فى ختام ندوة مهمة نظمها «المركز العربى للبحوث والدراسات» يوم السبت الفائت (3/1/2015) عن «البرلمان الجديد: تحدياته وآفاقه» طالب الصديق العزيز الدكتور سعد السيد عويس المتحدثين فى الندوة والحضور، وكل المهتمين بأمر مجيء برلمان قوى يكون قادراً على أن يكون شريكاً أميناً فى عملية إعادة بناء مصر كما أرادها الشعب بثورته (25 يناير 30 يونيو)، أن يحددوا، وبدقة، معايير اختيار النواب الجدد ومواصفاتهم التى تجعلهم قادرين على تحمل المهام الشاقة والصعبة المكلف بها البرلمان ونوابه. هذه الدعوة فى حاجة إلى أن نأخذها جميعا مأخذ الجد، لأن تحديد هذه المعايير والمواصفات والالتزام بها هو أهم ضمانات الثقة بأن يأتى البرلمان الجديد على النحو الذى نأمله، والذى يجعله قادراً على تجاوز كل الأخطاء المعيبة والكارثية الموجودة فى كل من قانون انتخابات مجلس النواب، وقانون تقسيم الدوائر وهما قانونان يعملان، بكل أسف، فى الاتجاه المضاد تماماً للمجيء بمجلس نواب ديمقراطى وغير إقصائى وقادر على أن يقوم بالمهام وأن يواجه التحديات الهائلة التى تتهدد مصر جنباً إلى جنب مع الرئيس والحكومة. قد تتعدد الاجتهادات وقد تختلف من شخص إلى آخر ومن هيئة أو مؤسسة أو حزب أو مركز بحوث متخصص، لكننى أستطيع أن أجمل فى هذه العجالة هذه المعايير المطلوبة فى معيارين أساسيين أولهما: معيار الانتماء للثورة، وثانيهما الفعالية والكفاءة. قد يبدو معيار الانتماء للثورة معياراً فضفاضاً، يمكن أن يتسرب منه، وبسهولة من هم أعداء للثورة، بمجرد الزعم أنهم من الثوار، وكلنا نعايش ونشاهد مئات، وربما آلاف النماذج، من هؤلاء الذين كانوا على انحياز مطلق لنظام مبارك وعلى عداء مطلق للثورة، وللخروج من هذا المأزق، يمكن حصر هؤلاء فى كل من تولى منصباً تنفيذياً أو حزبياً أو إعلامياً أو كان عضواً برلمانياً على الأقل فى السنوات الخمس الأخيرة من حكم نظام مبارك التى دخل فيها هذا النظام فى عداوة شديدة مع الشعب، وكل من انتمى تنظيمياً لجماعة الإخوان وتورط فى الإرهاب وإراقة دماء المصريين، وكل من انحاز إعلامياً وسياسياً للمشروع الإخوانى بعد أن أسقطته ثورة 30 يونيو، وظل يعادى هذه الثورة، ويتعامل معها باعتبارها انقلاباً. أما معيار الفعالية والكفاءة فهو، على أهميته الشديدة، فى حاجة إلى بعض التوضيح للتعريف بكل من الفعالية والكفاءة، سواء بالنسبة لعضو مجلس النواب، أو بالنسبة للمجلس ككل. ففعالية المجلس وكفاءته ترتبط ارتباطاً شرطياً بفعالية وكفاءة النواب الأعضاء. ونستطيع أن نقول إن فعالية عضو مجلس النواب أو فعالية المجلس تعني، ببساطة شديدة، القدرة على تحقيق مجموعة المهام والوظائف الأساسية التى ترتبط ارتباطاً جوهرياً بمصداقية المجلس وأعضائه. فالفعالية إذن تنصرف إلى تحقيق الأهداف المحددة سلفاً لعضو مجلس النواب وللمجلس فى الدستور الجديد. أما الكفاءة فهى تعنى تحقيق الأهداف بأقل قدر يمكن من التكاليف وبأعلى جودة ممكنة. بهذا المعنى يمكن أن نقول أن أهم معايير اختيار النواب الجدد فى مجلس النواب الجديد تتلخص فى قدرة كل هؤلاء النواب على القيام بالوظائف التى حددها الدستور لعضو المجلس وللمجلس ككل بأعلى درجة من الاقتدار وبأقل قدر ممكن من التكاليف. إذا اتفقنا على ذلك فما هى الوظائف التى حددها الدستور لمجلس النواب وأعضائه؟ فى الباب الخامس وعنوانه «نظام الحكم» وبالتحديد فى الفصل الأول بعنوان «السلطة التشريعية» حدد الدستور الوظائف التالية لمجلس النواب، ومن ثم للنواب أعضائه. أولى هذه الوظائف التشريع، وهذه هى الوظيفة الأهم لكل أعضاء البرلمانات فى العالم، لذلك شاع إطلاق اسم «المشرعين» (Legislators). والتشريع يعنى صياغة القوانين الحاكمة لأداء الأفراد والمؤسسات والتى تتطابق مع الدستور، لذلك تنص المادة (101) على أن «يتولى مجلس النواب سلطة التشريع، وإقرار السياسة العامة، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والموازنة العامة للدولة، ويمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، وذلك كله على النحو المبين فى الدستور». هذه المادة، تعتبر مادة جامعة لأنها دمجت بين وظيفة تشريع القوانين، ووظيفة إقرار الموازنة العامة للدولة، ووظيفة مراقبة السلطة التنفيذية بمحوريها الأساسيين: رئيس الجمهورية والحكومة. ويعود الدستور ليقول فى المادة (122) إن «لرئيس الجمهورية ولمجلس الوزراء، ولكل عضو فى مجلس النواب اقتراح القوانين» ثم يضيف «وكل مشروع قانون أو اقتراح بقانون رفضه المجلس، لا يجوز تقديمه ثانية فى دور الانعقاد نفسه» ما يعنى أن قبول أو رفض مشاريع القوانين المقدمة من الرئيس أو الحكومة أو عضو مجلس النواب هى مسئولية مطلقة لمجلس النواب. ثانية هذه الوظائف هى مراقبة ومساءلة ومحاسبة السلطة التنفيذية، عبر الأسئلة والاستجوابات التى تقدم من الأعضاء، ويفصل هذه الوظيفة على النحو التالي: «لكل عضو من أعضاء مجلس النواب أن يوجه إلى رئيس مجلس الوزراء أو أحد نوابه أو أحد الوزراء أو نوابهم أسئلة فى أى موضوع يدخل فى اختصاصاتهم وعليهم الإجابة عن هذه الأسئلة فى دور الانعقاد ذاته». (المادة 129). «لكل عضو فى مجلس النواب توجيه استجواب لرئيس مجلس الوزراء، أو أحد نوابه، أو أحد الوزراء، أو نوابهم، لمحاسبتهم عن الشئون التى تدخل فى اختصاصاتهم» (المادة 130). «لمجلس النواب أن يقرر سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء أو أحد نوابه، أو أحد الوزراء أو نوابهم. وإذا قرر المجلس سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء أو من أحد نوابه، أو من أحد الوزراء أو نوابهم، وأعلنت الحكومة تضامنها معه قبل التصويت، وجب أن تقدم الحكومة استقالتها، وإذا كان قرار سحب الثقة متعلقاً بأحد أعضاء الحكومة وجبت استقالته» (مادة131). «يجوز لعشرين عضواً من مجلس النواب، على الأقل، طلب مناقشة موضوع عام لاستيضاح سياسة الحكومة بشأنه» (مادة 132). «يجوز لكل عضو من أعضاء مجلس النواب أن يقدم طلب إحاطة أو بياناً عاجلاً إلى رئيس مجلس الوزراء أو أحد نوابه أو أحد الوزراء أو نوابهم فى الأمور العامة ذات الأهمية» (المادة 134). «لمجلس النواب أن يشكل لجنة خاصة تتقصى الحقائق فى موضوع عام أو بفحص نشاط إحدى الجهات الإدارية أو الهيئات العامة أو المشروعات العامة من أجل تقصى الحقائق» (المادة 135). «يجوز لمجلس النواب سحب الثقة من رئيس الجمهورية وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة بناء على طلب مسبب وموقع من أغلبية أعضاء مجلس النواب على الأقل، وموافقة ثلثى أعضائه. وبمجرد الموافقة على سحب الثقة من رئيس الجمهورية وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة فى استفتاء عام بدعوة من رئيس مجلس الوزراء. وإذا كانت نتيجة الاستفتاء بالرفض عد مجلس النواب منحلاً، ويدعو الرئيس لانتخاب مجلس جديد للنواب خلال ثلاثين يوماً من تاريخ الحل» (المادة 161). هذه الوظائف الخطيرة من فى مقدوره أن يقوم بها من النواب؟ وما هى الجهات المسئولة عن مطابقة قدرات المرشحين مع هذه المهام؟ وأين موقع نائب الخدمات من كل هذه الوظائف شديدة الأهمية؟ أسئلة مهمة فى حاجة إلى حديث آخر. لمزيد من مقالات د. محمد السعيد إدريس