لم يتوقع أحد أن يغير بريق السلطة تلك المرأة التى بدأت حياتها كناشطة حقوقية تدافع عن المظلومين وتطالب بالمساواة حتى أصبحت من أبرز الوجوه الثورية فى القارة الإفريقية، بل وسجنت عدة مرات بعد أن جازفت بنفسها حينما تصدرت صفوف المتظاهرين، وأن يدفعها هذا البريق لكى تتخلى عن كل المشاعر الإنسانية حتى تحصل على لقب "المرأة الحديدية" بعد أن أصبحت السيدة الأولى لكوت ديفوار "ساحل العاج" . وها هى الآن سيمون جباجبو تقبع خلف القضبان فى انتظار ما سيصدره القضاء من أحكام لعقابها على كل ما ارتكبته من جرائم. فبعد أن ظلت فى إقامتها الجبرية بشمال ساحل العاج منذ نهاية أبريل 2011 تم نقلها إلى أبيدجان الشهر الماضى، من أجل محاكمتها بتهمة "الإساءة إلى أمن الدولة" ومعها 82 آخرين من مساعدى زوجها. ورغم أنه كان من المفترض أن تبدأ المحاكمة فى أكتوبر الماضى، فإنه تم تأجيلها لإعادة تشكيل أعضاء لجنة المحلفين، بسبب الانتماء العرقى لبعض أعضائها وموالاتهم للرئيس الحالى، مما أثار الشكوك حول مدى مصداقية المحاكمة، خاصة بعد أن رفض النظام تسليمها إلى المحكمة الجنائية الدولية معللا ذلك بقدرته على توفير محاكمة عادلة لها داخل ساحل العاج، فى الوقت الذى يمكث فيه زوجها الرئيس السابق لوران جباجبو فى سجن لاهاى منذ أكثر من ثلاث سنوات فى انتظار محاكمته بتهمة ارتكاب "جرائم ضد الإنسانية". ويذكر أن الاتهامات التى وجهت لسيمون جاباجبو تتعلق بارتكابها جرائم قتل بعد إخفاق زوجها فى الانتخابات ورفضه القبول بفشله أمام منافسه الرئيس الحالى الحسن واتارا، ورغبته فى السيطرة على الحكم بالقوة،مما أدى إلى مقتل أكثر من 3 آلاف مواطن فى مذبحة أفزعت العالم، ولم تكن هذه هى المرة الأولى التى تشارك فيها سيمون فى المجازر وأعمال العنف من أجل حماية زوجها واستمراره فى السلطة، حيث سبق أن أصدرت عام 2004أمرا لقمع وإخماد مظاهرات قام بها الشعب مطالبا بتحسين الأوضاع المعيشية وتوفير فرص عمل للعاطلين، وكان هذا هو السبب فى منحها لقب "السيدة الحديدية"، بسبب إصرارها على انتهاج أساليب وحشية لإزالة كل العقبات أمام زوجها وسحق كل من يرغب فى إبعادها هى وزوجها عن الحكم. وتعد سيمون جباجبو شخصية مثيرة للجدل، فإلى جانب الجرائم المعروفة التى شاركت بها فهناك دلائل على تورطها فى تنظيم "فرق الموت" التى قامت بتصفية عدد من الرموز السياسية والصحفية، ففى عام 2005 ذكرت إذاعة فرنسا الدولية أن سيمون كانت قيد التحقيق من قبل الأممالمتحدة فى اتهامات تتعلق بتورطها فى انتهاكات حقوق الإنسان، بما فى ذلك مقتل الصحفى الفرنسى أندريه كيفير الذى اختفى فى أبريل 2004 بعدما شوهد لآخر مرة مع شقيق سيمون، وذلك بعدما اتضح أنه جاء لساحل العاج من أجل إجراء تحقيق صحفى فى الفساد السياسى والاحتكار الحكومى لبعض الصناعات، كما أمرت بتصفية عدد من رموز السياسة الذين كانوا يؤرقون زوجها ويحاولون كشف فساده. ولدت سيمون عام 1949 لأب يعمل ضابط شرطة وأم ربة منزل. ودرست التاريخ وحصلت على الدكتوراه فى الأدب وعملت كأستاذة بالجامعة قبل أن تتزوج من لوران جوباجبو الذى كان أستاذ الأدب الإنجليزى آنذاك ورئيس كلية اللغات والثقافة قبل أن ينخرط فى العمل السياسى. ويذكر أن لسيمون تاريخا من النضال الوطنى،قبل أن يتلطخ بدماء الأبرياء، ففى سبعينيات القرن الماضى، حينما كان الديكتاتور هوفويت بوانيى هو رئيس ساحل العاج، شكلت جباجبو منظمة سرية عام 1973 تعرف باسم جبهة ساحل العاج الشعبية التى ظلت تعمل فى السر وبشكل غير قانونى لأنه لم يكن مسموحا بتشكيل أى أحزاب أو تنظيمات سرية غير الحكومة، كما شاركت فى حركة إضراب المعلمين التى كانت فى عام 1982، وسجنت هى وزوجها عدة مرات خلال النضال من أجل انتخابات متعددة الأحزاب. وبعد إقرار الانتخابات التعددية، ألقى القبض عليهما بتهمة إثارة الفوضى والتحريض على العنف فى فبراير 1992، وقضيا ستة أشهر فى السجن. وفى عام 1996 نافست سيمون فى الانتخابات البرلمانية، بعد أن أصبحت نائب رئيس حزب الجبهة الشعبية الإيفوارية، وفازت بعضوية مجلس النواب، ثم انتخبت نائبا لرئيس البرلمان، وفى عام 2000، تولى زوجها لوران جباجبو رئاسة البلاد، فأصبحت السيدة الأولى لساحل العاج، ثم تم عقد الانتخابات البرلمانية فى عام 2002، وأعلنت ترشحها للمرة الثانية فى البرلمان، ولكن بعض أفراد حزبها عارضوا ذلك، وبدأ منافسوها فى الأحزاب الأخرى فى شن حملات التشهير بها وبزوجها الرئيس وبرغم ذلك خاضت الانتخابات وفازت.ثم جاءت أزمة 2010-2011 وما تلا ذلك من نزاع على نتائج الانتخابات، لتكون بمنزلة المحطة الأخيرة فى المشوار السياسى لجباجبو وزوجته، وهى الأزمة التى انتهت باعتقال جباجبو وسيمون من قبل القوات الموالية للواتارا فى 11 أبريل 2011، لتبدأ ساحل العاج عهدا جديدا بعيدا عن الجرائم الوحشية والحروب الأهلية.