وزير الري: ضرورة تضافر الجهود لتوفير تمويلات من الجهات المانحة لدول النامية    «مدبولي»: الحكومة ستعمل مع القطاع الخاص لتذليل أى عقبة تواجه قطاع الدواء    "رجال الأعمال" تحدد أبرز تحديات قطاع الاتصالات أهمها دعم الشركات الناشئة    رئيس وزراء بولندا: محاولة المساواة بين نتنياهو وقادة حماس غير مقبولة إطلاقا    «في الجنة يا مدحت».. الزمالك يهدي كأس الكونفدرالية لروح المعد البدني (صورة)    كريستيانو رونالدو يوجه رسالة ل توني كروس.. صورة    تشكيل الأهلي المتوقع ضد الترجي في إياب نهائي دوري أبطال إفريقيا    تصل ل41 درجة في القاهرة..درجات الحرارة اليوم الثلاثاء 21 مايو في المحافظات    عاجل | رابط سريع كيفية الحصول على نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 بمحافظة القليوبية    جنايات سوهاج تقضى بإعدام متهم لقتله سيدة بمركز جرجا    برنامج Microsoft Paint يحصل على منشئ صور جديد مدعوم بالذكاء الاصطناعى    أعمال لم تعرض.. زوجة عمار الشريعي تكشف مفاجأة كبيرة (فيديو)    بهجة العيد وتلاقي التهاني: عيد الأضحى المبارك 2024 على الأبواب    مهرجان كان.. النجمة العالمية كيت بلانيت: للنازحين صوت ولديهم قصص ملهمة    مدبولي ل«ممثلي قطاع الدواء»: الحكومة تعمل جنبًا إلى جنب مع القطاع الخاص لتذليل أي عقبة    صحة الإسماعيلية توقع الكشف على 1443 حالة بالمجان في قافلة طبية بمركز القصاصين    دعاء اشتداد الحر عن النبي.. اغتنمه في هذه الموجة الحارة    برلمانية تطالب بوقف تراخيص تشغيل شركات النقل الذكي لحين التزامها بالضوابط    محافظ أسيوط: مواصلة حملات نظافة وصيانة لكشافات الإنارة بحي شرق    زوجة المتهم ساعدته في ارتكاب الجريمة.. تفاصيل جديدة في فاجعة مقتل عروس المنيا    "السرفيس" أزمة تبحث عن حل ببني سويف.. سيارات دون ترخيص يقودها أطفال وبلطجية    النطق بالحكم على مدرس الفيزياء قاتل طالب الثانوية العامة بعد قليل    تأجيل محاكمة 12 متهمًا في قضية رشوة وزارة الري ل25 يونيو المقبل    مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى.. والاحتلال يعتقل 14 فلسطينيا من الضفة    أبو علي يتسلم تصميم قميص المصري الجديد من بوما    «نجم البطولة».. إبراهيم سعيد يسخر من عبدالله السعيد بعد فوز الزمالك بالكونفدرالية    لمواليد برج الثور.. توقعات الأسبوع الأخير من شهر مايو 2024 (تفاصيل)    جهاد الدينارى تشارك فى المحور الفكرى "مبدعات تحت القصف" بمهرجان إيزيس    تعرف على تطورات إصابات لاعبى الزمالك قبل مواجهة مودرن فيوتشر    أمين الفتوى: قائمة المنقولات الزوجية ليست واجبة    هل يجبُ عليَّ الحجُّ بمجرد استطاعتي، أم يجوزُ لي تأجيلُه؟.. الأزهر للفتوى يوضح    الجيش الإسرائيلى يعلن اغتيال قائد وحدة صواريخ تابعة لحزب الله فى جنوب لبنان    مصدر سعودي للقناة ال12 العبرية: لا تطبيع مع إسرائيل دون حل الدولتين    أفضل نظام غذائى للأطفال فى موجة الحر.. أطعمة ممنوعة    الجامعة العربية والحصاد المر!    «غرفة الإسكندرية» تستقبل وفد سعودي لبحث سبل التعاون المشترك    السيسي: مكتبة الإسكندرية تكمل رسالة مصر في بناء الجسور بين الثقافات وإرساء السلام والتنمية    المالية: بدء صرف 8 مليارات جنيه «دعم المصدرين» للمستفيدين بمبادرة «السداد النقدي الفوري»    «بيطري المنيا»: تنفيذ 3 قوافل بيطرية مجانية بالقرى الأكثر احتياجًا    وزير الأوقاف: انضمام 12 قارئا لإذاعة القرآن لدعم الأصوات الشابة    يوسف زيدان يرد على أسامة الأزهري.. هل وافق على إجراء المناظرة؟ (تفاصيل)    أفعال لا تليق.. وقف القارئ الشيخ "السلكاوي" لمدة 3 سنوات وتجميد عضويته بالنقابة    تفاصيل حجز أراضي الإسكان المتميز في 5 مدن جديدة (رابط مباشر)    في اليوم العالمي للشاي.. أهم فوائد المشروب الأشهر    «الشراء الموحد»: الشراكة مع «أكياس الدم اليابانية» تشمل التصدير الحصري للشرق الأوسط    هالاند.. رقم قياسي جديد مع السيتي    الجلسة التحضيرية الرابعة للمؤتمر العام للصحافة مع القيادات الصحفية، اليوم    لهذا السبب.. عباس أبو الحسن يتصدر تريند "جوجل" بالسعودية    وزير التعليم: مدارس IPS الدولية حازت على ثقة المجتمع المصري    أسعار طن الحديد فى مطروح وسيوة اليوم الثلاثاء 21 مايو 2024    حفل تأبين الدكتور أحمد فتحي سرور بحضور أسرته.. 21 صورة تكشف التفاصيل    «القومي للمرأة» يوضح حق المرأة في «الكد والسعاية»: تعويض عادل وتقدير شرعي    وكيل "صحة مطروح" يوجه برفع مؤشرات الأداء والاستغلال الأمثل للتجهيزات المتاحة بالمستشفيات    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 49570 جنديًا منذ بداية الحرب    اليوم.. «خارجية النواب» تناقش موازنة وزارة الهجرة للعام المالي 2024-2025    مندوب مصر بالأمم المتحدة لأعضاء مجلس الأمن: أوقفوا الحرب في غزة    عمر العرجون: أحمد حمدي أفضل لاعب في الزمالك.. وأندية مصرية كبرى فاوضتني    بوتين: مجمع الوقود والطاقة الروسي يتطور ويلبي احتياجات البلاد رغم العقوبات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أهلاً بالمعارك
نشر في الأهرام اليومي يوم 20 - 02 - 2015

هذه الأيام لا يحضرنى فيها سوى كلماته.. حنحارب حتى النصر.. تحيا مصر.. تحيا مصر.. ووالله زمان ع الجنود زاحفة بترعد رعود،
هموا وضموا الصفوف شيلوا الحياة ع الكفوف ياما العدو راح يشوف منكم فى نار الميدان.. الشعب بيزحف زى النور، والجنة هى بلادنا وجهنم هى حدودنا اللى يخطيها راح يهلك فيها ويدوق الموت على إيدنا، ومحلاك يا مصرى وانت ع الدفة والنصرة عاملة في القنال زفّة يا ولاد بلدنا تعالوا ع الضفة، وبالأحضان بالأحضان يا بلادنا يا حلوة بالأحضان، في معادِك يتلموا ولادِك والغايب مايطيقش بعادِك يرجع ياخدك بالأحضان، يا حبيبتي يا أمى يا بلادي يا غنيوة ف دمى علي صدرك أرتاح من همى وبأمرك أشعلها نيران، أحلف بقرآنى وإنجيلى بهدف عظيم دايماً يناديلى، أحلف بكل بطل في عمل، بالفلاحين، بالعمال، بالفن اللى بيدينا أمل، وبالجنود علي كل حدود، أحلف بكل صبي وصبية، وأهلا بالمعارك يا بخت مين يشارك بنارها نستبارك ونرجع منصورين، ويا بخت الشهيد ح يعيش من جديد في كل ضحكة وبسمة، في كل غنوة عيد، في صرخة الوليد، وصورة صورة صورة كلنا كده عايزين صورة للشعب الفرحان تحت الرايةالمنصورة، يا زمان صورنا يا زمان ح نقرب من بعض كمان واللى ح يبعد م الميدان عمره ما حيبان في الصورة، شبان والشبان في بلدنا فى الصورة فى أهم مكان.. صوّر يا زمان...
