تتلخص مشكلتى فى جملة واحدة وهى «إنى لم أعد أعرف ماذا أريد فى هذه الحياة»، فمنذ صغرى وأنا أريد أن أصبح عالما فى الرياضيات، أو بمعنى آخر أن تكون هذه المادة الرائعة تخصصي، وأن تكون شغلى الشاغل، لذلك كان حلمى منذ البداية هو الالتحاق بكلية الهندسة أو العلوم، ولا أعرف الفرق بينهما ولكنى أعرف أن معظم الشخصيات التى أحبها تخصصت فيهما وقد جذبتنى كلية الهندسة ببريقها فأصبحت حلمى الذى لا أرى سواه، وبدأت الدراسة وبداخلى هذا الحلم واجتهدت فى الثانوية العامة حتى حصلت على المجموع المطلوب ودخلت الكلية لكنى لم استسغ المواد الدراسية منذ السنة الإعدادية، ولم أحب إلا مادة الرياضيات وقليلا الفيزياء التى جذبنى القليل من موضوعاتها، ولكنى قلت لنفسى «سنة وهتعدى وهدخل التخصص»، ولكن فى أثناء الترم الأول من هذه السنة رأيت فتاة وشعرت نحوها بإعجاب وبدأت التفكير فيها وأنا لا أدرى ما أفعله فى نفسي، فبدأت تسيطر على تفكيرى ودخلت الترم الثانى وأنا مشغول بها ولم أعد أرغب إلا فى رؤيتها، فتأثر مستواى الدراسى بالطبع، ولكن بحمد الله مرت السنة وحمدت الله انى لم أكلمها فأنا بطبعى خجول كثيرا مع الفتيات ولكن مع اصدقائى أكون أكثر انفتاحا، وجاءت السنة التالية وعرفت أنها فى قسم معين فبدأت التفكير فيها بشكل أكثر من الأول، ونسيت أن أخبرك أنها رأتنى أكثر من مرة وأنا أنظر إليها لكنى لم أتكلم معها ولا مرة لأنى لا أعرف هل ما أفعله صحيحا أم خطأ، .. ومع السنة الجديدة ملكت تفكيرى وأصبحت متعلقا بها ولا أتكلم معها وأقول لنفسي: «هذا لا يصح»، ولم أذاكر فى تلك السنة إلا مادة واحدة هى الرياضيات وكانت النتيجة الطبيعية اننى رسبت، وهنا قررت أن أترك الكلية حتى لا أراها، وبالفعل حولت أوراقى الى كلية أخري، وبدأت تدريجيا أتناسى هذا الموضوع وأنا الآن فى السنة الثانية بكليتى الجديدة، والمشكلة أن عمرى الآن 21 سنة وأشعر أننى لم أفعل شيئا بحياتى ولا أعرف ماذا أريد منها، ففى كليتى الجديدة لا أهتم إلا بالرياضيات أيضا ولا أعرف ما هو مستقبلى بعد ذلك، وليس لى طموح فى هذه الكلية، فأنا لا أرى نفسى أبدا فيها، ولا أعرف من الأساس ما هى مشكلتي، هل هى فعلا فى تحديد هدف من حياتى؟.. لقد فكرت فى ترك الدراسة والعمل ولكنى لا أعرف ماذا أفعل فأنا لا أجيد عمل أى شيء. زملائى الآن فى الفرقة الرابعة وعلى وشك التخرج، وأنا مازلت فى السنة الثانية، وقد تتساءل: أين أهلي؟ فأجيبك بأن ما يصبرنى على هذه الحياة هو حبى وثقتى فى الله بأنه لن يضيعنى لاننى مجتهد جدا، ثم أهلى الذين أعشقهم (وهم نقطة ضعفى لأنى أشعر أنى لم أفعل لهم شيئآ، فهم حتى الآن يصرفون علىّ سواء فيما يتعلق بمصاريف الكلية أو الكتب أو الملابس)، ويبقى شيء أخير وهو انى أكره الإجازة لانى لا أجد ما أفعله ولا أعرف أن أضع لنفسى هدفا فيها فهى بالنسبة لى بمثابة كابوس، فنتيجة الفراغ تأتينى أفكار سيئة وأصرف طاقتى فيما لا يفيد، بل أحيانا يضر فأنا كما قلت لك «لا أعرف ما أريده». أتمنى ألا أكون قد أطلت وأتمنى أن ترد علىّ بنصيحة ترشدنى بها الى معرفة الى أين أنا ذاهب فى هذه الحياة؟.
ولكاتب هذه الرسالة أقول: من الواضح أنك تعانى حالة تخبط شديدة، وتتصرف حسب هواك فى كل ما يعن لك من أمور، فلقد شغلتك زميلة لك، رحت تطيل النظر إليها، وتتعلق بها دون حديث معها، وبلغ تعلقك بها الى حد أنك تركت المذاكرة، وظللت تتبعها بدعوى الحب، أى حب هذا الذى ألقى بك على حافة الهاوية، وفيم قضيت كل وقتك، وأنت الذى لا تتحمل فترة الصيف لأنك تكون فيها بلا عمل، وهل علماء الرياضيات الذين تعتبرهم مثلك الأعلى صنعوا هذا الصنيع؟.. أم أنهم استغلوا ملكاتهم فى الاستزادة من المعرفة حول هذه المادة، وابدعوا فيها، ولما كانت كل العلوم متصلة ببعضها خصوصا فى كلية مثل الهندسة، فلقد كان بإمكانك أن تتفوق فيها وتحقق حلمك الذى حددته لنفسك منذ البداية، لكنك انجرفت الى اهوائك، وسيطر عليك «حب وهمي» نتيجته معروفة بكل تأكيد، وانى أتساءل فعلا عن موقف أهلك، الذين وضعوا ثقتهم فيك، لكنهم للأسف الشديد غابوا عنك، ولم ألمس وجودا لهم فى سطور رسالتك، «وكل ما قلته انك تشعر انك بلا هدف، وأن ايمانك بالله هو الذى يجعلك تستمر فى الحياة»، ولو أن كلامك صحيح ونابع من داخلك، لما تسرب اليك احساس اليأس ولالتزمت الطريق السليم، فلا يعقل أن تترك كليتك لأنك لا تريد أن ترى هذه الفتاة، فهى لم ترتكب معك إثما ولا جريرة أو تخطئ فى حقك، بل انها تستغرب موقفك الغريب بالنظر إليها دون الحديث معها مما أثار شكوكها فيك. إن الأمل مازال موجودا لتدارك ما فات بالتركيز فى كليتك الجديدة، وانت الآن مع طلبة آخرين غير زملاء الهندسة، فإطو صفحة الماضي، وافتح صفحة جديدة، وركز فى دراستك ولا تلتفت الى أوهام الحب، وأنت مازلت طالبا، فالمشوار مازال أمامك طويلا، ويمكنك خلال الاجازة الصيفية أن تمارس هواية مفيدة، أو أن تعمل فى القطاع الخاص فى وظائف عديدة يستطيع أى شاب أن يمتهنها.. فقط تسلح بالإصرار والعزيمة ولعل أهلك يفيقون من غفلتهم، ولعلك تسترشد بهم وأنت تتطلع الى المستقبل، وفقك الله وسدد خطاك.