مع كل حادثة يحدثها بعض من ينتسبون إلى الإسلام ترهيبا وعنفا وقتلا باسم الدين، تنطلق بيانات الشجب والإدانة والاستنكار من المؤسسات الدينية ، وكأننا ندور في حلقات مفرغة أصابتنا بالدوار والتيه والتشتت والدوار التاريخي, الذي أصاب بني إسرائيل من قبل. ففيم الانتظار والتريث والتمهل والرؤية أجلى من الشمس الساطعة؟! وهل هناك طريقة للخروج من هذا الدوار التاريخي؟ وهل هناك جهود ومحاولات جادة للخروج من هذا التيه؟ ومتى نبدأ دون إبطاء أو إمهال في وضع منهج إسلامي يكون مقررا عاما وموحدا لعامة المسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها, دون أن نعقد المزيد من المؤتمرات والندوات والمنتديات والصالونات, بل أن نأخذ من كل هؤلاء التوصيات, ويبدأ فريق عمل من العلماء الوطنيين في وضع الكتاب «المنهج», ويتم تقريره على الجامعات المدنية والأزهرية على حد سواء, ويوزع على العامة أنه منهج الإسلام الصحيح, مع حذف الحواشي والإسرائيليات والآراء الشاذة والمتطرفة, فليس أمر تجديد الدين الإتيان بدين جديد, وإنما تخليص الدين مما علق به من خرافات أتباعه وتنقيته من جديد. وهل نحن بحاجة إلى تشكيل لجنة علمية تضم نخبة من كبار العلماء والمفكرين لتنقية وتهذيب هذه الكتب وتخليصها من الحواشي والشروح على الحاشية والتي ظهرت منذ القرن العاشر واستمرت حتى الآن . هل يوجد بين العلماء الآن من يصلح للقيام بتلك المهمة الجليلة؟ الواقع يكذب الأزهر يقول الدكتور مصطفى محمد عرجاوى, عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بجامعة الأزهر بالقليوبية, أن الذين لا يستفيدون من تجاربهم يستسلمون للدوران فى حلقات مفرغة, ومسألة تجديد الخطاب الديني قديمة حديثة كل فرد يثيرها من وجهة نظره الخاصة مع أنها تحتاج إلى ثورة حقيقية طالب بها رئيس الجمهورية باستشعاره أن التغيير بطىء للغاية وثمراته لم تظهر على الإطلاق, بل على العكس نرى تشوهات غير عادية بناء على أفكار متطرفة وفهم غير دقيق وسديد لأحكام الشريعة الإسلامية خصوصا فيما يتعلق بمفاهيم الجهاد, والتعامل مع غير المسلمين, والتكفير وضوابطه. والسبب الرئيسى فى هذا الأمر أن فاقد الشىء لا يعطيه, فالمقررات الدراسية إما سطحية وإما لا يمكن على الإطلاق أن يعقلها الطلاب في مراحلهم الدراسية المختلفة. ويؤكد الدكتور مصطفى عرجاوي أن الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني لا تعني أننا سنأتي بدين جديد بل بجعله يتناسب مع العصر ولا يخل بالثوابت الشرعية ويعتمد اعتمادا تاما على الكتاب والسنة وفق الفهم الواضح الذي يتناسب مع حاجات العصر, أما إذا ظللنا على ما نحن فيه من دفن لرءوسنا فى الرمال وادعاء أن الأزهر يحمى الوسطية دون دليل حقيقى يتوافر فى المؤلفات الدراسية فإن هذا سيكون بمثابة ادعاء لا يمكن القبول به عقلا؛ لأن الواقع يكذبه, فيجب علينا أن نبدأ بالتغيير فورا وتسيير القافلة إلى الإصلاح من خلال جميع القيادات والعلماء المتخصصين فهم الأقدر على فهم هذه الدراسات وتطويرها والتفرغ التام لتنقيتها من جميع الشوائب, لأنهم صاروا من الخبراء ومن أهل الذكر والله تعالى يقول (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون). وأضاف: إن معظم كتب الفقه فيها عبارات لا يمكن أن يقف عليها ولا على المعنى المتطلب منها إلا المتخصص الدقيق بل قد يعجز أحيانا عن فهم بعض المضامين, فكيف نقرر مثل هذه المؤلفات على الطلاب بعقولهم المحدودة فإذا ما قرأ نصا يدعوه لقتال الكفار فهو لا يعرف المعايير الشرعية والضوابط التى تحكم مثل هذا النص ومتى يطبق وكيف وعلى من يطبق؛ لأنه عاجز عن فهم هذه النصوص التي قد تدفعه دفعا إلى التهلكة وهو يتصور أنه يجاهد فى سبيل الله. ثم يأتي بعض الفقهاء ليعبروا عن حالة شاذة بأفكار شاذة ثم تحسب هذه الأفكار للأسف الشديد على الفكر الإسلامي مع أنه منها براء, ولكي يتم حل هذا الأمر بصورة قاطعة ينبغي علينا أن نراجع جميع الكتب والمؤلفات التراثية مراجعة دقيقة من الناحيتين العلمية والدراسية أي ما يصلح للعلماء الثقات وما يصلح تدريسه للطلاب بحسب مستواهم الدراسي. تغيير المناهج وقال إنه يجب أن نبادر فورا إلى جميع المقررات فى جميع المراحل الدراسية سواء فى المعاهد الأزهرية أو فى مدارس التربية والتعليم وكذلك الكليات سواء أكانت هذه الكليات تابعة لجامعة الأزهر أو الجامعات المدنية خصوصا فيما يتعلق بمؤلفات الشريعة الإسلامية.. لا بد أن يعاد النظر فى جميع المؤلفات, ولا أدل على أهمية ذلك من أن الإمام الشافعى رضى الله عنه عندما كان فى العراق كان له فقه يتعلق بهذا الزمان وهذا المكان, ولما جاء إلى مصر وضع فقها آخر سماه الفقه الجديد لماذا؟ لأنه يتناسب ويتوافق مع حياة الذين يقيمون على أرض مصر, فكيف لنا أن نقف هكذا دون أن نتحرك فى إطار المتغيرات فلا نغير أى شىء يتعلق بالمعاملات أو بالعلاقات الإنسانية بعيدا عن الثوابت المعروفة والمتعلقة بالعقائد والعبادات التوقيفية والأصول التي لا يمكن تبديلها أو تعديلها وهى قليلة جدا فى المعاملات, ويمكن أن يتم هذا التغيير في نطاق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم »أنتم أعلم بشئون دنياكم«, وأيضا مراعاة لمبدأ »لكل مقام مقال«. بهذه الطريقة يتم التغيير الفورى والعاجل والمنضبط للموضوعات المتعلقة بالفقه بمذاهبه الأربعة لطلاب الأزهر الشريف؛ لأن وضع كتاب واحد كما كان فى السابق تحت عنوان »الميسر فى الفقه« يدرس فيه الطالب الفقه بصورة شاملة لا يصلح على الإطلاق خصوصا أنه فى المرحلة الجامعية يدرس المذاهب الفقهية كل مذهب على حدة فضلا عن دراسته للمذاهب المقارنة فى مادة الفقه المقارن, فكيف يمكن أن يفهم هذا دون أن يتخصص من البداية فى دراسة مذهب معين. ولرفع الحرج عمن يقوم بتنقية التراث يجب أن يتخذ الموضوعات الدراسية المهمة تحت عنوان »مختارات من كتاب كذا فى الفقه الإسلامي«, فعندئذ يحصر الموضوعات المتطلبة دراسيا والمفيدة عمليا للطالب بعيدا عن بعض الموضوعات التى اندرست بحكم الواقع مثل الأحكام المتعلقة بالرق والاسترقاق والذمة والجزية وغير ذلك من الأمور المتعلقة أيضا بالأطعمة والأشربة فيتخير ما يناسب الزمان والمكان, ولا ضير أن تشكل لجنة بعد ذلك لمراجعة جميع كتب التراث وتنقيتها من الصور الشاذة الافتراضية التى لا يمكن أن تتناسب مع هذا العصر والتى تثير الفتن بين المسلمين وغيرهم بل ربما تفسد العلاقات بين أبناء الوطن الواحد بسبب سوء الفهم للنصوص وعدم مراعاة الظروف والاعتبارات فما يصلح فى زمان قد لا يصلح فى زمان آخر. احترام التخصص كما يجب على الدولة أن تفعل كما فعلت بعض الدول العربية والإسلامية التى حرمت الفتوى حتى لو صدرت من بعض العلماء طالما أن هناك جهة معينة ومحددة للإفتاء, وهذا ما حدث فى المملكة العربية السعودية وفى غيرها من بعض الدول الإسلامية حماية للمواطنين من الفتاوى الشاذة التى تدعو إلى ارتكاب ما يخالف الأحكام الشرعية تحت مظلة ادعاء