صلاح چاهين.. يحضرنى بكثافة هذه الأيام.. لماذا صلاح الآن؟!.. أتذكره مع مانشيتات جرائم الإرهاب وداعش والقاعدة وبوكو حرام، وكل حرام بيحصل في «الرواية الأمريكانية»:
فى الرواية الأمريكانية: العصابة
تقتل اللي تخاف ليفتن للنيابة..
الزعيم يأمر بحبسه جوه غابة
والرصاص يعمل عزومة للديابة
أصل كان يعرف حاجات فوق اللزوم
والقتيل عمره ما ينطق أو يقوم
والعصابة الأمريكية العالمية
مش بتسرق ميه ولا خمسمية
لا دى بتقشط شعوب م الإنسانية
يحضرنى چاهين هذه الأيام الشداد لأردد معه: الحرب مش نزهة ومش تفاريح.. ومش طبل أجوف يملا سمع الريح.. والحرب لما تبقي حرب صحيح.. معناها موت وألم ودم يسيح.. وأنا كل يوم أسمع: فلان عذبوه، أسرح فى بغداد وسوريا وأتوه، ماأُعجبش م اللي يطيق بجسمه العذاب، وأعجب من اللى يطيق يعذب أخوه!.. و..كام اشتغلت يانيل فى نحت الصخور، مليون بؤونة وألف مليون هاتور، يا نيل أنا ابن حلال ومن خِلفتك، وليه صعيبة عليّ بس الأمور؟! و..سمعت نقطة ميه جوه المحيط، بتقول لنقطة ماتنزليش في الغويط، أخاف عليكى م الغرق. قلت أنا ده اللي يخاف م الوعد يبقي عبيط!!.. و..ياللى بتبحث عن إله تعبده، بحث الغريق عن أى شيء ينجده، الله جميل وعليم ورحمن ورحيم، إِحمل صفاته، وانت راح توجده.. و..يأسك وصبرك بين إيديك وانت حر، تيأس ما تيأس الحياة راحتمر، أنا دقت مِندا ومِندا عجبي لقيت الصبر مر، وبرضك اليأس مر.. و..قالوا الشقيق بيمصّ دم الشقيق، والناس ماهيّاش ناس بحق وحقيق، قلبي رميته وجبت غيره حجر، داب الحجر.. ورجعت قلبي رقيق!! و..نظرت في الملكوت كتير وانشغلت، وبكل كلمة «ليه؟» و«عشانيه» سألت، أسأل سؤال.. الرد يرجع سؤال، وأخرج وحيرتى أشد مما دخلت!!.. و..خرج ابن آدم من العدم قلت ياه، رجع ابن آدم للعدم قلت ياه، تراب بيحيا وحى بيصير تراب، الأصل هو الموت واللا الحياة؟!!.. و..يا باب أيَا مقفول.. امتى الدخول.. صبرت ياما واللي يصبر ينول.. دقيت سنين والرد يرجع لي: مين؟! عجبي.. لو كنت عارف مين أنا.. كنت أقول!!.. وأنا في الضلام.. من غير شعاع يهتكه، أقف مكانى بخوف ولا أتركه.. ولما ييجى النور وأشوف الدروب، أحتار زيادة.. أيهم أسلكه! و..بحر الحياة مليان بغرقي الحياة، صرخت خَش الموج في حلقى ملاه، قارب نجاة لله قالولي مفيش، غير بس هو الحب قارب نجاة!.. و..سَهيّر ليالى.. وياما لفيت وطفت وف ليلة راجع في الضلام قمت شُفت الخوف كأنه كلب سد الطريق.. وكنت عاوز أقتله بس خفت!.. و..غمست سنّك فى السواد يا قلم، علشان ما تكتب شعر يقطر قلم، مالك جرى لك إيه يا مجنون.. وليه رسمت وردة وبيت وقلم وعلم؟!.. الكون كيف موجود من غير حدود.. وفيه عقارب ليه وتعابين ودود.. عالِم مجرّب فات وقال سلامات.. ده يامّا فيه سؤالات من غير ردود!! و..فارس وحيد جوه الدروع الحديد.. رفرف عليه عصفور وقال له نشيد.. منين منين.. ولفين لفين يا جدع.. قال من بعيد.. ولسّه رايح بعيد!..
