الصراع بين الحق والباطل قانون إلهي، وسنة ماضية إلى يوم القيامة، منذ خلق الله آدم وحواء، وأسكنهما الجنة، إذ نصب إبليس راية الباطل، فرفض تنفيذ أمر ربه بالسجود لآدم، استكبارا، ثم كسب جولة، عندما خالف آدم وحواء أمر ربهما، تحت إغوائه، فأكلا من الشجرة المحرمة، فأهبطهما الله إلى الأرض. منذ حينها، والصراع قائم بين الحق والباطل. فأرسل الله رسله، وابتعث أنبياءه، من أجل تبيان الباطل للناس، كي يجتنبوه، والحق، كي يلزموه؛ لكن أهل الضلال اتبعوا الباطل، وأصروا عليه. قال تعالى: "ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ". (محمد:3). وتلك سنة الله التي أقام عليها حياة البشر، ألا وهي الصراع الدائم بين الحق والباطل، فلا يخلو منه عصر، فقيام قابيل بقتل هابيل، وصراع إبراهيم مع النمرد، وموسى مع فرعون، ومحمد مع قريش، كلها جولات بين الحق والباطل. وهنا وقفة مع قوله تعالى: "بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ".(الأنبياء:18). قال قتادة -فيما أورده القرطبي-: "الحقّ كتاب الله القرآن. والباطل: إبليس، فيدمغه فإذا هو زاهق: أي ذاهب". وقال سبحانه: "كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ".(الرعد:17). قال الشوكاني: "هذان مثلان ضربهما الله للحق والباطل.. إن الباطل، وإن ظهر على الحق في بعض الأحوال وعلاه، فإن الله سبحانه سيمحقه ويبطله، ويجعل العاقبة للحق وأهله، كالزبد الذي يعلو الماء فيلقيه، ويقذفه ويدفعه، فهذا مثل الباطل؛ وأما الماء الذي ينفع الناس وينبت المراعي فيمكث في الأرض". فمهما استطال الباطل، أو كسب معارك، أو ربح جولات، فسنة الله ماضية بأن النصر للحق، وأهله. قال تعالى: "وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا".(الإسراء:81). وقال: "قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ".(سبأ:49). وفي قصص الأنبياء مع أقوامهم دروس وعبر. فقد انتصر حق موسى على باطل فرعون بنصر أوليائه. قال تعالى: "فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ".(الأعراف:118). والأمر هكذا، يجب أن نوقن بأن الباطل -مهما ارتفع، وانتفش- إلى زوال، وأن دولته ساعة، وأن نزوله بالعبد؛ ابتلاء من الله له، لاختبار مدى ثباته عليه، وليعلي ذكره في الدنيا، ويرفع درجته في الآخرة. قال مصطفى صادق الرافعي: "الباطل لا يجد قوته في طبيعته، بل تأتيه القوة من جهة أخرى فتمسكه أن يزول، فإذا هي تراخت وقع، وإذا زالت عنه اضمحل، أما الحق فثابت بطبيعته قوي بنفسه". والواقع أن أهم عامل في هزيمة الباطل، هو ثبات أهل الحق على حقهم، وعدم تنازلهم عنه. ولِم لا، وقد قيل: "للباطل صولة، وللحق دولة". كما قال علي: "دولة الباطل ساعة، ودولة الحق إلى قيام الساعة". ومع هذا الثبات على الحق، هناك التثبت من الحق. قال علي: "ما رأته عيناك فهو الحقّ، وما سمعته أذُنَاك، فأكثره باطل". وكذلك يجب تحمل كراهية بعض الناس للحق. قال تعالى: "لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ".