القلم أمضى سلاحا من السيف" مقولة إنجليزية لوصف تأثير الكلمات المكتوبة وقدرتها على إحداث التغيير، ولكن يستطيع القلم أيضا أن يرسم خطوطا وأشكالا تلخص أوضاعا بالغة الصعوبة، مما قد يترك تأثيرا أقوى ولفترة زمنية اطول في النفس، فذاكرة العين من الصعب أن تمحى، والحكمة الصينية تقول إن الصورة الواحدة تساوي عشرة آلاف كلمة. وفن الكاريكاتير مثال واضح على قدرة القلم الهائلة على التعبير عن الواقع وما يجرى فى العالم من أحداث والوصول بسرعة إلى عقل وقلب الانسان وربما دفعه لتغيير الواقع. ورغم عدم اتفاق الخبراء على تاريخ محدد لنشأة فن الكاريكاتير،إلا أن البعض يرجع أصوله إلى الحضارة المصرية القديمة حيث دأب الفنانون على نحت صور لحيوانات تقوم بوظائف الانسان أو رحلة الموتى للحساب فى المعابد،وللحضارة الأغريقية واليونانية من خلال محاولات تجسيد الفنانين للالهة والوحوش والشياطين كما تخيلوها واحيانا المبالغة فى تصوير مشاهير تلك العصور، في حين يرى البعض الآخر أن بدايات فن الكاريكاتير ،بوصفه فن المبالغة لتوصيل رسالة مرئية ،تعود إلى محاولات الرسام الشهير ليوناردو دافنشى (1452-1519) لتفسير مفهوم "الجمال المثالي" عن طريق تحليل "النماذج الغرائبية" للوجوه البشرية. ومع مرور الزمن انحرف الفنانون عن نهج ليوناردو دافنشى فى رسم الجسم البشرى ليضفوا مزيدا من المبالغة فى تصوريهم له ولسمات معينة فيه. الكاريكاتير السياسي ومن عباءة فن الكاريكاتير خرج الكاريكاتير السياسى والذى يحاول الفنانون من خلاله تلخيص حدث تاريخى أو سياسى معقد فى صورة بسيطة ولكنها بالغة التأثير مصحوبة بعبارة ساخرة .وما يميز الكاريكاتير السياسى أنه عند تحليله يمكنه أن يكشف عن عدد من الحقائق التاريخية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية مما قد يبصر المتلقى بالكثير من المشاكل والهموم التى كان يعانى منها المواطنون فى عصر ما.وهكذا تحول الكاريكاتير السياسى منذ القرن السابع عشر إلى وسيلة خطيرة لتشكيل الرأى العام عن طريق استخدام تقنيات فنية وثقافية ونفسية مختلفة قد تتضمن اللعب على المشاعر الوطنية أو الغلو فى المبالغة أو الرمزية أو السخرية الفجة. ويعتبر الفنان الهولندى رومين دى هوجهى Romeyn de Hooghe أول من تخصص فى الكاريكاتير السياسى.وكان يعمل لدى ملك انجلترا ويليام الثالث وكثيرا ما رسم اعمال كاريكاتيرية تسخر من الملك لويس الرابع عشر. ولعب الكاريكاتير السياسى دورا بارزا فى الثورة الفرنسية وخلال فترة حكم نابليون .فقد استخدم الثوار هذا الفن لتجسيد حياة البذخ للملكة مارى انطوانيت وكثيرا ما بالغوا فى تصويرها فى أوضاع فاضحة لتأليب الرأى العام وشحنه ضد القصر.ومنذ ذلك الوقت تم تبنى الكاريكاتير السياسى كسلاح نافذ لمحاربة الحاكم والأنظمة الفاسدة. وفي منتصف القرن التاسع عشر بلغ فن الكاريكاتير مرحلة النضج حيث حرصت الصحف الكبرى فى العديد من العواصمالغربية على نشر رسومات كاريكاتير تعكس وجهة نظر الادارة التحريرية فيما يجرى من أحداث سياسية. أبرز 5 نماذج للكاريكاتير السياسي كان نابليون محورا للكثير من الكاريكاتيرات السياسية في القرن التاسع عشر ،بل وما زال يتم الاستعانة به حتى الأن كرمز لجنون الحاكم .