چاهين شاعر الشعب من بعد بيرم التونسى الذى ظل لا ينافسه أحد منذ ثورة 1919 إلى قيام ثورة 23 يوليو 1952 حتى ظهر صلاح ليكون خطوة جديدة لامعة في تطور الشعر الشعبي، وليحتل بموهبته الكبيرة المكان الذي أصبح خالياً بعد أن أعطانا بيرم أروع ما عنده..
چاهين كان يتيه فخرًا بأصله ونسبه.. كتب والده بدقة القاضى فى مذكراته أن النجل صلاح ولد بالمنزل رقم 12 بشبرا مصر الساعة السادسة من مساء يوم الخميس الموافق 5 من شهر شعبان 1349ه و25 ديسمبر 1930م أو 19 كيهك 1674 قبطية..... يستدير صلاح في كرسى مكتبه المقابل لى في الأهرام يشير من النافذة بأن في الشارع القريب هناك من أخبار اليوم بعد المحكمة بشوية قرب محطة مصر موقف أحمد حلمي.. جده.. الكاتب السياسى في جريدة اللواء مع الزعيم مصطفى كامل، وعندهم فى البيت صورة للزعيم ذاته مكتوب عليها إهداء بخط يده، وكان البوليس يقبض علي جده من أجل مبادئه، وللجد كان تمثال لوقت قريب في مدخل نقابة الصحفيين، وقد سَجَنَ الإنجليز هذا الجد بتهمة الدعوة إلى الثورة على الإنجليز، وكان شعوره الوطنى يلون كل شىء حتى حياته اليومية، فكان إذا رأى أحدًا يضرب طفلا يقول: اتركوه ربما كان هذا هو الذى سيخرج الإنجليز من مصر.. كان أحمد حلمى امتدادًا لجناح المثقفين فى ثورة عرابى، وكان مثل بقية الحزب الوطنى فى عهد مصطفى كامل ومحمد فريد من أبناء الجيل الثاني لهذا الجناح، وقد عاش صلاح طفولته الأولى فى هذا الجو، وتربت فيه تلك الحاسة الشعبية منذ طفولته الأولى من خلال الأحاديث والأحداث والأشخاص الذين كانوا يحيطون بجده، ويكونون الجو الرئيسى للأسرة كلها.. صلاح ابن القاضي الذي رفض والده أن يعمل ابنه بالفن والشِعر، لكن من المفارقات الغريبة بعدها عندما عين رئيساً لمحكمة الاستئناف العليا وذهب ليؤدى اليمين الدستورية أمام عبدالناصر همس وزير العدل فى أذن الرئيس بأنه والد الشاعر صلاح چاهين فانبسطت أسارير عبدالناصر وعاود من جديد مصافحة الرجل بكلتا يديه وبحرارة شديدة، ومن النادر أن يحدث ذلك من عبدالناصر! فلما عاد الأب إلى المنزل قال لابنه صلاح، وكان فى غاية السعادة: «يا ابن الإيه معقولة أن يصل الأمر أن أعرّف بك؟!».. ومات الأب ليُرثى صلاح ذكراه بقوله: «وقفت أنا ع الشط أنده عليك لقيت عبايتك ع الرمال.. نفَّضتُها.. ولبستها ومشيت ما بين الرجال.. وأنا كنت شيء، وصبحت شىء، شوف ربنا قادر علي كل شيء.. هز الشجر شواشيه وشوشنى قال: لابد ما يموت شىء عشان يحيا شيء.. وأنا كانلى أب وكان رئيس محكمة ستين سنة. فى قضية واحدة اترمى ستين سنة، وطلع براءة وخرج، يشكي الحياة والموت لرب السماء.. عجبى!».. وخلّف صلاح بنت «أمينة» وولد «بهاء» وقال يوصى الولد: «أوصيك يا ابنى بالقمر والزهور.. أوصيك بليل القاهرة المسحور.. وإن جيت في بالك.. اشترى عُقد فُل لأى سمرا.. وقبرى أوعك تزور!!»..
