للشاعر الكبير أحمد عبد المعطى حجازى كتاب جميل بعنوان «علموا أولادكم الشعر» وهو محق فى دعوته لأن الشعر هو قمة الرقى الإنساني، وفى ظل الظروف التى تمر بها مصر وما يحيط بها من مخاطر فهذا هو الوقت الذى يحتاج إلى أن نوجه إلى كل المؤسسات وكل المصريين النداء «علموا أولادكم الأمن القومي». ذلك لأن هناك فهما خاطئا بأن حماية الأمن القومى للبلاد هو مسئولية القوات المسلحة وأجهزة الأمن المختلفة، ونحتاج إلى أن ندرك أن الأمن القومى مسئولية المواطنين أيضا. وعلى المواطن أن يكون على وعى بالمخاطر التى تحيط بوطنه، وبالقوى التى تعارض مصالحنا مع حرصنا على استقلال الإرادة الوطنية ورفضنا للخضوع وقبول التبعية، واستعدادنا لحماية أمن البلد وسيادة الدولة مهما كلفنا ذلك من تضحيات. ولكن من الغريب أن نجد مؤسسات التنشئة الاجتماعية غافلة عن القيام بدورها لبناء هذا الوعي، ونظام التعليم القائم لايزال يدور فى حلقة مفرغة يعيد القديم ثم يغيره ثم يعيده مرة أخرى دون أن يمد بصره خارج الحدود ليتعرف على أساليب تربية المواطن تربية يتكامل فيها بناء عقله وبناء جسمه وبناء وعيه الوطنى وينمى فيه الإحساس بالمسئولية الاجتماعية. المدرسة، والنادي، والتليفزيون، والأحزاب، وبقية مؤسسات بناء الوعى تهمل موضوع الأمن القومى على الرغم من أن رئيس الدولة الذى يعلم الأسرار والحقائق والمخاطر ينبه كل يوم إلى أن مصر تواجه مخاطر تهدد أمنها القومي، وقصص القبض على الجواسيس معروفة ومتكررة، والدعايات السياسية المعادية يسمعها ويشاهدها ويقرؤها المواطنون، والانفجارات فى المواقع الحساسة المتصلة بأمن البلاد واستشهاد أبطال من أبنائنا فى القوات المسلحة والشرطة، واستهداف مديريات الأمن وأقسام الشرطة والمحاكم والقضاة، كل ذلك أجراس التنبيه إلى أن الأمن القومى هو القضية الأولى التى يجب أن نحشد كل قواتنا من أجلها. ولا يحتاج الأمر إلى جهد لمعرفة أن أحدث وسائل الحرب فى ظل النظام العالمى القائم هو استخدام الدول لسلاح التخريب وإثارة الفوضى وتهديد الاستقرار والهدف هو تقويض الأسس التى تقوم عليها الدولة وتعتمد عليها فى حياتها وتقدمها، وضرب الاقتصاد والاستقرار السياسى والاجتماعي، ويكفى أن نقرأ بعض ما يتسرب فى الدول الكبرى والولايات المتحدة بصفة خاصة عن عمليات المخابرات فى التخريب والاغتيال والاعتقال وإثارة الفتن فى الدول التى تحاول الخروج عن التبعية لأمريكا، والقصص كثيرة ومتاحة عما حدث ويحدث فى الشرق الأوسط وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.. ولهذا يصدق من يقول إن مصر فى حرب غير معلنة منذ بدأت عهدها الجديد بثورتى 25 يناير و30 يونيو وتخلصها من الجماعة التى اختطفت السلطة وكانت تعمل على التفريط فى الاستقلال والسيادة الوطنية. مصر فى حرب من نوع جديد مختلفة عن عدوان 56 وحرب 67 حرب غير معلنة رسميا وغير أخلاقية والمحرك الحقيقى لها يراوغ ويتخفى ويستعمل طرفا وجد فيه من الغباء السياسى والاستعداد لبيع الوطن ما يؤهله للقيام بالحرب بالوكالة مقابل ملايين ومليارات الدولارات.. ومعلوم أن مصر هى «القلب» فى المنطقة، فهى نقطة التقاء القارات الثلاث ونقطة تجمع البحار المتحكمة فى العلاقات والمصالح الدولية، وقناة السويس هى أهم محور فى نظام الحركة والاتصال العالمى فى السلم والحرب، وهذا هو السبب فى أن مصر عاشت دائما فى خطر بسبب محاولات السيطرة عليها. كيف ينشأ شبابنا دون أن يدرس فى المدارس من الابتدائى إلى الثانوى وفى الجامعة أن التهديد للأمن القومى ليس هو التهديد العسكرى فقط وإنما التخريب والإرهاب لا يقل خطورة عن الحروب العسكرية، وتهديد الاقتصاد وأمن البلاد تهديد لكيان الدولة ولأرواح المواطنين. وكيف لا يجدون فى المدارس والجامعات والأحزاب والأندية والتليفزيون من يعلمهم أن حماية الأمن القومى ليست بالقوة العسكرية فقط ولكن لابد معها وربما قبلها تتمثل الحماية فى تماسك الشعب ووحدته ورفضه لمحاولات الإثارة والتفرقة وأهمية التنمية وبناء اقتصاد قوى وعلاقات قوية مع الأشقاء والأصدقاء.. وأن قوة الشعب تنعكس على قوة قواته المسلحة وأجهزة أمنه؟. لمزيد من مقالات رجب البنا