الجهاد أو ادعاء نصرة الإسلام, ويكفى ما وقع فيه بعض المغرر بهم من التحاقهم بصفوف المتطرفين والمعتدين دون أن يحكموا عقولهم أو حتى شريعة ربهم الصحيحة بسبب تلكم الفتاوى التى لا رقابة عليها وربما لا أساس لها من الصحة بل تجلب على المسلمين الكثير من الضرر وسوء السمعة مع أن الإسلام من كل انحراف براء؛ لذلك يجب أن نراجع أنفسنا بأنفسنا ونبدأ فورا بعملية التغيير فى المقررات الدراسية ونسرع أيضا فى وضع نظام صارم للفتوى فلا يقوم بهذا العمل إلا المتخصص ومن خلال مؤسسات الفتوى أو الأزهر الشريف حتى تتوحد الكلمة ويخرج الحكم بعد مراجعة دقيقة ليكون حكما شرعيا متناسبا مع ظروف الحال ولا يخرج على الإطلاق على القواعد الشرعية, وكذلك أيضا على الدولة أن تسارع بإصدار القوانين التى تحرم وتجرم الاعتداء على الدين بحجة حرية الفكر أو حرية التعبير فأنت حر ما لم تضر، كما لا ينبغي لوزارة الثقافة أن تنشر من المؤلفات ما يحارب القيم والمبادئ الدينية للمسلمين وغيرهم بحجة حرية التعبير، لأن حرية التعبير لا بد أن تكون حرية منضبطة بالنظام العام والآداب فما يصلح في مصر من ألفاظ وأقوال وأفعال قد لا يصلح في أماكن أخرى, فضلا عن أن الشعب المصري بطبيعته شعب متدين ويحترم القيم الدينية. .. وحلول عملية للمأزق وللخروج من هذا المأزق الفكري الذي تعانيه الأمة الإسلامية، يقترح الدكتور يحيى أبو المعاطى العباسى أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بكلية دار العلوم، عددا من الحلول والتي يوضحها، قائلا: إن كل محاولات الإصلاح والعطاء الفكرى والحياتى يمكن أن تساعد فى حل هذا المأزق التاريخى, لكن الواقع يقول إن كل هذا فشل بدليل هذا المأزق الواقعى والفكرى. إذن ما هو الحل؟ أو ما هى مجموعة الحلول التي يمكن أن تساعدنا على بداية الخروج من هذا المأزق؟ ويجيب على تلك التساؤلات، قائلا: أولا: هناك دعوات وجهود فكرية لرصد الواقع ومحاولة إصلاحه وتغييره فى معظم مراكز الأبحاث والجامعات والصحف الكبرى, وهى من الكم بمكان، لكن لا يعرفها إلا ربما من كتبوها فقط. إذن المشكلة ليست فى وجود الدراسات أو الحلول, لكن المشكلة فى كثرتها.. الحل إذن أن تقوم هيئة وطنية علمية على أعلى مستوى فى كل التخصصات العلمية والفكرية يناقش عملها وعددها داخل هذه اللجنة, فمثلا إصلاح التعليم المصرى يحدد هيئة من خمسين متخصصا فى هذا الموضوع مع أناس من داخل وزارة التربية والتعليم وتجمع كل المؤتمرات ويخرج كتاب لإصلاح التعليم المصرى في خمسين عاما مثلا شريطة أن تكون هذه إستراتيجية وزارة التربية والتعليم بغض النظر عن أسماء الوزراء, وقل مثل ذلك في الصناعة والزراعة والتجارة والتعليم العالى وسائر المجالات. وأضاف: إن هذه المقترحات تكون المشروع المتفق عليه وطنيا, وينفذ من أعلى قامة في الدولة بغض النظر عن تغييره أو بقائه متى اتفق على هذا المشروع, وهذا الحل يضمن أولا: الاتفاق. ثانيا: البحث عن آليات العمل. ثالثا: عدم الاضطراب المستقبلى. رابعا: تحديد الأهداف والاتفاق عليها. وهذا ما يشهد به الواقع أنه غير موجود تماما, وبالتالي أصبحنا يوميا تقريبا نناقش المفردات والجزئيات فى حالة من التيه والتردد والتناقض والشجار دون أن نصل إلى حل, وهذه الطريقة ليست بدعا بل هي ما قامت به كل الأمم التي نهضت حولنا مثل ماليزيا وإندونيسيا واليابان والصين وغيرها, فكل تجارب النهضات المعاصرة اتخذت تقريبا هذا المنهج الذي وحد القلوب والعقول والأفعال.