فى الثالثة تعلم صلاح القراءة والكتابة بعدما استقالت والدته من عملها كمُدرسة لتتفرغ لتنشئته، لكنه قال بعدها إنها من هنا جنت عليه من حيث لا تعلم، فالطفل في داخله ظل حبيساً لا يجد منفذا، حتى إنه بعد التوجيهية ثار وهرب من الدراسة كلها، وكان قد دخل مضطرًا وغصباً عنه كلية الحقوق نزولا علي رغبة والده، وقبل ما يتخرج فيها بسنة تركها وخرج بلا ليسانس، ومثلها كلية الفنون الجميلة التي مكث فيها سنتين لا غير: «وكان عمرى 4 سنين وأحمل فوق عنقى دماغاً ضخماً كأنه دماغ رجل، وأذكر أن أبى كان قاضياً في ملوي وسافرت مع أمى ممددًآ علي كنبة في ديوان القطار، وقد غطتنى ببطانية ثقيلة حتي لم يعد ظاهرًا منى سوى دماغى وأطراف أصابعى التي تمسك بمجلة روزاليوسف أقرأ فيها، وجاء الكمسارى وصرخ: تذاكر، فأعطته أمى التذكرة، فأشار ناحيتى وكأنه ضبطها متلبسة: والأستاذ تذكرته فين؟!».. ولم يقتنع إلا بعدما كشفت الوالدة عنى الغطاء ليكتشف أننى مجرد عود كبريت في آخره بطيخة.. لم أكن بديناً وقتها وحتي سن البلوغ، لكنى بعدما خرجت من معترك مرض التيفود جلدًا على عضم شعرت بأنى جعان جوع القملة في رأس أصلع، نزلت علي الأكل هتتك بتتك حتى وصل وزنى إلى 136 كيلو، وكل ما انكسف من شكلى أطلّع همى في الأكل»..
لماذا صلاح چاهين الآن؟!.. أتذكره لأنه الصديق والزميل والفنان صاحب القضية الذي أحدث بفنه الكاريكاتيرى أزمات سياسية عديدة كان من أبرزها اختلافه في الرأى مع الشيخ الغزالي عند مناقشة مشروع الميثاق عام 1962 فاستبيح دمه، ووصلت المظاهرات ضده إلي أمام مبنى الأهرام، ولولا تدخل الأستاذ هيكل وقتها لحدث ما لا تحمد عقباه، ومن أجل نكتة رسمها انتقد فيها نتائج التحقيق غير الجدى بشأن تلوث مياه الشرب في القاهرة حدثت أزمة طاحنة بين الصحافة والمدعي الاشتراكى ليقول صلاح عبارته الشهيرة: «أنا حاسس إن مخى حيطرقع كل ماافتكر اللى حصل للبلد».. أتذكره عندما وشى به البعض كى تعتقله السلطات فرد ساخرًا بقوله:
أنا قلبي كان شخشيخة أصبح جرس
جلجلت بيه، صحيوا الخدم والحرس
أنا المهرج، قمتوا ليه؟ خفتوا ليه؟
لا في إيدى سيف ولا تحت منى فرس!!
