزيمة الثالثة القاصمة فكانت تحدي سيادته في بيته نفسه من النساء المتحررات ، والابناء المتمردين ، ويستخلص هانتنجتون ان هذه كانت اكثر مما يمكن احتماله وكان اشتعال الغضب حتميا ضد هذه القوي الغريبة والكافرة التي دمرت سيطرته وفككت مجتمعه واخيرا خرقت حرمة بلاده ، وكان طبيعيا ايضا ان يتجه هذا الغضب في المقام الاول ضد هذا العدو وان يستمد قوته من عقائد وولاءات قديمة. واذا كان هذا هو رصد هانتنجتون للعلاقة بين الاسلام والمسيحية ، كما تجسدت في اوروبا فماذا عن امريكا ؟ وكيف انتقلت مشاعر الغضب الاسلامي اليها ؟ يقول هانتنجتون ان في بلاد الاسلام لم يكن شيئا ملحوظا يعرف عن امريكا ، وفي البداية اثارت الرحلات الاستكشافية بعض الاهتمام ، وكانت اول رؤية عن اكتشاف العالم الجديد كتبها جغرافي تركي في القرن السادس عشر تحت عنوان «تاريخ الهندالغربية » ولكن مع هذا ضعف الاهتمام ولم يذكر شيء كثير عن امريكا في اللغة التركية او العربية او اللغات الاسلامية الأخرى حتي وقت متأخر نسبيا ، وحتي الوجود الامريكي الصغير ولكن المتنامي في الاراضي الاسلامية في القرن التاسع عشر في صورة تجار وقناصل وارساليات ومدرسين لم يثر الا فضولا قليلا ولم يذكر غالبا في الادب الاسلامي او صحف هذا الوقت . ولكن جاءت الحرب العالمية الثانية وصناعة البترول وتطورات ما بعد الحرب بالكثير من الامريكيين للأراضي الاسلامية كما جاء عدد متزايد من المسلمين الي امريكا اولا كطلاب ثم كمدرسين او رجال اعمال او زوار وبعد ذلك كمهاجرين كما عرضت السينما وبعد ذلك التليفزيون طريقة الحياة الامريكية امام ملايين لا تحصي كان اسم امريكا من قبل غير معروف لهم ولا يعني شيئا ، وبعد الحرب الثانية مباشرة وحين ضعفت تقريبا المنافسة الغربية ، وقبل ان تظهر المنافسة اليابانية وصلت المنتجات والسلع الامريكية الى مناطق نائية خالقة اذواقا جديدة وتطلعات . وبالنسبة للبعض اصبحت امريكا تمثل الحرية والعدالة والفرصة بالنسبة للكثيرين . فقد مثلت الثروة والقدرة والنجاح في وقت لم تكن هذه الصفات ينظر اليها كخطيئة او جرائم ، ثم حدث التغيير العظيم حين وافقت الصحوة الدينية بين اعدائهم واعداء الله ، واعطوهم موطنا واسما في نصف الكرة الغربي ، وفجأة اصبحت امريكا العدو الرئيسي وتجسيدا للشر المعارض الشيطاني لكل ما هو خير وبشكل خاص للإسلام والمسلمين ، ويفسر هانتنجتون هذا العداء لأمريكا بالسبب الذي يذكر دائما وهو تأييد امريكا لإسرائيل وتزايده ولكنه يجد في هذا بعض الغرابة كسبب وحيد ، ففي الايام الاولي لقيام اسرائيل وحيث احتفظت امريكا ببعض المسافة ، منح الاتحاد السوفييتي اعترافا واقعيا في الحال بإسرائيل وارسلت الاسلحة التشيكية التي انقذت الدولة الوليدة من الهزيمة والموت في ايام حياتها الاولي ، ومع هذا لم تبد مشاعر سيئة تجاه الاتحاد السوفيتي وسياساته ، كما لم تبد مشاعر طيبة تجاه امريكا ، وفي عام 1956 كانت الولاياتالمتحدة هي التي اجبرت بريطانيا واسرائيل علي الانسحاب من مصر ، ومع هذا ففي نهاية الخمسينات كان الاتحاد السوفيتي هو البلد الذي اقام حكام مصر وسوريا والعراق ودول اخري روابط التضامن معه في الاممالمتحدة ، وفي العالم بوجه عام . وحتي حكام ايران وقبل وبعد وفاة الخوميني ، وحين قرروا ولأسباب تخصهم الدخول في حوار ووجدوا ذلك اسهل للحديث الي الغرب اكثر من واشنطن ، وفي نفس الوقت عومل الرهائن الغربيون في لبنان من جانب من اسروهم باعتبارهم فروعا للشيطان الاكبر . ويضيف هانتنجتون الي التأييد الامريكي لإسرائيل تفسيرات تذكر كثيرا خاصة من المنشقين الاسلاميين حيث يرجعون المشاعر العدائية لأمريكا للتأييد