لم تكد ساعات قليلة تمر علي توليه منصب رئاسة الحكومة اليونانية، وإذا برجل اليونان القوي ألكسيس تسيبراس يخلخل الوضع السياسي في مركز اتخاذ القرار الأوروبي، برفضه التوقيع علي قرار استمرار العقوبات علي روسيا، واستخدام حق الفيتو في إيقاف هذا القرار، مما أدي إلى تعديله. وأرغم زعماء القارة العجوز علي إدراك أن اليونان التي يعرفونها قد تغيرت، وأصبحت في قبضة مناضلين جدد من شباب اليسار، وعدوا الشعب اليوناني بأنهم سوف يعيدون له الكرامة بعد أن كان حقل تجارب لأوروبا خلال السنوات القليلة الماضية. لم يتضمن المشهد السياسي في اليونان تغييرا فقط في تصريحات الحكومة الجديدة التي تبنت خطابا ساخنا ضاربا بكل الأعراف الدبلوماسية والسياسية عرض الحائط فيما يخص الاتفاقيات الموقعة مع الدائنين ، بل حتى في المظهر العام و اختفاء ربطات العنق والسيارات المصفحة وقوات الشرطة والحراسة التي كانت تحيط بأعضاء الحكومة القديمة، و تعود الشعب عليها، فبات الآن واضحا مشاهدة وزير المالية مثلا يانيس فاروفاكيس (وهو من اصل مصري حيث أن والده من مواليد القاهرة) وهو يرتدي زيا عاديا، وبعيدا عن أي بروتوكول يستخدم دراجته النارية ويحمل حقيبة على ظهره، ويصعد درج قصر ماكسيمو مقر رئاسة الوزراء، و غيره الكثيرون في الحكومة التي أعطت انطباعا من اليوم الأول للفوز أن اليونان تغيرت تماما و إلى الأفضل. ألكسيس تسيبراس رئيس الوزراء اليوناني الجديد أصبح حديث الساعة، على الساحتين الدولية و المحلية، و إن كان تسيبراس حديث وسائل الإعلام المحلية في اليونان، وخلال دراسته الجامعية، حيث تمتع منذ صغره بروح سياسية وثورية، فكان عضوا في الحزب الشيوعي للشباب قبل أن يتجاوز السابعة عشرة من عمره، كما قاد اعتصامات الطلاب في بداية التسعينيات، والتي كان الهدف منها الاعتراض على نظام التعليم والمطالبة بإدخال إصلاحات. وشارك تسيبراس في عدد من التنظيمات السياسية الطلابية في اليونان ذات الأفكار اليسارية، كما كان نائب رئيس اتحاد الطلبة بالجامعة، وبعد تخرجه عام 2000 ابتعد عن العمل السياسي لعدة سنوات من أجل الحصول علي عدد من الشهادات العليا في مجال البناء والتخطيط العمرانى. وفي عام 2006 لم يستطع تسيبراس الابتعاد عن السياسة أكثر من ذلك، حيث رشح نفسه للانتخابات البلدية بأثينا من خلال عضويته بحزب ائتلاف اليسار الراديكالي "سيريزا"، و حقق فوزا ساحقا، وقد كان من المتوقع أن يرشح نفسه في الانتخابات البرلمانية لعام 2007 إلا أنه فضل إثبات نجاحه وقدرته علي القيادة من خلال الحزب وعضويته بالمجلس المحلي. وقد قطع الكسيس تسيبراس، شوطا كبيرا منذ أيام شبابه الشيوعية، في صفوف المعارضة اليونانية و لطالما كان يرفض منذ البداية اللجوء إلى صندوق النقد الدولي والدائنين و يحارب الرأسمالية، ومازال يحمل حنينا لتشي جيفارا، وقد دفع مظهره غير الرسمي أحد الصحفيين المقربين له لسؤاله عن فرص ارتداء رابطة عنق بعد فوزه، وهو ما رد عليه تسيبراس بقوله بشرط واحد فقط .. "إلغاء ديون اليونان" ويعد تسيبراس البالغ من العمر 40 عاما، هو اصغر رئيس وزراء يتولي مقاليد الحكم في اليونان، ويشكل أمل اليسار الأوروبي المناهض لليبرالية، و من