شواهد الأيام الأخيرة بشأن العلاقات المصرية - الأمريكية تقول إن هناك فجوة كبيرة بين البلدين ربما تزداد كلما ازدادت حدة الأوضاع المضطربة فى الشرق الأوسط . وكلما عجزت واشنطن عن بناء رؤية واضحة ازاء تمدد تنظيم «داعش» فى عدد من الدول العربية التى تعانى حروبا داخلية لا يكفى معها الحديث عن مجرد التوصل الى تسويات سياسية كما يردد المسئولون فى واشنطن، خاصة ما يتعلق بالوضع فى ليبيا المجاورة التى تسللت عناصر «داعش» الإرهابية الى مدنها فى غفلة من المجتمع الدولى الذى قادت الولاياتالمتحدة عملية اسقاط معمر القذافى قبل ثلاثة أعوام ثم تركته فريسة للمتطرفين بعد أن مهدت لهم الأرض. --- قراءة الصحافة الأمريكية بعد العمليات العسكرية التى بدأتها مصر ضد معسكرات داعش فى ليبيا تثير علامات استفهام وتعجب كثيرة حول قدرة الادارة الأمريكية على تسويق أفكارها بين الصحفيين فى وسائل الاعلام الواسعة الانتشار من أول الادعاء بأن التدخل المصرى ضد العناصر الإجرامية يؤدى الى تعقيد المشهد الليبى ومرورا بالقول إن الرئيس عبد الفتاح السيسى يخفف الضغط على الوضع فى الداخل وهو الادعاء نفسه الذى تروجه صحف وفضائيات مقربة من جماعة الاخوان ونهاية بالاشارة الى تشابك الصورة على المستوى الاقليمى وخشية واشنطن من استغلال موسكو للوضع الحالي. وهى كلها حجج لا تنطلى على غالبية المتابعين لما يجرى فى المنطقة أمريكيا ودوليا حيث تتعرض شعوب العالم العربى لخطر داهم من جماعات دموية لم يسبق أن ظهرت فى أى منطقة من العالم ويثير انتشارها أسئلة لا نهاية لها حول من يقف وراءها. --- بعد خطاب الرئيس الأمريكى باراك أوباما أمام مؤتمر الارهاب فى واشنطن الأسبوع الماضى تتكشف بعض الحقائق حول الموقف الأمريكى منها أن واشنطن لا تطيق التحرك المنفرد لدولة فى الاقليم للدفاع عن مواطنيها وهى الدولة نفسها التى تتمتع بأكبر قدر من التماسك الداخلى بعد الثورات التى جاءت بالانهيارات المتتالية فى سوريا وليبيا واليمن وقبلهما العراق والأخير هو ضحية التدخل العسكرى الأمريكى المباشر الذى نصب حكومات فاشلة وفتح الأبواب لجماعات ارهابية كانت المقدمة لظهور داعش وغيرها. وحجة واشنطن فى التدخل اليوم فى العراق لوقف تقدم الارهابيين من داعش أن الحكومة العراقية قد طلبت منها استخدام القوة العسكرية هناك بينما ما يجرى فى ليبيا هو شأن آخر، فواشنطن لا تدعم الحكومة الشرعية فى طبرق ولا ترفع حظر السلاح عنها وتترك المجال لدخول مزيج غريب من المقاتلين الأجانب والمرتزقة بينما تفتح الأبواب فى الغرب لحكومة غير شرعية فى طرابلس قوامها الرئيسى من جماعة الاخوان حتى تكتسب شرعية الأمر الواقع رغم أن العديد من الدراسات التى خرجت من مراكز الأبحاث الغربية تحدثت عن ضرورة الحسم العسكرى للوضع لو تعثرت العملية السياسية وهى متعثرة بالفعل اليوم ولا يوجد أمل فى حل ممكن. ---- اللافت أن خطاب أوباما أمام المؤتمر أراد بطريقة غير مباشرة تقويض الدعوة التى أطلقها الرئيس السيسى عن ضرورة البدء فى «اصلاح الخطاب الديني» وهى الدعوة التى لاقت استحسانا فى الشرق والغرب، لكن الادارة الأمريكية قابلتها بفتور معتاد عندما تحاول مصر أن تقدم رؤية شاملة لمواجهة التطرف واكتفى الرئيس الأمريكى بكلام مرسل عن ضرورة مواجهة الأسباب التى تنعش التنظيمات المتطرفة ومنها عدم وجود وظائف واليأس من البدائل السياسية المتاحة وعدم دمج ما يسمى القوى المعتدلة للاسلام السياسى وهو ما أثار سخرية واسعة فى الأوساط الأمريكية والدولية بسبب سذاجة الطرح وتجاهل العوامل الرئيسية لظهور تلك التنظيمات الوحشية وأهمها حصولها على دعم سياسى وعسكرى مباشر وتسهيلات مريبة من دول فى اطار صراعات اقليمية معقدة بدأت فى سوريا وامتدت الى دول أخري. ويتناسى أوباما أن الصراعات السياسية ليست مبررا للجوء الى العنف وحمل السلاح ضد الشعوب المسالمة وتدمير مقدراتها. ---- تختلف الولاياتالمتحدة مع مصر بشأن مواجهة «عدو واحد» يهدد الأمن القومى العربى لانها تريد فقط أن تسير القاهرة فى ركاب سياستها ورؤيتها للاوضاع وحيث يصعب أن تعترف النخبة السياسية فى واشنطن بالأخطاء الكارثية التى قوضت دولا بكاملها.. فهى نخبة لا ترى الا الصواب فى أفكارها واستراتيجياتها ونحن مجرد متلقين لما يخرج من العاصمة الأمريكية.. فى خروج مصر عن النمط التقليدى لعلاقات واشنطن بالدول الصديقة والحليفة على مدى عقود توابع ومسارات خطرة تحتاج الى يقظة أكبر! لمزيد من مقالات عزت ابراهيم