الامريكي للنظم المكروهة ، التي ينظر اليها من جانب الراديكاليين باعتبارها نظما رجعية وغير ورعة بالنسبة للمحافظين وفاسدة ومستبدة بالنسبة للاثنين . لكن هانتنجتون لا يكفيه هذه الاسباب ويري اسبابا اعمق من هذه المظالم المحددة « شيئا اعمق يحول كل خلاف الى مشكلة ويجعل كل مشكلة غير قابلة للحل » وفي محاولته للوصول الي هذا الشيء « الاعمق» يعترف هانتنجتون ان هذا المقت لأمريكا وبشكل عام للغرب ليس مقصورا علي العالم الاسلامي ، فقد اثر مزاج العداء وخيبة الامل في اجزاء كثيرة من العالم تتحدث عن نفسها وتدعي الحديث عن الشعوب المقهورة في العالم الثالث ، وتفسير ذلك عند هانتنجتون مألوف فيقول « نحن » في الغرب متهمون بالانغماس في الجنس والعنصرية والامبريالية والاستبداد والاستغلال، ولكنه ينكر ان تكون اي من هذه الخطايا مقصورة علي الغرب والامريكيين او ان يكونوا الأسوأ. ويقترب لويس من مفهومه حول صدام الحضارات وتتبعه في الاستجابات الاولي للعالم الاسلامي للحضارة الغربية ، والتي كانت اعجابا وتقليدا واحتراما ضخما لإنجازات الغرب ورغبة في تقليدها وتبنيها ، وقد نشأت هذه الرغبة من وعي حاد ومتزايد بالضعف والفقر وتخلف العالم الاسلامي مقارنة بالغرب المتقدم ، وقد اصبح التباين اولا واضحا في ارض المعركة ولكن ما لبث ان انتشر بسرعة في مجالات اخري من النشاط الانساني، وقد وصف الكتاب المسلمون ولاحظوا ثروة وقوة الغرب وعلمه وتكنولوجيته ومنتجاته واشكال حكوماته ، ولوقت ما رؤي ان سر النجاح الغربي يكمن في انجازين : التقدم الاقتصادي وخاصة الصناعة ، والمؤسسات السياسية وخاصة الحريات . وقد حاولت اجيال عدة من الاصلاحيين والمحدثين ان يتبنوا هذه الانجازات ويدخلوها في بلادهم علي امل انهم سوف يكونون بذلك قادرين علي ان يحققوا المساواة مع الغرب وربما يستعيدون تفوقهم المفقود . ويستخلص لويس من هذه الاستجابات الاولي انه في زماننا اخلي هذا المزاج من الاعجاب والتقليد بين الكثير من المسلمين السبيل الي العداء والرفض ، وبالتأكيد فان هذا المزاج يعود في جزء منه الي الشعور بالمهانة وبانهم قد تم تجاوزهم والتغلب عليهم من هؤلاء الذين كانوا يعتبرونهم ادني منهم ، ويفسر لويس هذا المزاج جزء منه بالأحداث في العالم الغربي نفسه ، والي تأثير حربين انتحاريتين ، مزقت فيهما الحضارة الغربية نفسها جالبة دمارا كبيرا لنفسها ولشعوب اخري وحيث دخل المتحاربون في جهد دعائي حول العالم الاسلامي ، وقد وحدت الرسالة التي جاءوا بها الكثير من المستمعين الذين كانوا مستعدين للاستجابة وفقا لخبراتهم غير البعيدة مع الغرب. وقد جلبت دخول الاساليب التجارية والمالية والصناعية ثروة كبيرة ولكنها اصبحت حقا فقط للغربيين الذين زرعوا في البلاد الاسلامية وللأقليات المستغربة ، ولكنه فقط بين السكان اكثرية لكنهم ظلوا معزولين عن الجماهير ومختلفين عنهم ، حتي في لباسهم وطريقة حياتهم ، وكان حتميا ان ينظر اليهم كعملاء ومتعاونين مع ما اعتبر عالما معاديا ، وحتي المؤسسات السياسية التي جاءت من الغرب جري التشكيك فيها ، وبالنسبة لأعداد واسعة من الشرق اوسطيين جلبت الاساليب الغربية الاقتصادية الفقر وجلبت المؤسسات السياسية الغربة والاستبداد بل وحتي نموذج الرفاهية الغربية جلب الهزيمة . ويستخلص لويس انه بعد هذا لم يكن غريبا ان كثيرين كانوا مستعدين لان يستمعوا لأصوات تقول لهم : ان الطرق الاسلامية القديمة كانت افضل وان مبررهم الوحيد في هذا ان يزيحوا جانبا التجديدات الوثنية للإصلاحيين وان يعودوا الي الطريق الحق الذي وصفه الله لشعبه . اما صراع الاصوليين فهو في نهاية الامر عند لويس ضد عدوين : العلمانية والحداثة ، والحرب ضد العلمانية واعية واضحة ، وهناك الان ادبيات كاملة تدين العلمانية كشر وقوة وثنية جديدة في العالم الحديث ، وترجعها الي اليهود والغرب والولاياتالمتحدة . اما الحرب ضد الحداثة فهي في الجانب الاكبر ليست واضحة وليست عن وعي ، وهي موجهة ضد عملية التغيير الذي جري في العالم الاسلامي في القرن الماضي او اكثر وحول الهياكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتي الثقافية للبلاد الاسلامية هدفا شكل الاستياء الذي لا هدف له ولغضب الجماهير الاسلامية علي القوي التي احطت من قيمهم التقليدية وولاءاتهم وفي التحليل الاخير معتقداتهم وافعالهم وكرامتهم بل وحتي من اسباب رزقهم . ويري لويس في الثقافة الدينية للإسلام شيئا يهم حتي اكثر الفلاحين تواضعا وكرامة ولطفا تجاه الآخرين نادرا ما يوازيها في الحضارات الأخرى ، ورغم هذا فانه في اوقات الغليان والتمزق تتحرك عواطف عميقة ، وحيث تخلي هذه الكرامة وهذا الاحترام للآخرين الي خليط متفجر من الغضب والكراهية والتي تجبر حتي حكومة دولة قديمة ومتحضرة وحتي المتحدث باسم ديانة روحية عظيمة ان يتدافع عن الخطف والاغتيال وان يحاول ان يجد في حياة نبيهم موافقة بل وحتي سوابق لمثل هذه الاعمال . ويضيف هانتنجتون ان غرائز الجماهير التي تجعل الغرب كمصدر هذه التغييرات الضيقة ويردون تمزق طرقهم القديمة في الحياة الي الغرب والي اثر السيطرة القديمة والدستور الغربي او النموذج الغربي ليست زائفة ، طالما ان الولايات هي الوريث الشرعي للغرب فقد ورثت الولاياتالمتحدة المظالم الناتجة واصبحت مركز الكراهية والغضب المتصاعد . ويستخلص لويس ان « هذا ليس اقل من صراع حضارات ربما غير عقلاني ولكنه بالتأكيد رد الفعل التاريخي لمنافس قديم ضد التراث الصهيوني المسيحي او الحاضر العلماني »، ويوصي لويس « بانه من الاهمية القصوى ان علي جانبنا يجب الا نستثار الي رد فعل تاريخي مماثل ولكنه ايضا رد فعل غير عقلاني ضد هذا المنافس ، وفي نفس الوقت يجب ان نحرص جدا علي كل الجوانب لتجنب خطر حروب دينية جديدة تنشأ من تفاقم الخلافات واحياء التحيزات القديمة» ويخلص هذا الي نصيحة بقوله « انه من اجل هذه الغاية يجب ان تعمل علي تحقيق تقدير افضل للديانات الأخرى والثقافات السياسية من خلال دراسة تاريخهم وادبهم وانجازاتهم ، وفي نفس الوقت يمكن ان نأمل في انهم سيحاولون التوصل الي فهم افضل لنا وخاصة لأنهم سيتفهمون ويحترمون ، حتي ولو لم يختاروا ان يتبنوا مفاهيمنا الغربية حول العلاقة السليمة بين الدين والسياسة » . وهكذا نجد ان برنارد لويس ، ورغم تحيزاته المعروفة عن الاسلام والمسلمين ، وتفسيراته الضيقة لاسباب الغضب والاستياء الاسلامي من السياسات الامريكية ، فانه فيما يتعلق بمفهومه عن صدام الحضارات وحديثه عن الحدود الدامية للإسلام بشكل رآه مؤرخون امريكيون بأنه اعلان عن حرب عالمية ثالثة ، فان لويس يدعو الولاياتالمتحدة والغرب الي تجنب حروب دينية جديدة ، ويدعوهم الي تقدير افضل للديانات والثقافات السياسية الأخرى ودراسة تاريخهم وادبهم وانجازاتهم في نفس الوقت الذي دعا الي فهم واحترام متبادل. غير ان هذا لا ينفي الدور الذي قام به برنارد لويس وبشكل خاص بعد احداث 11 سبتمبر حيث اعتمدت عليه الادارة الامريكية لتبرير حربها علي العراق ، والتقطه المحافظون الجدد في الولاياتالمتحدة واستخدموه لكي يقدم لهم الاساس النظري والتاريخي لأعدادهم للحرب علي العراق ، وعملهم الدائب لكي يحولوا الاسباب الحقيقية لاستياء المسلمين من الولاياتالمتحدة الي عوامل وتفسيرات ساذجة مثل حب المسلمين لرفاهية وتقدم وقوة الولاياتالمتحدة.