قرأت كتابا صدر حديثا فى انجلترا، وعرض فى مكتبة الأهرام بمعرض الكتاب، وتناول أساسيات صحة الإنسان حيث ذكر مؤلفه أن زراعة البذور السليمة تأتى بثمار طيبة تجعلنا نستمتع بحياة صحية وعمر مديد، وعلى العكس فإن البذور الرديئة تأتى بثمار مثلها متمثلة فى الأمراض التى تصيب الإنسان، ومن العوامل التى تؤثر فى الثمار تأثيرا سلبيا وتجعل الإنسان عرضة للإصابة بالأمراض والشيخوخة المبكرة تعاطى المخدرات والخمور والتدخين، وبمقارنة صحة الإنسان منذ مائة عام مضت بصحة الإنسان العصري، نجد أنه بالرغم من المشكلات الصحية العديدة التى شهدها العصر الحديث إلا أن نسبة الوفيات قد انخفضت انخفاضا ملحوظا، مما ارتفع متوسط عمر الإنسان، ويرجع ذلك إلى اكتشاف العديد من اللقاحات والأمصال التى أدى استخدامها إلى انخفاض كبير فى نسبة الإصابة بالأمراض البكتيرية والفيروسية، كما أدى اكتشاف البنسلين، ومن بعده العديد من المضادات الحيوية، إلى انخفاض كبير فى نسبة الإصابة والوفيات الناجمة عن عدوى الميكروبات، مثل عدوى الدرن والالتهاب الرئوي، وبعد أن كان السبب الرئيسى فى ارتفاع نسبة الوفيات فى الماضى هو الإصابة بالأمراض المعدية، أصبح فى مقدمة العوامل المسببة للموت فى العصر الحديث الإصابة بالأمراض المزمنة، مثل أمراض القلب والكبد وإصابات المخ والسرطان. وبالإضافة إلى اكتشاف اللقاحات والأمصال والمضادات الحيوية فإن هناك عوامل أخرى أدت إلى تقدم سبل العلاج والوقاية من الأمراض، تتمثل فى التطور المذهل فى تشخيص الأمراض وعلاجها باستخدام الأدوية الحديثة والجراحات الدقيقة والمتقدمة، واستخدام الأشعة وتكنولوجيا العلاج بالجينات وغيرها من الوسائل الحديثة، ولقد أدى هذا التطور إلى انخفاض ملحوظ فى نسبة الإصابة بالأمراض والوفيات الناجمة عنها. ولقد أشار الكتاب إلى العوامل المؤثرة فى صحة الإنسان، وهى عوامل سلبية وأخرى إيجابية، وتشمل السلبية منها عدم الاهتمام بممارسة الرياضة البدنية، والإفراط فى تناول الأطعمة، وبخاصة التى تحتوى على نسبة عالية من النشويات والدهنيات، ويترتب على العامل السلبى للرياضة والإفراط فى الطعام زيادة الوزن والإصابة بالسمنة وأمراضها ومضاعفاتها، وتشمل السلوكيات السلبية الإفراط فى تناول الأغذية الغنية بالدهون الحيوانية، مثل اللحوم الحمراء والأطعمة الدسمة، ومن السلوكيات السلبية تناول الأغذية التى تفتقر إلى الأحماض الدهنية المفيدة، مثل أحماض أوميجا 3، ومن أهم مصادرها الأسماك الدهنية (السردين والسالمون والرنجة والمكريل) وزيت السمك. ويعتبر تعاطى الخمور من مؤثرات الصحة السلبية، حيث تشير الدراسات إلى أنها تسبب الوفاة لنحو 800 ألف من متعاطيها سنويا فى أمريكا، وذلك لأنها تسبب الإصابة بأمراض القلب والشرايين والسرطان وغيرها، بالإضافة إلى أن تعاطيها يعد من أهم أسباب حوادث السيارات وجرائم العنف، وتشمل السلوكيات السلبية التدخين الذى يسبب الإصابة بعدة أنواع من السرطان والأمراض الرئوية وغيرها. ولقد اتضح أن متوسط عمر الإنسان يزداد بمقدار 12 سنة فى الأفراد الذين لا يدخنون ولا يتعاطون الخمور والمخدرات مقارنة بهؤلاء الذين يمارسون هذه السلوكيات السلبية. ومن العوامل التى تؤثر تأثيرا ضارا فى صحة الإنسان وتقلل من متوسط عمره الإصابة بالأمراض الوراثية، مثل أنيميا الفول والهيموفيليا (النزاف)، وتجدر الإشارة إلى أن بعض الأمراض الوراثية قد عولجت باستخدام تقنيات العلاج الجيني، وأخرى فى سبيل التوصل إلى علاجها المطلوب. وتشمل العوامل التى تؤثر بالسلب فى صحة الإنسان عوامل اجتماعية، مثل الجرائم والعنف والفقر وتدنى مستوى التعليم والافتقار إلى الأغذية الصحية. ومن العوامل الإيجابية المؤثرة فى صحة الإنسان الاستقرار النفسى والأسرى والاجتماعي، والتغذية السليمة وممارسة الرياضة وتجنب المخدرات والخمور والتدخين ومكافحة التلوث البيئى الذى يسبب الأمراض وتجنب العدوى بالأمراض وأماكن الأوبئة، ومن أهم العوامل الإيجابية الاهتمام بصحة الطفل فهى أساس لصحته وسلامته من الأمراض فى مرحلتى الشباب والشيخوخة. وتعقيبا على ما ورد فى الكتاب أقول إن هناك جانبا إيجابيا فى غاية الأهمية، وهو توعية أفراد المجتمع باتباع الأساليب العلمية المؤسسة على المنهج العلمي، وعدم الانسياق وراء مدعى العلاج الذين يستخدمون أساليب الدجل والشعوذة التى لا تفيد المرضى بل قد تلحق بهم أضرارا يصعب التغلب عليها، ولذلك يجب أن نولى الثقافة الصحية عناية خاصة يشارك فيها أجهزة الإعلام والمؤسسات التعليمية والثقافية، مع وضع خطة محكمة لإرساء قواعد الارتقاء بالثقافة العلاجية والوقائية، ومحاربة الجهل والفساد اللذين يقفان حجر عثرة فى سبيل المحافظة على صحة الإنسان وسلامته، كما اقترح فرض رقابة صارمة على الإعلانات المضللة، ووضع التشريعات التى تحد من هذه الفوضى الإعلانية، ومعاقبة المخالفين بعقوبات تتناسب مع مقدار الأضرار الناجمة عن خداع المرضى وغير المرضى. د. عز الدين الدنشارى