بالإعلان الدستوري الذي أصدرته اللجان الثورية لأنصار الله الحوثيين دخلت اليمن عهدا جديدا ومرحلة فاصلة بإستكمال تتويج قوة الجماعة على الأرض بمشروع سياسي سيترك بصماته على مستقبل البلاد لسنوات طويلة قادمة . الإعلان الذي صدر من القصر الجمهوري وبحضور وزيري الدفاع والداخلية ورئيس جهاز الأمن القومي في حكومة بحاح المستقيلة بغرض إضفاء الشرعية عليه ، سيضيف عامين جديدين إلى الفترة الإنتقالية لتصبح ست سنوات تقريبا منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق علي صالح قبل أربعة أعوام . وقد تلقى الداخل اليمني والخارج الإقليمي والدولي هذا الإعلان بكثير من القلق والرفض وبقليل من الأمل والتفاؤل كونه في رأي القوى السياسية ينسف مبادئ التسوية على أساس مبادرة الخليج ويجعل مقررات مؤتمر الحوار ومسودة الدستور وريقات في مهب الريح ، كما يفتح مستقبل اليمن على سيناريوهات صعبة أقلها عدم الإستقرار وأكثرها تشاؤما تسريع وتيرة الإقتتال الداخلي وإستمرار نزيف المواجهات المسلحة . لكن المتعاطفين مع الحوثيين والذين تذمروا من فشل النخب السياسية والحزبية اليمنية رأوا في الإعلان الدستوري حلا مؤقتا لمشكلة الفراغ في السلطة ومنع عملية الإنفجار الشعبي ، وطالبوا بإعطاء الحوثي الفرصة لترجمة شعاراته في التحرر من التدخل الأجنبي وتطهير البلاد من الفساد وحل المشاكل المزمنة . ويبدو أن محاولات عبد الملك الحوثي زعيم أنصار الله في خطابه الذي ألقاه في اليوم التالي لصدور الإعلان الدستوري لم تفلح في طمأنة الخارج بالصورة الكافية رغم تأكيده بأن "اليمن ينشد السلام ويحرص على العلاقات الإيجابية مع كل الأطراف في الداخل والخارج" ، وحتى عندما أخذ يدغدغ مشاعر واشنطن والرياض بقوله : " لو تمكنت القاعدة من هذا البلد لكان أصبح منطلقاً لتهديد السعودية وباقي دول الخليج بشكل خاص". وفيما أعلنت محافظات الجنوب عدم الاعتراف بالإعلان الدستوري ، رفضه التجمع اليمني للإصلاح " الإخوان المسلمين " ، كما إعتبر المؤتمر الشعبي العام وأحزاب التحالف الوطني الديمقراطي بقيادة الرئيس السابق علي صالح والذي إتهم بالتحالف مع الحوثيين الإعلان الدستوري تعديا على الشرعية الدستورية . ويؤكد المحلل السياسي اليمني جمال عامر أن الوضع في اليمن يواجه خيارين لا ثالث لهما إما مواجهة الانقلاب باللجوء إلى الشارع مع كلفته العالية وعدم جاهزية الأحزاب التي تزداد فرقتها وضوحا ، وإما التعامل مع الإعلان الدستوري كأمر واقع ودعوة الحوثيين لحوار يتم تصحيح ماهو مختلف عليه في نقاط الإعلان الدستوري عبر الإعلان الدستوري المكمل وبحيث يضمن عدم تغول اللجنة الثورية العليا وكذا عدم منحها حق التدخل في أعمال المجلس الرئاسي والمجلس الوطني والحكومة التي يتم التوافق على صلاحياتها ومهامها من خلال توافق المكونات وهو مايسري على من يتم اختيارهم للمجلس الرئاسي والحكومة أو من سيتم إضافتهم إلى المجلس الوطني الذي يجب أن تكون قراراته مع ذلك بالتوافق . أمريكا يرفع الحوثيون في مقدمة شعارهم المعروف بالصرخة عبارة " الموت لأمريكا " لكن أمريكا فيما يبدو لا تتمنى لهم الموت أو لا تستطيع فعل ذلك بعد أن أظهروا براعة وقوة في تصدر المشهد والإستيلاء على السلطة، فقد بدأت واشنطن التعامل بمنطق عنوانه " مصالحنا أولا وأخيرا " وهذا ما يفسر إتصالاتهم الأخيرة بالحوثيين بعد تعثر برامج مكافحة القاعدة في اليمن . أما دول الخليج التي إعتبرت الإعلان الدستوري نسفاً كاملاً للعملية السياسية السلمية التي شاركت فيها كل القوى السياسية اليمنية، فإنها تواجه مشكلة حقيقية لتصعيد الحوثيين إلى قمة السلطة وتشعر بقلق من إحتمال تداعي الأوضاع الداخلية على أمنها ، وإستخدام طهران التطورات اليمنية كورقة ضغط على مجلس التعاون في قضايا أخرى مثل سوريا والعراق ، لكن مجلس الأمن حاول في رد فعله توصيل رسالة قوية إلى الحوثيين ملوحا بخطوات