جامعة سوهاج تتقدم في تصنيف «التايمز للتنمية المستدامة 2025» وتحقق مراكز عالمية متقدمة    كم سجل عيار 21 الآن بختام التعاملات؟.. سعر الذهب اليوم الخميس 19 يونيو 2025    رئيس الوزراء يتابع موقف توفير الأدوية والمُستلزمات الطبية    بعد مطالبته إيران بالاستسلام.. تصريحات خامنئى درس فى السياسة للرئيس الأمريكى    تبادل أسرى بين أوكرانيا وروسيا بموجب اتفاقات إسطنبول    من الملعب.. إمام عاشور يدعم الأهلي في لقاء بالميراس البرازيلي رغم إصابته    جنايات الإسكندرية تقضي بإعدام ثلاثة والسجن عامين لرابع تستر عليهم    ثقافة الغربية تحتفل بذكرى ثورة 30 يونيو وتواصل فعالياتها الصيفية    خالد الجندى: الكلب مخلوق له حرمة والخلاف حول نجاسته لا يبرر إيذائه    6 أسباب تجعل التفاح فاكهة فعالة ل إنقاص الوزن    شيخ الأزهر: الأزهر يولي طلاب باكستان عناية خاصة لنشر المنهج الوسطي    المبعوث الأمريكي لسوريا يحذر حزب الله من دخول الصراع بين إسرائيل وإيران    شبكة برازيلية تختار ياسين بونو العربى الوحيد بتشكيل أولى جولات المونديال    وزير الرى: طرح عقود تكريك نهاية ترعة السويس أول يوليو    الذكاء الاصطناعي يتوقع تأثير موجة الطقس السيئ على لقاء الأهلي وبالميراس.. وكيفية التعامل معه    ليفربول يستهدف صفقة دفاعية في الصيف    فوز شباب اليد على البحرين في بطولة العالم ببولندا    قبل مواجهة بالميراس.. تعرف على انتصارات الأهلي بالمونديال    أسعار سلندرات الألومنيوم اليوم الخميس 19-6-2025 في الأسواق    ضبط المتهمين باختطاف شخص بسبب تجارة العملة    إزالة 4 مزارع سمكية مخالفة على أملاك الدولة شمال سهل الحسينية ببورسعيد    مينا مسعود ضيف معكم منى الشاذلي..اليوم    ملك أحمد زاهر تطمئن الجمهور على حالتها الصحية: "بقيت أحسن"    برنامج "مصر جميلة" لقصور الثقافة يختتم فعالياته بمدينة أبوسمبل.. صور    قيادات تموين الأقصر يقودون حملات للتفتيش على أسطوانات البوتاجاز.. صور    بنسبة 96,5%، الوادي الجديد تتصدر المحافظات بمبادرة سحب الأدوية منتهية الصلاحية من الأسواق    وراثي أو مكتسب- دليلك لعلاج فقر الدم    نائب رئيس الوزراء يترأس اجتماع المجلس الوطني للسياحة الصحية    إسرائيل تقر باستمرار قدرة إيران على إطلاق الصواريخ    لهذا السبب..محافظ الدقهلية يستقبل وفدًا رفيع المستوى من الاتحاد الأوروبي    وفاة معلمة بالفيوم أثناء أعمال تصحيح أوراق امتحانات الدبلومات التجارية    السجن المشدد 15 عاما لعاطل يروج المخدرات في الإسكندرية: 500 طربة حشيش في حقيبتين    محافظ القاهرة: أعلى قيمة لساعة انتظار السيارات 10 جنيهات    الصحة": نستهدف المشاركة في مبادرة الاتحاد الأفريقي لتوفير 60% من احتياجات القارة من اللقاحات البشرية مُصنعة محليًا بحلول عام 2040    هل هناك مؤشرات إشعاعية علي مصر؟.. رئيس الرقابة النووية يجيب    مسابقة لتعيين أكثر من 4 آلاف معلم مساعد مادة الدراسات الاجتماعية    الرقابة النووية: نرصد الإشعاع عالميا ومصر على اتصال دائم بالوكالة الذرية    انطلاق تصوير فيلم "إذما" بطولة أحمد داود وسلمى أبو ضيف (صور)    موعد التقديم وسن القبول في رياض الأطفال وأولى ابتدائي بالأزهر 2025    فاتتني صلاة في السفر كيف أقضيها بعد عودتي؟.. الأزهر للفتوى يوضح    ما حكم تشغيل صوت القرآن أثناء النوم؟.. أمين الفتوى يجيب    ننشر نتائج الطلبة المصريين بالخارج من مرحلة الابتدائي وحتى تانية ثانوي    «منخفض الهند الموسمي» | ظاهرة جوية تلهب ثلاث قارات وتؤثر على المناخ    ضبط 7 قضايا مخدرات وتنفيذ 818 حكمًا قضائيًا خلال حملات أمنية بأسوان ودمياط    إسرائيل: قصفنا مفاعل آراك ومواقع نووية في بوشهر وأصفهان ونطنز    هل يؤثر مرض السكري على الجنين في بطن الأم؟ تفاصيل صادمة    إيران تتهم الدولية للطاقة الذرية ب خيانة نظام عدم الانتشار النووي    صادر له قرار هدم دون تنفيذ.. النيابة تطلب تحريات انهيار عقار باكوس في الإسكندرية    محمد الشناوي: نحلم بالفوز أمام بالميراس وتصدي ميسي لحظة فارقة.. والظروف الآن في صالحنا    حمدي فتحي: نسعى لتحقيق نتيجة إيجابية أمام بالميراس    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 19-6-2025 في محافظة قنا    خارجية أمريكا: نطالب جميع موظفى السفارة فى تل أبيب وأفراد عائلاتهم بتوخى الحذر    مصر تعمّق حضورها في إفريقيا.. استثمارات استراتيجية في جيبوتي ونموذج تنموي متكامل للقارة    وسط تصاعد التوترات.. تفعيل الدفاعات الجوية الإيرانية في طهران    هل الحسد يمنع الرزق؟.. الشيخ خالد الجندي يوضح    خالد الغندور يكشف صدمة للأهلي بسبب مدة غياب طاهر    سماوي: مهرجان جرش في موعده وشعلته لن تنطفئ    تامر حسني وهنا الزاهد يتألقان في دور السينما المصرية ب "ريستارت"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحو لاهوت تحرير إسلامى
نشر في الأهرام اليومي يوم 30 - 12 - 2014

يتعرف الفرد على الشرائع والقوانين بالتعليم النظري، أو التربية الدينية، ولكنه يمارسها فقط بالإستبطان الروحي، فالإيمان ليس معرفة عقلية
ولا يؤتى ثماره بمجرد إدراك الحقيقة، بل هو حالة روح تتوق إلى الحقيقة نفسها، يملؤها الشغف بالكائن الأسمي، الذى يلهم هذه الحقيقة، ويحفزها التعلق بالكون الرحيب الذى وهبه ذلك الكائن لها. مثل هذا الإيمان غالبا ما يولد وينمو دون معرفة تحليلية، فلا يدرك المرء سره، ولو سعي، فيما بعد، إلى فهمه. وهنا يظل إيمانه البدئي، النابع من باطنه، أقوى من الشكوك التى تجابهه. أما الذى لا يشرق باطنه بالإيمان، ويسعى فقط إلى تعلمه، فيظل معرضا دوما للشكوك التى تفترسه. فما يميز الإيمان ليس المفاهيم العقدية له، فهذه تحدد اسم الدين، ومسمى الكائن القدسى الأسمي: الله، الرب، يهوه، براهمن، رع، إندرا، زيوس.. إلخ. بل هو الثقة المطلقة التى لا تتزعزع فى ذلك الكائن، الذى خلق العالم والإنسان، ولا يزال يرعاهما، ما يعنى أن الإيمان ليس إلا واقعة داخلية صرف، تنبع وتصب فى الجوهر الباطن للإنسان. ولهذا فإن الإيمان الحار بإله باطل، غالبا ما يؤثر فى نفس الإنسان ويمنحه دوافع للتضحية أكبر كثيرا من الإيمان البارد بإله حقيقي، فالفاعلية الإنسانية تبلغ ذروتها بفعل حرارة الإيمان الجواني، ولو تعلق هذا الإيمان بأسطورة أو حتى بخرافة.
ولعل هذا الملمح بالذات هو الذى يصبغ الإيمان بنزعة فردية، تستعصى على التنظيم، وأبعادا جوانية تمتنع على التقنين، وهو المعنى الذى ذهب إليه توماس جيفرسون أحد الأباء المؤسسين للإمبراطورية الأمريكية، الذين صاغوا نمط العلاقة الإيجابية والفعالة بين الدين والحرية فيها، وبالأحرى بين التدين والتحرر، قائلا: «أنا بحد ذاتى فرقة دينية»، وهو المعنى الذى كرره توماس بين بعد عقود عندما قال: «فكرى هو كنيستي»، وهى رؤى تعكس ذروة النزعة الفردية فى الدين، وتكشف عن عمق العلاقة بين أمة المؤمنين بالإنجيل، ودولة الإيمان بالحرية.