أتذكره لأنه.. أورثنى السهر فى العمل منذ كنا نعمل معاً لإخراج مسلسل «هو وهى» للنور بعدما اخترنا حلقاته من بين القصص التي كنت أكتبها في الأهرام وقدر لها أن يكون بطلاها سعاد حسنى وأحمد زكي مع باقة من المحال أن تجتمع في عمل درامى مرة أخرى، فقد كان من بينها كمال الطويل وعمار الشريعى ويحيي العلمي وأبوبكر عزت وتحية كاريوكا وحسن عابدين الخ.. وأذكر له مرة في وسط الليل والسكون يغلف الإطار والنوم يقارب الإغماء أن انشرخ الصمت برنين طويل فى الصالة من بعيد، أيام لم يكن فيها سماعة لاسلكى تأخذها مطرح ما تروح، ولا موبايل تخرس صوته وتتركه يرعش وحده تحت المخدة يصحيك بدغدغة.. قمت ألطِّش لحظات فيها التفكير مشلول مع الشعور بعدم الحضور كلية ولا أين القدم من الرأس.. قمت للتليفون وأنا لم أزل مبعثرة على مسرح الأحلام العبثية التي تحيى الأموات وتقصف بعمر الأحياء وتجعل من العدو أعز حبيب والجبان صنديد.. يأتينى صوته المعجون بالطفولة والحنان والنغم: سناء.. أيوه يا صلاح.. انت نايمة؟!.. معقولة أنام دلوقتى دى الساعة لسه تلاتة صباحاً!! معقولة يركبنى الكسل والفجر لسه ماشقشقشي؟! أنام دلوقت وچاهين سهران بيوزع كلامى في سيناريو.. سهرانة طبعاً وهو ربنا مش جعل الليل قياما والنهار نياماً!!.. اتفضل.. تحت أمرك؟!.. سناء عايز أسألك حقيقى انت لما بتحبي تسوقي الدلال علي جوزك بتقول له إيه؟!.. حاولت أنسى أنه في بيتنا خلاص هجرنا صنف الدلال وأمور السفاسف من بعدما ركزت من غبائى كل اهتمامى علي ابنى الذى اعتبرته معجزة عمرى.. عدت للخلف للوراء.. لزماااان.. عدت لصلاح أقول له: لما أحب أسوق الدلال أقول له قوم هات لي شيكولاتة.. وتغنى سعاد حسني من كلمات صلاح چاهين بعدها: قوم هاتى لى شيكولاتة يا بلاش يا وله، قوم رجع البطاطا يا بلاش يا وله.. الشيكولاتة ساحت راحت مطرح ما راحت..
وفي فجر آخر يوقظنى أبو صلاح ليسألنى عن رأيى فى نكتة يرسمها للغد فيها امرأة منقبة، داخل خيمتها السوداء، تقف خلف منصة خطابه فى نهاية القرن العشرين بمناسبة إحياء ذكرى الرائدة هدى شعراوى، التي نضت عنها الحجاب فى أوائل ذلك القرن العشرين!! قلت له دوغرى وبلا تردد: «بلاش والنبى يا صلاح»، وذلك من منطلق خوفى عليه وقتها من هجمة المتشددين.. وخاف صلاح.. وليتنى وقتها قد قلت له: ارسم يا صلاح.. ارسم يا صلاح.. ولتكن الرجل الذى قال: «لا» فها هي داعش الآن تُحرّم على النساء الجلوس فوق الكراسى لأن منزلتهن فى الإسلام الداعشى فى الأرض.. فى الحضيض.. بينما نبى الإسلام والتوحيد محمد صلى الله عليه وسلم الذى يرفعون زيفاً اسمه علي راياتهم الإرهابية السوداء كان يشارك زوجه عائشة أم المؤمنين فراشها، وعلى صدرها قضى نحبه...
صلاح من كان يعلق فوق حائط الصالة في بيته صورة ضخمة لنيللي التي كان يكتب لها الفوازير، ويوم ما دخلت علينا سعاد في بداية المسلسل نظرت بطرف العين للحيط فوصلت صلاح الرسالة، وذهبنا في اليوم التالي نكمل ما بدأنا فيه لقيت صورة سعاد ع الحيط ونيللى اختفت داخل الأضابير!
