لا تشكل عودة فلاديمير بوتين إلي الرئاسة الروسية عبئا علي الديمقراطية الهشة في بلاده وحدها ولكنه يشكل عبئا علي العلاقات مع الغرب بشكل عام والولاياتالمتحدة بشكل خاص مع تزايد التوتر بين موسكو وواشنطن في مناطق حيوية لكلاهما. وبالأخص في منطقة الشرق الأوسط التي تمر بتحولات عميقة تشكل تحديا حقيقيا للمصالح التي إستمرت لعقود طويلة شبه مستقرة. يعود بوتين لقمة السلطة في خضم خلافات عميقة حول حالة حقوق الإنسان والمنظمات المدنية والحقوقية بين البيت الأبيض والكرملين وهي التي تزايدت بعد وصول السفير الأمريكي الجديد مايكل ماكفويل, المسئول السابق عن ملف الديمقراطية وحقوق الإنسان وشرق أوروبا في مجلس الأمن القومي الأمريكي, إلي موسكو مصحوبا بضجة كبري حول تواصله مع المجتمع المدني الروسي وقبلها كان الروس والأمريكيون يتبادلان الإتهامات حول ملفات إقليمية مثل الوضع في ليبيا ثم الموقف الروسي الأخير الرافض لإدانة نظام بشار الأسد في روسيا بعد تصاعد المواجهات وإستخدام قوات الجيش ضد المدنيين العزل في مناطق عديدة من سوريا. كما أن بوتين يتقلد السلطة وعيناه علي ما يتردد من مساندة الولاياتالمتحدة للثورات الملونة في الدول التي كانت ضمن المعسكر الشرقي سابقا حيث يخشي من إمتداد الموجة التي هدأت اليوم إلي بلاده, خاصة وأن السفير الأمريكي الجديد من أقوي الداعمين للتغيير في دول أوروبا الشرقية. وقد إستبقت وزارة الخارجية الأمريكية تقلد بوتين للمنصب برد فعل' بارد' ولم تلتفت للبروتوكول في العلاقات الدولية- خاصة بين الكبار- عندما إمتنعت عن تهنئة الرجل بالفوز بالرئاسة وعبرت عن قلقها من المخالفات التي شهدتها الإنتخابات الروسية وهو موقف سوف يترك اثره علي العلاقات الثنائية في السنوات الست المقبلة وهي فترة بوتين في الكرملين. من ناحية ماضي العلاقات بين بوتين الرئيس والغرب, هناك حالة من عدم الإرتياح في التعامل بين الطرفين وهو ما عبرت عنه خبيرة أمريكية بالقول أن بوتين ينظر إلي العلاقات الدولية وتعارض المصالح مع الغرب علي أنها' مباراة صفرية' يجب أن تنتهي بإنتصار طرف علي طرف وهو ما يجعل الصدام قائما في معظم الاوقات علي خلاف فترة حكم ميدفيدف التي كانت تتسم بميل لتسوية الخلافات دون خلافات عميقة مع الغرب. وقد ألقي بوتين باللوم علي القوي الغربية طوال الحملة الإنتخابية عندما إتهم الولاياتالمتحدة وحلفائها بمحاولة إضعاف بلاده وقال ما أعتبره البعض بمثابة المبدأ السياسي والإستراتيجي لفترة حكمه الجديدة حيث قال أن تحقيق إستقرار في النظام الدولي والوصول إلي صيغ مستقرة للأمن الدولي يتطلب التعاون مع روسيا وليس إحتوائها إو أضعافها. من المنظور السابق, يعتزم بوتين رفع مستوي القدرات العسكرية الروسية في السنواتا لمقبلة من خلال إنفاق مئات المليارات علي تحديث الترسانة العسكرية حتي يكون في وضع أفضل للمناورة مع الغرب في فترة حكمه بعد ما قيل عن خلافات بينه وبين ميدفيدف حول قضايا عديدة منها الحرب علي ليبيا والتفويض الدولي لإسقاط النظام السابق في طرابلس. كما أن تحديث الترسانة العسكرية والصناعات الحربية سيكون بوابة العبور إلي أسواق جديدة لتعويض ما فات من مبيعات الأسلحة وإحتمال فقد عملاء تقليديين في المستقبل مثل ليبيا وسوريا وربما إيران. ويتوقع الأمريكيون أن يواجه بوتين الغرب بقوة في ملفات مثل إيران وسوريا حيث سيواصل معارضته للتدخل العسكري وسيدفع في طريق بناء علاقات تسليح جديدة مع دول المنطقة بما سيخلق توترا وتلاسنا سياسيا بين موسكو والعواصم الكبري في الغرب في أقرب فرصة للصدام, فعندما يكون الصراع علي أسواق السلاح تشتد ضرواة المواجهات خاصة في منطقة الصراعات الأولي في العالم- الشرق الأوسط. في المقابل, لا يمكن التعامل مع الغرب في علاقته بروسيا علي أنه كتلة واحدة حيث مصالح أوروبا الغربية مع موسكو يجعلها عنصر التلطيف في العلاقات. وتحصل دول غرب أوروبا علي ربع إحتياجاتها من الغاز الطبيعي من روسيا ويهمها الحفاظ علي تلك الروابط وطمانة بوتين بشأن مستقبل العلاقات فيما تحصل موسكو علي التكنولوجيا المتقدمة التي لا تستطيع الإستغناء عنها في مشوار التحديث الطموح للرئيس الجديد-القديم- بوتين غير ان التعويل علي الموقف الأوروبي وحده لا يكفي حيث يتوجب علي الرئيس الأمريكي باراك أوباما التقارب أكثر مع بوتين وبناء تفاهمات بينهما بعد أن إنقطعت بهم سبل التواصل رغم وصول أوباما للسلطة قبل ثلاثة أعوام حيث كان بوتين هو المحرك الرئيسي للسياسة الخارجية من وراء الستار.. فمثل تلك اللقاءات يمكن أن يكون لها مفعول السحر في قيام صداقة أو يمكن أن تنقلب إلي شئ أخر يولد عدم إرتياح ويزيد الفجوة!