هذا العام تحل مناسبة مرور مائتي عام على رحيل أقدم شاعر مصري وصلتنا أشعاره في العصر الحديث، هو الشاعر إسماعيل الخشاب. يَا شَقيقَ البَدر نُوراً وَسَنًى / وَأَخَا الغُصن إِذَا مَا انعَطَفَا / بِأَبِى منكَ جَبِيناً مُشرِقاً / لَو بَدَا للنّيِّرَينٍ انكَسَفَا / بُغيَتى منكَ رُضَابٌ وَرضاً / وَعَلَى الدُّنيَا وَمَن فيهَأ العَفَا قليلة هي المعلومات التي وصلتنا عنه وعن حياته، بحيث لا تتعدى الأسطر القليلة المتناثرة في مجلدات عبد الرحمن الجبرتي وأعلام الزركلي والخطط المباركية، وهي في مجملها لا تقدم لنا أكثر من أن اسمه إسماعيل بن سعد بن إسماعيل بن مذكور بن بكر بن عبد الله الوهبي المصري أبو الحسن، المعروف بالخشاب، من أدباء مصر، درس في الأزهر لفترة قصيرة، ثم اعتمد على التثقيف الذاتي بقراءة التراث الأدبي والشعري والتصوف والتاريخ، وأنه احترف بيع الأخشاب فلحقت صنعته باسمه، كما عمل بحرفة الشاهد في المحاكم !، وقام بتدوين الحوادث أثناء حملة نابليون بونابرت على مصر، وهو المعروف بتاريخ الحوادث التي وقعت بمصر من سنة 1120ه وحتى دخول الفرنسيس، وله شعر حسن جُمع في ديوان سُمي «ديوان الخشاب» طبع بمطبعة الجوائب بقسطنطينية سنة 1882م، وأنه ولد في القاهرة ومات فيها عام 1815، أما الجبرتي فقد وصفه بأنه كاتب سلسلة التاريخ، والأديب الأريب الناظم الناثر والعمدة، أما شعره فإن كثيرا من الباحثين يرونه شعرا مصنوعا يجري على منوال شعراء عصره، ليس فيه تجديد ولم يجتهد في أن يستفيد من الحوادث المستجدة أو الثقافات الوافدة، أغلب شعره في مديح وجهاء عصره وكبرائه، ومن تعلم عليهم من الشيوخ، وقد كتب الموشحات فسار على منوال المغاربة الوشاحين، وكان يبدأ قصائده في المديح بالغزل والنسيب. المتأمل في شعر الخشاب، لابد وأن يتوقف كثيرا أمام شعره كعتبة للولوج للعصر الحديث، ذلك أن ثمة تأثيرا بينا له على شعراء النهضة الذين أتوا بعده، مثل إسماعيل صبري وولي الدين يكن وأحمد شوقي، ولعلنا نلاحظ تأثير شعر الخشاب في شوقي جليا في قصيدته التي يقول في مطلعها «ريم على القاع بين البان والعلم»، حيث يرد هذا البيت: «رَمى القَضاءُ بِعَينَي جُؤذَرٍ أَسَداً / يا ساكِنَ القاعِ أَدرِك ساكِنَ الأَجَمِ، ونحن نجد هذا المعني عند الخشاب في البيت الأخير من مقطوعته القصيرة التي تتكون من ثلاثة أبيات : ولعتَ بِسُودِ أجفانِ المِلاحِ / وَهُنَّ أحَدُّ مِن بِيض / الصِّفَاحِ / وَشَاقتكَ القُدُودُ أَلَستَ تَدري / كُمُونَ الحَتف في لُدنِ الرِّماحِ / حَذَارِ ظِبَا الكِنَاسِ فَثَمَّ رِيمٌ / يَصِيدُ لُيُوثَ آجامِ البِطاح . مطالبون نحن بإعادة الاعتبار لهذا الشاعر المصري المجهول ودراسة شعره وطباعة ديوانه، فهو من بواكير الشعر المصري الذي أشار ونبه وزرع الشتلات في الأرض اليابسة، وأظن أن مرور مائتي عام على رحيله مناسبة مواتية لهذا الاحتفاء الذي ربما يفتح شهية الباحثين ليقلبوا في دفاتر تاريخنا الحديث كي يقدموا لنا أبرز ما فيه من شعر وفن وإبداع، فالذي لاشك فيه أن هذه الفترة كانت زاخرة بالشعراء والناثرين والمبدعين، وأتركك عزيزي القاريء مع إحدى قصائده : أدِر لي في الرُّبَا القَدَحا وكُن لِلعَذلِ مُطَّرِحا ونَبِّه صَاحِ سَاقِيها فَضَوءُ الصُّبح قَد وَضَحَا وثَغرُ الزَّهرِ مُبتَسِمٌ وَشادي الوُرقِ قَد صَدَحا وخُذهَا من يدي رَشإٍ مَليح قد حوى مُلَحَا غَزالٍ إِن يَلُح للبد ر أَو غُصنِ النَّقا افتَضَحَا وأَطرِب مَسمَعَيكَ بما بهِ أُستاذُنا امتُدِحا مُحَمَّدٌ الأَميرُ المُر تجى كَم آمِلاً مَنَحَا إمامٌ إِن تَزِنهُ بِكُ لِّ مَولىً مَاجِدٍ رَجَحَا سِراحُ ذَكائه الوَهَّا جُ لَيلَ المُشكَلاتِ مَحَا إِذَا تُطرَى مَنَاقِبُهُ أخَالُ المِسكَ قَد نَفَحَا