بين المظاهر الجديدة التي تخرج علينا كل عام للاحتفال به .. و سيل الفتاوى الدينية حول مشروعية الاحتفال من عدمها ، يظل الاحتفال بالمولد النبوي الشريف أحد أهم المناسبات التي تؤرخ لكيفية تعامل المصريين مع تراثهم. والمتابع لأوضاع المجتمع المصري يجد أن تراث الاحتفال بالمولد الشريف لم يندثر, إلا أنه أبى أن يظل جامدا ، فأخذ يتطور مع موجات التغيير التي أصابت المجتمع تكنولوجيا و ثقافيا.. بل و اقتصاديا أيضا. فمن بين مظاهر الاحتفال الحديثة مثلا تجد أن طائفة كبيرة من المصريين أصبحوا يغيرون نغمات أجراس تليفوناتهم المحمولة لتصبح أغنيات دينية ومديحا في سيد الخلق, منها مثلا " كم ناشد المختار ربه " وأيضا "يا رسول سلام عليك" و "قلبك حنين يا نبي". و بهذا دخلت التكنولوجيا على خط الاحتفال بالمولد النبوي الشريف.كما أن تبادل التهاني بهذه المناسبة لم يعد بدرجة كبيرة مقصورا على الزيارات العائلية أو الاتصالات التليفونية . فقد يكتفي الكثيرون بتبادل التهاني عبر شبكات التواصل الاجتماعي (فيسبوك و تويتر) ، أو حتى عبر تطبيقات حديثة مثل "واتس آب" . أما حلاوة المولد ، فتعد هي الشكل الأكثر ثباتا في احتفالات المصريين كل عام بهذه المناسبة. و رغم الارتفاع المبالغ فيه لأسعار حلاوة المولد أحيانا كثيرة، إلا أنها طقس مقدس في بيوت المسلمين في هذا اليوم. كما أن درجات الجودة على اختلافها تسمح للجميع بمشاركة الفرحة بها في هذا اليوم. وبالنسبة لعروسة المولد ، فقد بدأت بشكل الحلاوة التقليدي ثم تطورت لتصبح عروسة بلاستيكية يكسوها القماش و الدانتيل و في ظهرها الدوائر التقليدية لشكل لعروسة ، وقد اختفت تقريبا اللهم إلا فى محلات الحلوى التي أرادت أن تقدم شكلا مختلفا هذا العام. أما صيحة العام الصاخبة فتمثلت في شكل عروسة للمولد تعمل بالحجارة و ترقص. و تفنن التجار هذا العام في تقديم عرائس تحمل أسماء راقصات شهيرات مثل صافيناز و دينا و غيرهن. وحتى سنوات قريبة كانت البيوت المصرية تخص هذا اليوم بأكل الطيور و اللحوم لأنه "موسم" ، و هذه عادة ريفية على الأرجح يداوم عليها سكان القاهرة ممن نزحوا اليها من المحافظات. لكنها فيما يبدو انحسرت كثيرا بسبب مشاغل الحياة اليومية و الضغوط الاقتصادية و غيرها التي يعانيها المصريون. والصورة اليوم على ما فيها من مظاهر للفرحة ، إلا أنها تختلف كثيرا جدا عن أجواء البهجة التي نقلتها كتب التاريخ عن احتفالات المصريين بهذا اليوم دونا عن كافة شعوب الأمة الاسلامية ؛ حيث كان الفاطميون هم أوّل من أقاموا احتفالات رسمية لهذه المناسبة، و خصصوا لها مئات الآلاف من الدنانير ، حتى أنهم أسسوا نظاماً يهدف إلى تخزين جميع المواد التموينية من سمن وسكر وزيت ودقيق، كى تصنع من هذه المواد الحلوى، وكانت الحلوى توزع بأمر الخليفة على جميع طبقات الشعب فى جميع المناسبات الدينية وبصفة خاصة المولد النبوى. ومن طرائف الأمور التي سجلها التاريخ للمصريين في احتفالات المولد النبوي الشريف أنهم أجبروا الاستعمار الفرنسي على مشاركتهم الاحتفال؛ حيث استشعر نابليون بونابرت أن من أهم أبواب الدخول إلى قلب هذا الشعب الاحتفال معهم بمثل هذه المناسبة . ويذكر الجبرتي أن بونابرت أرسل أموالا للاحتفال قدرها 300 ريال فرنسى إلى منزل الشيخ البكرى (نقيب الأشراف فى مصر) فى حى الأزبكية, وأرسلت الطبول الضخمة والقناديل، وفى الليل أقيمت الألعاب النارية احتفالاً بالمولد، وعاود نابليون الاحتفال به فى العام التالى,وذلك من أجل استمالة قلوب المصريين إلى الحملة الفرنسية وقادتها..