فى السابع من فبراير، جاءت حركة المحافظين لتشمل 17محافظا جديدا، وذلك بعد أكثر من ثمانية أشهر من البحث والتنقيب عن أفضل الأشخاص الأكفاء لتعيينهم كمحافظين. وكانت القيادة السياسية قد بررت أكثر من مرة تأخر الحركة بأن هناك العديد من الأشخاص الذين تم ترشيحهم كمحافظين، إلا أنهم اعتذروا عن عدم الموافقة على ذلك. وقد شملت الحركة ولأول مرة عددا من الظواهر الجديدة، يأتى على رأسها الاتجاه لتعيين عدد كبير من المحافظين المدنيين وتقليص نسبة ضباط الجيش والشرطة إلى أقل درجة، باستثناء المحافظات الحدودية فقط، لتشهد الحركة الجديدة 3 محافظين من خلفية عسكرية تقلدوا مناصبهم فى محافظات بورسعيد ومطروح والإسماعيلية. كما شهدت الحركة كذلك ارتفاع عدد المهندسين وأساتذة الجامعات فى تخصصات التخطيط العمرانى والإنشاءات وأعمال البناء، حيث بلغ عددهم 6 محافظين، وذلك إلى جانب 3 من المستشارين وأساتذة القانون، واثنين من الأطباء، فضلا عن اثنين من أصحاب المناصب القيادية فى شركات القطاع الخاص، وهم محافظا الإسكندرية وأسيوط. وشهدت الحركة تعيين محافظين لا تزيد أعمارهم على 38 سنة، وتعيين ثلاث سيدات كنائبات للمحافظين فى محافظاتالقاهرة والجيزة والإسكندرية. وبصفة عامة، وبغض النظر عن إيجابيات أو سلبيات الحركة الأخيرة للمحافظين، فإن هناك مجموعة من الدروس التى يتعين علينا الاستفادة منها فى الحركات القادمة، وهى: أولا: أهمية البحث عن الآليات التى يمكن من خلالها التعرف على الكفاءات واجتذابها. فالقضية ليست فى عدم وجود كفاءات فى مصر يمكن الاختيار من بينها لشغل الوظائف القيادية، لأن هذا القول يعتبر مجافيا للحقيقة وللواقع من ناحية، ولأن فيه مساسا بمكانة ووضع مصر من ناحية أخرى. فهو مجاف للواقع وللحقيقة، لأن مصر مليئة بأصحاب الخبرة والكفاءة الذين يتخرجون فى جميع الجامعات والمعاهد العليا سواء فى الداخل أو الخارج، وكذلك الذين تؤهلهم مؤسسات الدولة كقيادات إدارية فى المجالات المختلفة. كما أرى فى الادعاء بعدم وجود كفاءات مساسا بمكانة مصر ووضعها، إذ كيف يكون ذلك ونحن دائما نقول إن تاريخ مصر كدولة ذات حضارة عرفت الإدارة يعود إلى آلاف السنين، وإن أهم ما تتمتع بع مصر يتمثل قبل كل شئ فى ثروتها البشرية وما يتوافر لديها من رأسمال بشرى. إذن القضية من وجهة نظرى لا ترجع إلى غياب أصحاب الخبرة والكفاءة، بل ترجع إلى عدم وجود الآليات التى يمكن من خلالها لصناع السياسات والقرارات أن يتعرفوا على هؤلاء لاجتذابهم وتأهيلهم وليمثلوا بنكا للمعلومات يمكن اللجوء إليه عند الحاجة إلى اختيار قيادات جديدة، سواء كانت سياسية أو إدارية. ثانيا: أهمية وجود شروط ومعايير موضوعية يتعين توافرها فى الأشخاص المرشحين لشغل منصب المحافظين، ومن هنا يمكن الاستناد إليها عند الدفاع عن اختيار شخص ما وعدم اختيار شخص آخر. فالحركة الأخيرة - وهى ليست استثاء مما سبقتها من حركات قد شملت أساتذة للجامعات أو وكلاء للكليات، وهناك آلاف من عمداء ووكلاء الكليات وأساتذة الجامعات، كما شملت وكلاء نيابة، وهناك أيضا الآلاف من وكلاء النيابة والشباب، وشملت كذلك رئيسا لأحد المراكز، وهناك الآلاف من رؤساء المراكز والمدن بل من سكرتيرى العموم ومديرى المديريات فى الوزارات والمحافظات. ثالثا: التركيز على أن تكون لدى المرشح معرفة بالمحافظة التى سيكون محافظا لها ومن ثم تكون لديه رؤية تنموية. فلقد شهدت الحركة الأخيرة عدم معرفة المرشحين لمنصب المحافظين المحافظات التى سيعملون فيها، وذلك حتى تأديتهم اليمين القانونية، وهو ما يعنى أن عملية التوزيع تتم بطريقة عشوائية، ودون مراعاة لخصوصية كل محافظة ومدى توافر الخبرة والدراية لدى المرشح بطبيعة هذه المحافظة وبمشكلاتها، ومن ثم وجود خطة تنموية لديه. ومن ذلك، نرى أهمية أن يكون هناك توافق بين الخلفية التعليمية والمهنية والخبرات التى يتمتع بها المرشح وبين خصوصية وطبيعة كل محافظة، فليس معقولا ولا مقبولا أن يعين شخص تتوافر لديه خبرات صناعية فى محافظة زراعية أو العكس، وليس مقبولا كذلك أن يعين شخص عادى فى محافظة بها مشكلات أمنية فى مثل هذه الظروف التى تمر بها مصر أو أن يعين شاب فى بداية حياته الوظيفية وذو خلفية محدودة ولا تتعدى خبراته مجالا معينا يكاد أن يكون بعيدا عن طبيعة المشكلات التى تعانى منها المحافظات فى محافظة كبيرة، ومن ثم قد يفشل هذا الشاب فيكون فشله فشلا لتجربة الاستفادة من الشباب فى شغل الوظائف القيادية. رابعا: التوسع فى تعيين نواب محافظين فى المحافظات الأخرى، بحيث لا تقتصر عملية تعيين النواب على المحافظات الثلاث: القاهرة، والإسكندرية، والجيزة. فالهدف من وجود نواب محافظين ليس مساعدة المحافظين فقط، بل أيضا تأهيل وتدريب الأشخاص الذين تتوافر فيهم الشروط والمعايير ليتولى الأكفأ منهم وظيفة المحافظ بعد ذلك. وبذلك يمكن الاستفادة هنا من الشباب والنساء، من ناحية، وتمكين هؤلاء من تكوين رؤية لتطوير المحافظات التى سيتولون قيادتها بعد ذلك من ناحية أخرى. خامسا: عدم التركيز على قضية تمثيل الفئات على حساب الخبرة والكفاءة. فلقد ركزت القيادة السياسية، وركز معها كثيرون على ضرورة تمثيل الشباب والنساء فى الحركة، بحيث بدا الأمر وكأنه عملية محاصصة لفئات المجتمع فى المحافظين. ومع تقديرى واحترامى للشباب وللنساء عموما، إلا أن الأمر لا ينبغى أن يكون بهذه النظرة، لأن القضية التى يجب التركيز عليها هى قضية مدى توافر معايير وشروط معينة فى الشخص المرشح لشغل وظيفة محافظ، بغض النظر عن كونه شابا أو إمرأة أو غير ذلك، وإلا فما فائدة أن أعين شخصا ما محافظا لكونه شابا، دون التأكد من مدى جدارة وأهلية هذا الشاب وقدرته على التعامل مع مديرى المديريات فى المحافظة ومع المواطنين، ومن مدى إلمامه بمشكلاتها وقدرته على اتخاذ القرارات المناسبة؟ إن الحاجة ماسة لتشكيل لجنة تضم جميع المعنيين بالإدارة المحلية واللامركزية من خبراء وممارسين وممثلين للأحزاب السياسية ولمنظمات المجتمع المدنى لوضع قانون جديد للإدارة المحلية. فالقانون الحالى رقم 43 لسنة 1979 وضع فى ظل ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية مغايرة للظروف الحالية. كما أن الدستور الحالى الذى عدل فى عام 2014 ينص فى إحدى مواده على ضرورة تطبيق ماجاء به بخصوص الإدارة المحلية فى غضون 5 سنوات من تاريخ صدوره، وقد مر حتى الآن أكثر من عام. كما أنه يتعين أن يتضمن القانون الجديد الأساليب والشروط والمعايير التى يتعين توافرها فى الأشخاص المرشحين لشغل وظيفة المحافظ أونائب المحافظ، فضلا عن ضرورة تمكينهم من تحمل مسؤلياتهم، وتحقيق التنمية الشاملة فى المحافظات التى يتولون قيادتها، بإعطائهم السلطات المناسبة لذلك، فلا يكون التركيز على لامركزية المسؤلية، مع مركزية السلطة، ولا على الشعارات بعيدا عن التمكين الفعلى. لمزيد من مقالات د. سمير عبدالوهاب