يذخر تراثنا الشعبى بالكثير من الأقوال والمأثورات التى تخلع على العقاب درجة عالية من الأهمية، واعتباره وسيلة تربوية ضرورية لإصلاح الفرد وتهذيبه، كما يرى فيه كثير من المعلمين أنه ضرورى للضبط المدرسى، وضمان لعدم خروج التلاميذ عن النظام، ومن ثم يشيع استخدامه فى المدارس وبأساليب مختلفة تصل أحياناً إلى حد إحداث عاهات بالتلاميذ. ويقول د. محمد سكران أستاذ التربية بجامعة الفيوم و رئيس رابطة التربية الحديثة من واقع العديد من الدراسات والملاحظات العلمية لسلوك التلاميذ إن العقاب ليس له أى قيمة تربوية فى عملية الإصلاح والتهذيب أو الضبط المدرسى، بل على العكس له العديد من الآثار السلبية الخطيرة المدمرة للشخصية الإنسانية. إن غاية ما يحققه العقاب ماديا أو معنويا ليس أكثر من التحكم المؤقت فى السلوك غير المقبول، والمدرسة لم تنشأ لمجرد التحكم فى السلوك، وإنما أنشئت بهدف تعديل السلوك وتوجيهه، وثمة فرق كبير بين «تعديل السلوك»، «نتاج التربية»، والتحكم فى السلوك نتاج العقاب. باختصار: إن العقاب يعلم الفرد ما ينبغى عليه أن يتجنبه، لا ما ينبغى عليه عمله وتعلمه، فقد يفيد مثلاً فى منع الطفل من اللعب فى الشارع، لكن لا يفيد فى كيفية عبور الشارع بأمان، والعقاب يعلم الفرد سلوكاً محدداً لا يتعداه إلى غيره، وهو السلوك المعاقب عليه دون غيره، وبالتالى لا يعد وسيلة تربوية لأن من أهم معايير الحكم على صلاحية أى وسيلة تربوية هى العموم والشمول لكل المواقف والسلوكيات الأخرى. وكما أن العقاب محدود ومؤقت التأثير، فقد يدفع الفرد إلى ممارسة السلوك الذى عوقب عليه بمجرد انتهاء العقاب، بل قد يتشبث الفرد بهذا السلوك كنوع من العناد والتمرد. وبالإضافة إلى كل هذا فإن للعقاب تداعياته السلبية والخطيرة على عمليات التربية وبناء الشخصية السوية، فهو يقوم على التهديد وإثارة الخوف والرعب، ويؤدى إلى العديد من الأمراض النفسية والعصبية كالتلعثم فى الكلام، أو التبول اللاإرادى أو الفزع أثناء النوم والكوابيس المرعبة، كما يؤدى لدى بعض الأفراد إلى التمرد والعناد، ولدى البعض الآخر إلى الانسحاب والانطواء، وثمة أمر خطير يمكن أن يترتب على العقاب وهو انتقال تأثيره من «سلوك» الفرد إلى «ذاته» بمعنى أن الفرد عندما يعاقب على سلوك معين، فقد يعتقد أن العيب ليس فى سلوكه، وإنما فى ذاته، فتترسب فى أعماقه مشاعر الدونية والمهانة والمذلة وعدم تقبله لذاته. فالعقاب من الوسائل الخطيرة المهينة والمدمرة للشخصية والكرامة الإنسانية، والمعوقة لتحقيق الأهداف والغايات التربوية، كما أنه لا يؤدى إلى الإصلاح والتهذيب أو تحقيق الضبط المنشود. إن تحقيق هذه الأمور لا يتأتى بالعقاب، وإنما بالحوار والفهم، وقبل وبعد كل هذا بالقدوة والتأثير المعنوى للمعلم أو لرب الأسرة.. فهل تتخلى المدرسة ومن قبلها الأسرة والكبار عن معاقبة الأطفال حتى يشبوا رجالا لايعرفون الخوف أوالتلعثم أو التردد أو الضعف والمرض؟. سؤال يجب أن يتأكد منه وزير التعليم.