وعلي فكرة إياكم من الظن بأن القعدة في مكتب واحد مع فنان وعبقرى يوصف خارجياً بأنه مفجر المرح أو باعث الضحكة للقلب الحزين، إنها تبقى زمالة آخر أنس تحسد عليها من الملايين التي تتمنى موقعك.. لا والله.. ليس الجلوس الطويل الممتد مع هذه الصفوة والندرة سعادة، ولا هى لحظات ممتدة من القهقهة والفرفشة والفِشّة العايمة والصهللة.. لا والله.. فقد زاملت في مكتب واحد كلا من الكاتب الساخر محمد عفيفى، وصلاح چاهين، وأحمد بهجت.. جاورتهم ساعات وأياما وشهورا وسنين فلم أضحك كثيرًا، ولم يمض الزمان بجوارهم فى أنس أو مرح، اللهم إلا سويعات خارج دوام تجهمهم كمثل ما كان يرويه لي عفيفى عن جلسة الحرافيش، وعندما كان چاهين يقوم فجأة تعتريه نوبة رقص الباليه، ولما كان بهجت يسرد الأفعال الذكية لكلبه فى البيت.. ولقد كانت هناك مسحة حزن دفينة تسكن صلاح چاهين.. تسكن نظراته وأشعاره في بحثه الدائم المتلهف عن مأوى دافئ للنفس، وذعر من الحياة التى يعانيها المبدع وسط عالم صاخب ملىء بالضجيج لا يعبأ بمشاعر تبحث عن التجاوب، وفي قصيدته الرائعة «شوفي قد إيه» يقول صلاح:
خبينى في شعورك يا بت
أحسن عروقى اتخشبت
شعرك خشن زى الحرام الصوف يا بت
خبينى فيه م الزمهرير
ونيمينى ف السرير
إن الصلة النفسية الصحيحة بين الناس تقوم فى نظر شاعرنا بوظيفة أساسية هى توفير «الحنان» للقلب البشرى، ولن يتوفر جو الحنان إلا عن طريق الحب، ولذلك فإن الشاعر يؤكد دائما هذه العاطفة، فهي التى تعطى للحياة طعمها، وهى التى تنقذ الإنسان من وحدته ووحشته، وتدفئه وتحنو عليه.. ولكن معنى الحب في قلب چاهين عميق، عميق.. إن الحب ليس هو العاطفة التى تقتلها العادة وليس هو المصلحة المشتركة بين اثنين.. قد تكون فى هذه الأشياء رائحة للحب ولكنها ليست هى «الحب» الذى يحس به الشاعر.. ولأن معنى الحب فى نظره مثل لؤلؤة داخل صدفة مزروعة فى أغوار المحيط فهو يحس أن من الصعب تحقيقه:
ليه يا حبيبتى ما بيننا دايماً سفر
ده البُعد ذنب كبير لا يُغتفر
ليه يا حبيبتى ما بيننا دايماً بحور
أعدى بحر ألاقى غيره انحفر
ووراء كل شباك ألف عين مفتوحين، وأنا وانتى ماشيين يا غرامى الحزين، لو التصقنا نموت بضربة حجر، ولو افترقنا نموت متحسرين.. و..غمض عينيك وارقص بخفة ودلع، الدنيا هى الشابة وانت الجدع، تشوف رشاقة خطوتك تعبدك، لكن انت لو بصيت لرجليك.. تقع!.. ودخل الربيع يضحك لقانى حزين، نده الربيع على اسمى لمْ قلت مين، حط الربيع أزهاره جنبى وراح، وإيش تعمل الأزهار للميتين!.. و..كيف شفت قلبى والنبي يا طبيب، همد ومات والا سامع له دبيب، قاللى لقيته مختنق بالدموع، ومالوش دوا غير لمسه من إيد الحبيب!! .. وماحد فى الدنيا دى واخد جزاته، ولا حد بيفكر في غير لذّاته، ماتعرفيش يا حبيبتى.. أنا وانت مين؟! انت عروس النيل.. وأنا النيل بذاته!! وانشد يا قلبى غنوتك للجمال، وارقص في صدرى من اليمين للشمال، مااهوش بعيد تفضل لبكره سعيد، ده كل يوم فيه ألف ألف احتمال!.. و..حدوتة عن جعران وعن خُنفسة، اتقابلوا حبوّا بعض ساعة مِسَا، ولا قال لهم حد اختشوا عيب حرام، ولا قال دى علاقة متدنسة!
