في إطار البحث عن منهج لإدارة العمل الثقافي لمواجهة التحولات السلبية التي أصابت بنية المجتمع المصري وهشاشة ثقافية، وإن تخفت وراء واجهات براقة وكلمات رنانة، نعاني تداعياتها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، تناولت منمنمة الأسبوع الماضى أسس منهج التحليل الثقافي الذي تبناه المفكر السيد يسين ليرسم خريطة لواقع المجتمع المصري ما قبل 25 يناير وحتى اللحظة. ولتفسير ظواهر وسلوكيات تهدد المجتمع المصري وتحديد أسبابها الحقيقية ووضع ورقة عمل لمواجهتها ولتفعيل أداء المؤسسات الثقافية المنوط بها إعادة بناء المواطن المصري ثقافيا ومواجهة التطرف الفكري،نواصل القراءة في مجموعة دراسات المفكر السيد ياسين وعدد من الباحثين المصريين الذين تناولوا الثقافة كمعامل رئيسي لتشكيل الواقع الاجتماعي، عبر ترسيخ أو تغيير منظومة القيم الاجتماعية. فعبر دراسة مؤشرات ثقافية واجتماعية دعمتها دراسات سابقة واستطلاعات الرأي يرصد الباحث والمفكر السيد يسين ملامح الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يواجهها مجتمعنا وتداعياتها المتمثلة في التوترات الاجتماعية والعنف والفوضى إلخ . ويحدد الباحث تجليات الأزمة في مستوياتها المختلفة(سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا)، فعلي المستوي السياسي يرصد أساليب اتخاذ القرار السياسي والتعددية السياسية المقيدة وضعف الأحزاب فيما يتوقف أمام الفجوة بين الفقراء والأغنياء وتدني الأجور مع ارتفاع معدلات التضخم علي المستويين الاقتصادي والاجتماعي الخ . ويري السيد يسين أن محددات مظاهر الأزمة الثقافية في المجتمع المصري تتمثل في ارتفاع نسبة الأمية لتصل إلى 35%بين المصريين وشيوع أنماط التفكير الخرافي وغياب التفكير العلمي وعدم توافر مصادر للثقافة العلمية أمام الجمهور والانفصام الثقافي بين ثقافة النخبة والجماهير والصراع العنيف بين رؤيتين للعالم إحداهما دينية منغلقة لا تقوم علي فهم صحيح للدين لكنها جذبت الجماهير وأخري ليبرالية مشتتة عجزت عن إنتاج خطاب جماهيري مقنع . وفي هذا السياق يناقش الباحث أزمة الهوية والممارسة الديمقراطية والتعليم وتهافت الخطابات الليبرالية والعلمانية وظاهرة التطرف الديني التي يري أن أسبابها تكمن في أزمة الثقافة وغياب مفهوم الرؤى الإنسانية للعالم . ويري السيد يسين أن وضع سياسات ثقافية فعالة قادرة علي مواجهة مُجمل أزمات المجتمع المصري نهائيا يتطلب إجراء تحليل ثقافي متعمق لكل ظاهرة علي حدة . فعندما يتصدي لظاهرة التطرف من منظور التحليل الثقافي يدرك محدودية فاعلية المنهج الأمني والسياسي علي المدى الطويل، ذلك أن التطرف في جوهره تعبير عن رؤية للعالم أساسها تأويلات منحرفة للنصوص الدينية، يواكبها ارتفاع نسبة الجهل بالقراءة والأمية الثقافية ،مضافا إليهما انحياز شرائح من النخب المثقفة للتفسيرات المتطرفة لأسباب شتي(!!). ويكشف الباحث أن الفكر المتطرف اخترق نظام التعليم بكل مؤسساته وأن نظام التلقين والحفظ ساعد علي ذلك، موضحا أن تغييب الفهم وبناء العقل النقدي ساندته النظم السياسية المستبدة لإحكام سيطرتها، فالعقل «الاتباعي» يسهل السيطرة عليه بينما العقل النقدي متمرد بطبيعته. في ذات السياق يشير يسين لدور المؤسسات الدينية ووسائل الإعلام في نشر الفكر المتطرف بطريقة مباشرة وغير مباشرة ولتهافت الخطابات الليبرالية وعجزها عن الوصول للجماهير من خلال خطاب سياسي وثقافي سهل التداول وقادر علي إقناع الناس و التأثير في اتجاهاتهم وسلوكياتهم. وفي ظني أن من أهم ما طرحه السيد يسين في تحليله الثقافي للمجتمع المصري عبر مجمل الأبحاث و الأوراق التي ضمنها كتابه «التحليل الثقافي للمجتمع» وتحليله للأحداث في كتاب« الزمان الثوري» يتمثل في تأكيده أن القرارات الفوقية لا تسفر إلا عن تغيير وقتي سرعان ما ينتهي أثره وأن حدوث التغيير في نمط فكري أو سلوك وضمان استمراريتهما مرهون بميلادهما علي الأرض بين الناس، وأن صورة المثقف التقليدي المعزول في برج عاجي ويتحرك وفق إيديولوجيات قد تخطاها الزمن وأصبحت فعلا ماضيا ... كما تؤكد أوراق يسين أن التغلب علي أزماتنا المجتمعية وتحقق أهداف السياسة الثقافية ( التي يحددها في بناء عقل نقدي ونشر ثقافة التجدد المعرفي وتغيير الاتجاهات المتطرفة وتجديد القيم المصرية) يتطلب فهما واعيا لبناء المواطن المصري ثقافيا. وأضيف - إن كان لي هذا الحق- أن تحديد المشكلة والظروف المجتمعية والهدف أهم أولويات ثقافة الإدارة وتطبيقها في منظومة العمل الثقافي بات ضرورة لاستعادة المصري أفندي القابل للتفاعل مع مستجدات يفرضها الواقع، والقادر علي الخروج من عنق الزجاجة.. http://[email protected] لمزيد من مقالات سناء صليحة