وحين نظن أنها أجدبت وتقحلت,تذهل أعيننا بولادة شجرة وارفة خضراء لها جذع سميك وقوى وعتيق يضرب عميقا فى الأرض ترمى بظلالها تحت الهجير فنتفيأ بسعادة نادرة تحتها لنتأمل كل تلك الصحراء التى تحيطها بعد جيل الثمانينيات من أدباء الحداثة فى الإمارات مرت حقبة مجدبة أدبيا . وبدأت بشائر نهضة أدبية جديدة تعود إليها مع الألفية الجديدة.هنالك تنامى فى دور النشر ونشاط المؤسسات الثقافية الرسمية والكثير مما ينشر غير أن الغث يطغى على الأصيل والجاد منه.وبين عشرات الكتب نعثر على اسم وعمل نتوقف أمامه باحترام وشغف.وقد أسهم الإعلام فى صناعة زائفة لنجوم من الكتاب والكاتبات هم كتبة أكثر مما هم كتاب ترى أسماءهم وأعمالهم متداولة وعلى قائمة أفضل المبيعات المحلية فى المكتبات ولا أعرف إلى ماذا يخضع ذلك التصنيف فكثير من تلك الكتب المذكورة بالكاد تقرأ وهى خاوية من الإتحاف الفنى والأدبى واللغوى.وتصل الوقاحة بالبعض وتضخم الذات البالونية المنفوخة إلى الإدعاء الساذج تحت مجهر ذلك الإعلام بالوصول إلى التحقق فى الذات الأدبية رغم أنه لا يتجاوز مرحلة الإنشاء فى مدرسة إعدادية متواضعة. فى ظل ذلك نفرح بولادة أدب حقيقى وكتاب من الدرجة الرفيعة التى ينطبق عليهم الوصف عالميا وعربيا بذات مصقولة معرفيا وقلم ينتقى جملته وموضوعه ويتعمق فيها. وريم الكمالى ينطبق عليها ذلك.فى أول رواية لها سلطنة هرمز والصادرة من دار كتاب فى عام 1913,تفاجئنا الكاتبة بموهبتها وحصافتها وعمقها ومعرفتها التاريخية والفلسفية. ورغم أنه عملها الأول إلا أنه يبدو كتابا لكاتبة متمرسة وذات خبرة طويلة ولا تقل حضورا عن كبار الكتاب والأدباء فى العالم وخصوصا وهى تكتب رواية تاريخية عن ساحل عمان ومنطقة خصب ومضيق هرمز وتعود بنا إلى القرن الخامس عشر قبيل الاحتلال البرتغالى لها وخلاله.يمكن مقارنتها بأمين معلوف وبها شىء من عوالم ماركيز ومثابرة نجيب محفوظ.وبلا شك أن كاتبة كبيرة القامة ولدت مع عملها الأول رواية سلطنة هرمز تستحق الاحتفاء بها وتستحق الجوائز الأدبية التى تتبعثر فى الإمارات على من هب ودب.
تقسم الراوية روايتها إلى ثلاثة فصول تعتنى فى كل منها بشخصيات تقدمها بشكل منفصل ومفصل من عائلة أبراق فى قرية خصب إلى الأسطول البرتغالى فى مضيق هرمز ثم الفصل الثالث بين الأسطول والساحل.وتدور الفصول بين الأعوام 1490 و1508 ميلادية .نتوقف كثيرا أمام شخصية بدرة بنت عبدالرحمن الحجازى وأمام المخطوطات فى السرداب وأمام المفاهيم التى تسربها الكاتبة إلى العمل عن الصوفية والبوذية والمسيحية والهندوسية والعلاقة بين الشرق والغرب .وتعتنى بتفاصيل الشخصيات وبالجغرافية والترحال وعلوم البحر كما تعتنى بالجانب التوثيقى والإتفاقيات والمعاهدات وتجعل كل ذلك جزءا حميما من تفاصيل الرواية معرجة على شخصيات تاريخية وهامة كإبن ماجد وماجلان وفاسكو دى جاما وفلاسفة اليونان وقادة البرتغال وخصب.تقول فى مقطع من الرواية, «أبحر وأكتشف المزيد، فرقعة الكلمة تزداد بإزدياد الأرض». ولعلها عملت على ذلك فى روايتها هذه.
تتطرق إلى تاريخ المكان وكشف المستور عن عورة التاريخ وذلك الاستسلام الذى قام به أمير خصب إلى عسكر البرتغال وما دفعه أهل الساحل من دمائهم وخراب ديارهم على يد المحتل البرتغالى وتخاذل حكامه عن حمايتهم والدفاع عنهم.
البحث عن المجد هو بطل الرواية ,كل يبحث عن مجده الشخصى عبر مسيرة حياته ومفاهيمه لذلك المجد:عبر المعرفة ,التحرر,الاحتلال,الحب,الملاحة,الإقتناء وغيرها.المجد تلك الدائرة التى تدور فيها وعبرها شخصيات العمل.
سلطنة هرمز لريم الكمالى رحلة خيالية عبر تاريخ ليس خيالى.تتلبس ريم شخصية بطلة عملها بدرة فى شغفها بالمعرفة والمخطوطات ومغامرتها التى تنتهى مع العسكرى الملاح البرتغالى الشغوف أيضا بالمخطوطات والكتابة رغم كل ذلك الأسى الذى خلفه البرتغاليون فى خصب مدينتها.وبجانب المخيلة هنالك اللغة الدقيقة والشاعرية والمتمكنة التى تكتب بها ريم روايتها.لغة تحملك إلى متعة ولذة اغلرواية والمعرفة والتأمل معا عبر المعلومات التى تنسجها بحذاقة مع كل فصل جديد من سلطنة هرمز.
هنيئا لنا ولادة كاتبة إماراتية كبيرة مع أول رواية لها وهى بشرى لنا بجيل جديد وجاد يخرج من دائرة الاستخفاف والتسطيح والنشر المبتذل الذى يحيط بنا من كل صوب وحدب.