المحتمل أن تنتقل عدوي اليونان المؤيدة لليسار إلى بقية الدول الأوروبية المناهضة للتقشف، خاصة في أسبانيا، التى خرج فيها عشرات الآلاف بوسط مدريد تلبية لزعيم حزب بوديما الأسباني اليساري ومن المتوقع أن يكتسح الانتخابات المقبلة على غرار سيريزا اليوناني. وكان حزب تحالف اليسار الراديكالي (سيريزا) (SYRIZA) الذي يترأسه ألكسيس تسيبراس، قد تأسس عام 2004، و للحزب حاليا 149 مقعدا في البرلمان اليوناني من إجمالي ثلاثمائة، ويسيطر على نصف أقاليم اليونان تقريبا ويتكون من مجموعة من التحالفات و المنظمات ذات الأتجاهات اليسارية. ويحاول الحزب معالجة عدد من القضايا التي شغلت المجتمع اليوناني مثل الديون السيادية, وهي الأزمة التي تسببت في إفقار اليونانيين. ويشير المحللون إلى أن تسيبراس أنهي الثنائية التي كانت تهيمن على حكم البلاد ممثلة في حزبي الديمقراطية الجديدة المحافظ والباسوك الاشتراكي، وكما وعد بعلاقات خاصة مع الكنيسة رغم أدائه يمينا دستوريا مدنيا، وأعطى وعودا سياسية كبيرة لمصلحة المهاجرين والجاليات الأجنبية. إن اليسار الذي يحكم اليونان حاليا هو تيار سياسيا جديد على الساحة اليونانية، وأن يعبر عن تغيير التركيبة التي تعبر عن الشعب في حد ذاته، و المشكلة تكمن في أن الحزب قبل الانتخابات أطلق وعودا تتعلق بإلغاء مذكرات التفاهم والرقابة الدولية الممثلة في لجنة الترويكا، ورفع المرتبات، والعديد من الوعود المغرية، ولذلك كان من الطبيعى أن تعطى طبقات الشعب الكادحة صوتها لليساريين. وحول الموقف السائد حاليا بين اليونان والاتحاد الأوروبي بخصوص مشكلة الديون السيادية، فيري المحللون أنه إذا تمسك رئيس الوزراء ألكسيس تسيبراس بموقفه فلن يخرج الأمر عن نتيجتين: الأولى هي أن العناد اليوناني سوف يرغم أولئك الذين يتحكمون في التمويل على تليين موقفهم، والثانية أن قادة الاتحاد الأوروبي يعلمون أنه إذا سمح لليونان بالتملص من التزامات الديون وتجاهل التقشف والخروج من اليورو وخفض قيمة عملتها الجديدة واستعادة التنافسية، فسيتبعها آخرون لا محالة من الدول المتعثرة. أما على الصعيد السياسي، فكان لموقف رئيس الوزراء اليوناني أليكسيس تسيبراس الذي أعرب عن عدم ارتياحه لموقف الاتحاد الأوروبي من العقوبات ضد روسيا- صدي كبير داخل الاتحاد الأوروبي، حيث سارع تسيبراس بالاتصال مع مفوضة الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية فيديريكا موغيريني، و مندوب أثينا الدائم لدي بروكسل ليعلن رفضه للقرار، وضرورة مناقشة أي قرار قبل إصداره مع حكومة اليونان. واتهم رئيس الحكومة اليونانية زعماء الاتحاد الأوروبي بأنهم لم يتشاوروا مع أثينا بخصوص تصريحاتهم المتعلقة بالعقوبات ضد موسكو، معربا عن عدم ارتياحه لعدم اتباع الاتحاد الأوروبي الإجراءات المطلوبة القاضية بضرورة الإجماع لدى اتخاذ قرارات مهمة، وهو ما سبب نوعا من القلق لدى زعماء أوروبا، حيال سياسية اليونان المستقبلية داخل الاتحاد. ولكن، يبدو أن تسيبراس أراد توصيل رسالة واضحة لأوروبا مفادها، أنه بما أنكم تضغطون علينا في الجانب الاقتصادي، فاليونان من حقها أن تزاول دورها السياسي وبقوه فيما يخدم مصالحها الخاصة والوطنية.