تمر الدقائق سريعا, تطوف عيناها بالمكان, تحفظ تفاصيل الشوارع والازقة والحارات, تعانق مياه النيل تقبل اسديه الشامخين علي كوبري قصر النيل, تملأ رئتيها بنسيم عزيز تتشمم فيه عطر الطفولة وذكريات الأهل والخلان. من نافذة الطائرة تلقي نظرة اخيرة علي الأرض الطيبة, ترتج الطائرة, ينطلق العجل باقصي سرعة علي الممر, تفارق الطائرة ارض المطار, تبدأ في الصعود, تنتزعها نزعا من هذا المكان الحبيب, تسافر لكن قلبها لايزال متشبثا بكل ذرة من تراب مصر. انتهت الزيارة سريعا يحسبونها دائما ضيفة, ضيفة في بيتها. رغم مرور30 عاما علي توقيع اتفاقية عدم التمييز ضد المرأة في الاممالمتحدة وهي ما تعرف باتفاقية السيدوا التي صدرت عام1979 والتي تتألف من ثلاثين مادة تتعلق بالمساواة في الحقوق بين المرأة والرجل في جميع الميادين المدنية والسياسية إلا ان قضية ابناء الأم المصرية المتزوجة من فلسطيني مازالت قائمة, ومازال آلاف الفتيات والفتيان ينتظرون تنفيذ حقهم الشرعي بالحصول علي الجنسية المصرية. وبالرغم من انه قد اعلن في عام2004 ان التعديلات الجديدة علي قانون الجنسية تشمل منح الجنسية المصرية لجميع ابناء المصريات المتزوجات من غير مصريين بما في ذلك المتزوجات من فلسطينيين, إلا انه لم يدخل حيز التنفيذ, وحتي ان بعض المصريات المتزوجات من فلسطينيين حصلن علي حكم محكمة بحقهن في حصول اولادهن علي الجنسية المصرية ولم ينفذ حتي الآن بالرغم من حكم المحكمة الإدارية العليا الذي صدر العام المنصرم2006 الذي أكد حق ابناء الام المصرية من اب فلسطيني في الجنسية المصرية. ما المطلوب من اسرة فقدت عائلها وقد جاهدت لسنوات حتي حصلت علي حكم قانوني مصري يؤكد حق ابنتيها في الحصول علي الجنسية المصرية دون قيد أو شرط ودون تمييز عن غيرهما من ابناء الامهات المصريات المتزوجات من اجانب, وهو حكم قانوني واجب التنفيذ. وهل بعد هذا الحكم القانوني الصريح يجب عليها الانتظار لسنوات اخري كي يدخل القانون حيز التنفيذ؟ أولا نحمد الله علي ان قضاءنا مازال بخير, مازال ينبض بالحق مما يدلل علي ان هناك دائما مظلة عادلة تحمي الحقوق وتمنع الظلم, ولكن هل نحن بحاجة إلي من يحمي هذا القانون؟ هل ابناء الأم المصرية المتزوجة من فلسطيني بحاجة إلي واسطة لتنفيذ قانون الجنسية الذي ايدهم واصدر حكما يؤكد أحقيتهم في الجنسية بعد عناء طويل؟ في الوقت الذي لاتتردد فيه يد بعض المواطنين عن توقيع طلبات تنازل عن الجنسية المصرية وهم خارج البلاد في أوطان اخري سعيا وراء فوائد مادية من حصولهم علي جنسية بلد آخر, تتوق انفس ابناء المصرية من اب فلسطيني إلي جرة قلم تمنحهم حقا من حقوق الحياة, ان يعيشوا علي أرض مصر بلدهم. وفي الوقت الذي تهاجر فيه عقول مفكرة من بلادنا إلي الخارج, ولربما تنسيها حضارة الغرب مصرها, تهاجر قلوب ابناء المصرية كل يوم, وتهفوا إلي بلدهم مصر كلما اصبها فرح أو جرح في حين هم في نظرها دائما ابناء البطة السوداء. ثم ان هؤلاء الابناء سيكونون عونا لبلدهم, فكثير منهم حاصل علي مراكز علمية متقدمة, وهم علي أتم استعداد لافادة بلدهم ان اتيحت لهم الفرصة وخدمتها بعلمهم وخبراتهم في شتي المجالات. واذا كان حكم المحكمة بأحقية ابناء المصرية في الجنسية امام بعض الوقت ليدخل حيز التنفيذ, هل من الممكن ان نسمح لهم بالحصول علي حق الاقامة في مصر؟ فكثير من السياح العرب يتملكون في مصر ويقيمون بها كما يريدون, فلنعتبر ابناء المصرية هم ايضا سياحا, ضيوفا في بيتهم, رغم قسوة التعبير إلا انه سيكون حلا أكثر رحمة لهم من معاناتهم في بلد غريب عنهم. وإذا كانت مصر من اوائل الدول الموقعة علي هذه الاتفاقية عام1981 مما يلزمها بمقاومة جميع اشكال التمييز العنصري ضد المرأة فأولي بها التحرك لدفع الظلم عن ابناء الأم المصرية, ابناء البطة السوداء.