لا خلاف على أن الخطوة التى اتخذها الرئيس عبدالفتاح السيسى بتخصيص مبلغ 10 مليارات جنيه لتعمير سيناء هى الأكثر ايجابية للقضاء أولا على بؤر الإرهاب فى هذه المنطقة الاستراتيجية الخطيرة، خاصة فى العريش ورفح والشيخ زويد، وثانيا للدفع بالمنطقة الى حاضرة التطور والتمدن والتجديد ونقلها من السمة البدوية الى السمة الحضارية الكاملة ومن زار سيناء يدرك على الفور، أن العلاج الوحيد لظاهرة الإرهاب المتوغلة هو نقلها من واقعها البدوى المنغلق الى مستقبلها الحضارى المشرق، فهل يعقل ان محافظتى شمال وجنوب سيناء على اتساع مساحتها (أكثر من ألفى كيلو متر) لايضمان جامعة حكومية واحدة، وأن عدد المدارس بالمحافظتين لايتجاوز 30 مدرسة حكومية!!، وقد شاركت فى مؤتمرين بجامعتى القاهرة وحلوان حول تنمية سيناء وهالنى ما سمعته من العلماء المشاركين، والذين وضعوا دراسات وخططا وبحوثا لو تنبهت لها الدولة ممثلة فى رئاسة الحكومة، واستفادت منها، لكن الوضع بسيناء فى صورة مخالفة وشكل جديد مناقض لوضعها الحالى.. وأذكر فيما يلى بعض المقترحات التى استمعت إليها لتنمية المنطقة على مستوى مثالي، خاصة أن سيناء مازالت أرضا بكرا، صالحة لجميع ألوان التطوير والتعمير: أولا: المشكلة الرئيسة فى تطوير سيناء هى المياه وتعد من أبسط وأيسر المشاكل، لاعتبار أن الخط الموازى لساحل البحر الأحمر وأغواره بالصحراء الشرقية، وهو الخط الممتد من شمال سيناء وإلى جنوبها والذى يتجاوز طوله أكثر من 500 كيلو متر، لاتواجهه على الإطلاق مشكلة المياه بسبب توافر مياه الأمطار والسيول الشتوية، والتى لم تنتفع بها الدولة سوى فى مسائل تسريبها وصور التخلص منها عبر مخرات السيول التى تنشئها الحكومة للتخلص من مياه السيول، ولم تفكر وزارة الرى على سبيل المثال فى الاستفادة من مياه الأمطار والسيول بإنشاء السدود عليها، والتى بالإمكان ان تحتجز مياه الأمطار طوال العام، ومن ثم يمكن الاستفادة منها فى توفير الطاقة الكهربائية أو فى الزراعة بشكل عام. ثانيا: إذا نظرنا إلى شمال سيناء فسنجد أن الدولة نجحت منذ مايقرب من عشر سنوات فى توصيل ترعة السلام إليها مما انتفت معه مشكلة المياه من الأصل، إلى جانب الأمطار والسيول، وقد يكون هذا دافعا مهما فى استثمارها فى النطاق الزراعي، خاصة ان شمال سيناء مشهورة بزراعة الزيتون والتمر وجميع أنواع البلح والفواكة، وهو مالم يستثمر إلى الآن الاستثمار الأمثل. ثالثا: إذا نجحت الدولة بالفعل فى توفير مناخ تعليمي، من خلال إنشاء جامعة حكومية شاملة فى سيناء، وهى الجامعة التى اقترح الرئيس عبد الفتاح السيسى أن تكون فى منطقة (جبل الحلال) باسم المغفور له الملك عبدالله بن عبدالعزيز، فبالتأكيد سيتغير وجه الحياة بالمنطقة لأنه معروف بأن وجود جامعة بأى منطقة خالية كفيل بتكوين تجمع إنسانى وحضارى وثقافى واع ودافع لاستشراء حركة التنمية بكامل خصائصها ومن ثم لانتقال الألوف إن لم يكن الملايين إليها، وهو مانأمله حتى لا تظل سيناء مناطق صحراوية خالية من معنى الوجود البشرى المأمول، وهو المعنى الذى تنتفى معه صور الإرهاب وعوامل نموه. رابعا: لاحظت فى معظم دراسات الباحثين تركيزهم على محور (الاستثمار السياحي) للمنطقة، وهو المهمل تماما فى شمال سيناء التى مر بها الأنبياء خاصة رحلة سيدنا عيسى المسيح وأمه الطاهرة السيدة مريم التاريخية وكذلك رحلة سيدنا موسى والتى طاف فيها مصر بأكملها من شمالها إلى جنوبها حتى كلمه الله عز وجل على جبل الطور بسيناء ومن بعدهما مرحلة فتح مصر على يد عمرو بن العاص ومن كان معه من الصحابة الكرام، وجميعهم مروا من طريق (رفح العريش) الشهير، والذى تسفك فيه الدماء الآن، ويسقط على عتباته شهداؤنا الأبرار، ومن بعدهم حروب صلاح الدين الأيوبى وجيوشه التى مرت بتلك الطرق، ومن بعده حروب قطز وبيبرس.. إلخ .. وكلها طرق مقدسة فى الإمكان الاستفادة من معالمها عن طريق إنشاء مناطق سياحية تجذب السياحة خاصة أنها تجمع معالم الديانات السماوية الثلاث (اليهودية والمسيحية والإسلامية). خامسا: لاحظت كذلك إشارة الباحثين الى محور الاستفادة من المناطق الشاسعة فى سيناء، والصحراء الممتدة فى النطاق ( الصناعي) يمكن إنشاء مصانع لزيوت الزيتون والتمور، وهنا تكون الاستفادة ذات شقين (زراعى وصناعي) كذلك من الممكن إنشاء مصانع الصناعات الثقيلة كالحديد والصلب وغيرها، خاصة فى المناطق النائية، وهو ماسيترتب عليه وجود حركة سكانية تدفع المصريين الى الخروج من الوادى الضيق. إن الأفكار لتنمية سيناء لا تنتهي، ولكننا فى حاجة ماسة لإرادة حديدية من الدولة أولا ثم من المستثمرين ثانيا، خاصة ونحن على أعتاب المؤتمر الاقتصادى فى الشهر المقبل وبإمكاننا عرض حزمة من المشروعات الكبرى على المستثمرين العرب والأجانب للانتفاع بها وإن لم نتحرك من الآن فلن يسعفنا العمر كله فى محاربة غول الإرهاب وأهواله. د. بهاء حسب الله كلية الآداب جامعة حلوان