ويمنحنا صلاح چاهين إبداعاته العاطفية لترددها أجمل أصوات الحب فى ثلاثية العشق.. تغنى نجاة «بان علىّ حُبه»، وتشدو صباح «أنا هنا يا ابن الحلال»، وتُغرد فايزة «ياما قلبى قاللى لأ»، ورغم هذا الزخم العاطفي فى القلم والقلب يردد صلاح: فتحت شباكى لشمس الصباح، مادخلشي منه غير عويل الرياح، وفتحت قلبى عشان أبوح بالألم، ماخرجش منه.. إلا كلمة سماح!! ويظل أبدًا صلاح في وجدان أبناء الفن وأصحابه.. كل واحد له حكاية مع صلاح.. سعاد التي أصابها الاكتئاب من بعده لترحل في حضن الاكتئاب، وأحمد زكى لما سمع بموت چاهين قاده الحزن للجرى صارخاً فى الطرقات حتى أصيب بقرحة شديدة فى المعدة لم تشفها سوى الجراحة، وحكاية شريف منير عازف البرامز الذى اكتشف فيه صلاح ممثلا عظيما من نوع جديد فخلع عليه عباءة التبنى، ورغم أستاذيته يظل أبدًا مسكونا بالطفولة ليرسم صورتها عندما كان يجلس مستمتعاً ليشاهد فيلم طرزان مع قرطاس اللب وأحداث الفيلم:
طرزان بيصرخ: عاعاعاه
خنق الأسد
صرخت أنا كمان وراه
ولما قال لشيتا: يا أمه زغرطى
وحط رجله على التعيس فوق التراب
رسمتُ بعيون الخيال بدل الأسد
محمود أفندى حسين مدرس الحساب!
وأبدًا لم تكن العلاقة ما بين چاهين وثورة يوليو وقائدها علاقة العيد بالسيد أو التابع للمتبوع، كما أنها يقينا لم تكن علاقة الأرزقى بالسبوبة، لكنها كانت ولاء خالصا للوطن وللجماهير.. وقف جمال يسأله كما كان زمان السلطان يسأل الشاطر حسن: شبيك لبيك تطلب إيه؟!.. سأله عبدالناصر بعدما منحه وسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى: «انت عمرك ما طلبت منى حاجة يا صلاح نفسك فى إيه أحققه لك؟! نفسى يا ريس في مسرح أكون مسئولا عنه أعيد عليه أمجاد المسرح الغنائى والاستعراضى.. حاجة كده زى مسرح بريخت.. ووعده ناصر بتحقيق الحلم لكن سرعان ما حلت النكسة وضاع الحلم والوعد.. النكسة التي وظفها مصطفى أمين فى عبارته اللاذعة عن صلاح چاهين مقسماً حياته لمرحلتين: مرحلة كان فيها مخدوعًا بالبيانات الكاذبة التى صدقها، ومرحلة ثانية كان فيها چاهين مكتئبا من مرحلته الأولى.. وكتب صلاح يوصف مشاعره:
فى يوم صحيت شاعر براحة وصفا
الهم زال والحزن راح واختفى
خدنى العجب وسألت روحى سؤال
أنا مُت؟!.. والا وصلت للفلسفة
ومن بعدما نجح فى إنقاص وزنه من 125 كيلو إلى 70 كيلو فقط نظر فى المرآة بحسرة قائلا: «جزء من نفسى عزيز علىّ راح. فقدت نصفى.. فقدت نصف چاهين».. وفي اكتئابه ونظرته للموت وحّد صلاح ما بين الصفوف وشجب شرخ الطائفية فى الوطن:
الكل مصريين.. الكل نفس الهوية
نعْى المطارنة جنب نعْى الشيوخ
فى وحدة أبدية..
ما تعرف الطايفة المسيحية م الإسلامية
تشهد صورهم جنب بعضيهم
بأن دى هيا ديا..!
[email protected]
لمزيد من مقالات سناء البيسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.