وللتدليل على مدى تأثير الكاريكاتير قال نابليون إن رسوم فنان الكاريكاتير الانجليزى جيمس جيلارى ساهمت فى سقوطه بصورة أكبر مما فعلته جيوش أوروبا. ومازال العالم يتذكر الكاريكاتير الذى يصور نابليون فى نوبة غضب عارمة وقد كسر كل ما حوله وقد كتب عليها "احلام جنونية". نموذج قديم لازدراء الأديان :كاريكاتير نشر فى اغسطس 1917 للرسامين الأمريكيين روبرت مينور ويونج يصور المسيح بوصفه مجرما مطلوب القبض عليه مقابل مكافأة مجزية بتهمة اثارة الفوضى والتآمر لقلب نظام الحكم.أثار الكاريكاتير غضب الشارع وأدى إلى اغلاق مجلة "ماسس" التى نشرته مجموعة من الكاريكاتيرات حرص النظام النازى على نشرها لإثارة الكراهية ضد اليهود تصورهم على أنهم يتسمون بالقبح والقصر والبدانة وعدم النظافة والبخل واللؤم الرسوم المسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام التى نشرتها أحدى الصحف الدنماركية فى عام 2005 واشعلت غضب الدول الاسلامية ليخرج الملايين فى مظاهرات وتمت مقاطعة البضائع الدنماركية كاريكاتير نشرته مجلة النيويوركر الأمريكية على الغلاف خلال حملة أوباما للرئاسة فى عام 2008 يصور أوباما وميشيل وقد ارتديا ملابس الارهابيين، ومن خلفهما صورة لبن لادن، وكأنهما يتحالفان على تدمير العالم مما اثار موجة غضب وانتقاد حادة فى الاوساط الأمريكية واعتبره البعض يرقى للتمييز العنصرى كون أوباما أول مرشح اسود للرئاسة. الكاريكاتير فى العالم العربى فى حين يرى فنانو الكاريكاتير أن فن الكاريكاتير يعانى أزمة حادة فى الوطن العربى ويرجع،خلال أحاديثه الصحفية، أسباب ذلك إلى عدم إفساح المجال أمام الرسامين الشبان، وغياب المناخ الملائم اجتماعيا وسياسيا، وغياب المنابر الصحفية لأشكال الكاريكاتير عامة والسياسي خاصة،إلا أنه لا يمكن اغفال أن ذلك الفن شهد تطورا كبيرا منذ خمسينات القرن الماضى. فقد لعب عدد من الفنانين المبدعين من خلال الكاريكاتير دوراً كبيراً في تأليب الرأي العام ولفت انتباهه إلى تفشي ظواهر اجتماعية وقضايا سياسية خطيرة وكان هؤلاء هم الدفعة التي غيرت وجه الكاريكاتير العربي في أوائل الخمسينات، إذ نجحوا في ابتكار شخصيات عبروا من خلال حركاتها وسكناتها عن همومهم ومواقفهم السياسية والاجتماعية. فن ذكورى وعلى الرغم من التطورات الكبيرة التى شهدها عالم الكاريكاتير السياسى خلال السنوات الماضية إلا أنه مازال " فنا ذكوريا بامتياز" على مستوى العالم بوجه عام وفى العالم العربى على وجه الخصوص. ويعزو الكثيرون قلة عدد النساء العاملات فى هذا المجال إلى طبيعته وعواقبه.بمعنى أن الكاريكاتير يتطلب قدرا كبيرا من "القسوة والعداء" لتصوير الجوانب السلبية فى شخص أو حدث ما ،مما قد يترتب عليه اثارة الغضب لدى جهة ما قد تؤدى إلى اضطهاد أو ربما قتل الفنان.كما يرجع أخرون سبب قلة عدد رسامات الكاريكاتير السياسى إلى عدم اهتمام أغلبية النساء بالسياسة خاصة فى الوطن العربى. ورغم ان الكاريكاتير قد يكون في كثير من الأحيان أصدق تعبيرا عن الواقع وأقوى تأثيرا فى النفس إلا أنه فى أحيان أخرى قد يتحول إلى خنجر يطعن المعتقدات ويدمى القلوب.