عقابية إن لم تستأنف المفاوضات فورا . إنهيار إقتصادي في ضوء التطورات الحاصلة ينتظر أن يواجه الإقتصاد اليمني المتعب كثيرا حالة من الشلل والإنهيار كونه يعتمد بصورة رئيسية على مساندة المانحين الخليجيين والدول الكبرى التي رفضت بشدة إعلان الحوثيين . وبدأت عدد من المنظمات والدول المانحة وقف جميع المساعدات التي كانت قد خصصتها لليمن عندما أيقنت أن الحوثيين ماضين في مخططهم بالإستيلاء الكامل على السلطة ، ومن المنتظر أن يضطر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومؤسسات التمويل الخليجية إلى تجميد مساعداتهم إلى اليمن، في حال استمرت سيطرة الحوثيين على الحكم، حيث تفرض قوانين عدد من الدول المانحة توقف مساعداتها لأي دول تحكمها سلطات غير شرعية . وكان وكيل وزارة المالية اليمني أحمد حجر أعلن أن الموازنة اليمنية ستخسر 504 مليون دولار السنة الحالية في حال هبوط سعر برميل النفط إلى 50 دولار للبرميل . وقد شهدت الساحة اليمنية هروب رؤوس الأموال وأزمة خانقة في العملات الصعبة، وخرجت 34 شركة نفطية بعد وقف نشاطها وصرف موظفيها، الأمر الذي فاقم عجز المالية العامة التي يشكل فيها النفط 70 % من موارد الموازنة، كما تمثل عائداته 90 % من موارد النقد الأجنبي، كما جمدت السعودية تنفيذ أكثر من 100 مشروع استثماري في اليمن، بسبب الصراع الدائر وغياب الأمن وعدم الاستقرار السياسي. ويقدر وزير الصناعة والتجارة اليمني السابق سعد الدين بن طالب الخسائر التي لحقت بالاقتصاد بأكثر من 10.5 مليار دولار، بسبب الخراب والدمار اللذين تعرضت لهما مرافق الدولة، من أنابيب النفط والغاز وأبراج الكهرباء والمؤسسات الرسمية، إضافة إلى اللجوء لاستيراد 60 % من حاجة اليمن من المشتقات النفطية، مع العلم أن البنك المركزي قد غطى قيمتها من احتياطه من العملات الأجنبية، والتي تقل حاليًا عن 5 مليار دولار. وبلغ الإنفاق الفعلي لمساعدات أصدقاء اليمن والدول والمنظمات المانحة 2 مليار دولار من إجمالي 7.8 مليار دولار تم التعهد بها بسبب عدم قدرة الحكومة على استيعاب الأموال المخصصة، فضلًا عن بطء الخطوات التنفيذية . وتتصدر دول الخليج وخصوصًا السعودية قائمة الداعمين لليمن بنسبة 60 % من مجموع التعهدات المالية . سيناريوهات قادمة وتوقع علي البخيتي عضو الحوار الوطني عن الحوثيين والذي إنقلب عليهم أخيرا أن تتضمن سيناريوهات الأيام القادمة خضوع محافظة تعز وأغلب المحافظات الشمالية للسلطة الجديدة بإستثناء مأرب ، ودخول أغلب أعضاء مجلس النواب إلى المجلس الوطني ، مشيرا إلى أن المركز في صنعاء سيضغط على الأطراف مستخدماً الخزينة العامة والمرتبات بهدف اعتراف الأطراف ولو بشكل غير علني به كسلطة أمر واقع جديدة. أما السيناريو المتوسط والبعيد المدى بحسب البخيتي فيتمثل في كثرة أخطاء الحوثيين ، وتضييق الحريات العامة والشخصية والسياسية بالتدريج وخضوع أغلب قيادات أحزاب المعارضة ومهادنتها بما فيها الأحزاب الكبيرة والعريقة ، كما سيكون هناك فشل اقتصادي وارتفاع في أسعار العملة وفشل ذريع في إدارة الدولة ومؤسساتها ، متوقعا أن يؤدي زيادة التذمر ضد السلطة الجديدة وإنطلاق الحركة الاحتجاجية والمظاهرات المنظمة إلى ثورة من جديد في اليمن . لقد وصل الحوثي إلى سدة الحكم بخطوات منظمة وتصاعدية بقوة السلاح ولكنها غير دستورية ، فهل ينجح في قيادة اليمن إلى بر الأمان وإظهار المرونة الكافية مع خصومه والقوى السياسية المحلية لتطوير شراكة حقيقية والبناء على مخرجات الحوار الوطني ؟ وهل يتمكن من إقناع المجتمع الدولي بأنه المنقذ للبلاد من هشاشة الإدارة السابقة وتطهيرها من القاعدة والإرهاب وأنه يضمن مصالحهم بما فيها تأمين الملاحة البحرية في باب المندب ؟ أم أنه سيغتر بقوته وهيمنته تفضيله للحلول الأمنية للقضايا السياسية ؟ الأيام القادمة حبلى بكثير من التفاصيل وبالإجابة على هذه التساؤلات .