وربما كان أكثر ما نحتاج إليه اليوم، بل إنها حاجة الأمس التى تأخرت إلى اليوم، يتمثل فى لاهوت تحرير إسلامى يُخلِّصنا من سلطة النصوص التراثية، ويُحررنا من هيمنة روح القطيع، ويلهمنا بأحلام التقدم والنهوض والإستقلال الوطنى على المنوال الذى لعبه لاهوت التحرير الكاثوليكى فى دعم حركات التحرر الوطنى فى معظم أرجاء أمريكا اللاتينية، إبان ستينيات القرن الماضي، ضد الإقطاع والهيمنة الأمريكية، والنظم العسكرية.
ولحسن الحظ فإن النص الإسلامى المؤسس (القرآن الكريم)، ينطوى جوهريا على بعد تحررى عميق، حيث النزوع إلى التوحيد، من حيث هو اعتراف بواحدية الإله، واستقلاله المطلق عن الطبيعة، يعكس نزوعا مقابلا للإعتراف بالإنسان (الموحِّد)، باعتباره، هو الآخر، كائنا متميزا ومستقلا. بل ويبلغ هذا البعد التحررى أفقا وجوديا بامتياز بفضل الجوهر التنزيهى المؤسس للتوحيد الإسلامى. فإذا كان أول صفات الله وأهمها هى أنه واحد أحد، وأن وحدانيته تتميز بالشمول والخلود. فعلى كل فرد مؤمن به، كى يستحق هذا الوصف، أن يسعى ليكون هو الآخر واحداً، متمتعاً بشخصية إنسانية ناضجة، واستقلال ذاتى مطلق فيما يخص فعل الإيمان بالذات. لقد خلق الله كل إنسان بتكوين متفرد، متميزا عن سواه، وسوف يبعثه فى الآخرة فرداً «ولقد جئتمونا فرادي، كما خلقناكم أول مرة» (الأنعام: 94). وفى آية أخرى «ونرثه ما يقول ويأتينا فرداً» (مريم:80). وفى آية ثالثة «وكلهم أتيه يوم القيامة فرداً» (مريم: 95). فكون المسلم واحداً هو ما يجعل شهادته بوحدانية الله ذات معني، تفترض مسبقا استقلالية الذات وتستند إليها، فيتجلى الإنسان حرا كريما وتنطلق إرادته من كل القيود التى كانت تكبله، قيود الجماعة، والتقاليد، والأعراف، والسلاطين.. وغيرها. بل يقول القرآن الكريم إن طاعة الإنسان المطلقة لإنسان سواه شعبة من شعب الشرك، حتى لو كانت لعلماء ومشايخ وقادة دينيين كبار، لأن الإنسان لا يأتى بمثل هذه الطاعة لإنسان آخر يشعر أنه مثله، ولا يتخلى عن حقه فى التفكير والتعبير واستقلال إزاء شخص آخر إلا إذا اعتبره خالياً من الخطأ منزهاً من النقص، أو ظنه قادرا على إيقاع النفع والضرر، العطاء والمنع، ولا شك فى أن الاعتقاد بوجود هذه الصفات فى غير الله هو أصل كل شرك.
وهكذا تعد الحرية الإنسانية نتيجة أساسية للتوحيد، وضرورة منطقية للتنزيه، فكلاهما يمثل قاعدة صلبة للمساواة بين البشر، الذين تواضعوا جميعا أمام الذات الإلهية. والمساواة (القانونية) بدورها لازمة أساسية للحرية، ومن ثم فإن اللحظة التى يتسامى فيها الله على الوجود البشرى بمجمله، هى نفسها التى يتساوى فيها البشر فيما بينهم، وهى أيضا اللحظة التى تصبح فيها الحرية، بالمعنى الوجودي، أحد الممكنات الإنسانية.
غير أن تلك الحرية، التى تصبح ممكنة وجوديا، بفعل الحضور الإلهى فى العالم، وفى مواجهة هذا الحضور نفسه، حيث الإيمان قرينا لإرادة تختار، وإلا كان مجرد نفاق يتساوى مع الكفر، تبقى فى الحقيقة أمرا نسبيا إزاء الواقع، يتوقف عمق حضورها على ما يملكه الشخص الإنسانى نفسه من ممكنات ومواهب، لا يتساوى فيها مع الآخرين. ومن ثم فالحرية الكاملة هنا إنما هى حرية مفترضة، يضمنها الاعتقاد التوحيدى نظريا، ولكنها تتحقق عمليا بحسب ملكات الإنسان وبفضل مواهبه، وقدراته على توسيع ممكناته، واغتنامها فى تحرير إرادة الإختيار لديه. وهكذا يكون الإسلام خصوصا، والإيمان التوحيدى عموما، قد منح الإنسان طاقة تحرير وجودية هائلة، بغض النظر عن قدرته على توظيفها، فإن لم يستطع أن يفعل، كان إيمانه ناقصا، وهذا ما لا نرجوه للمسلم المعاصر، الذى بات واجبا عليه استلهام الروح التحررية فى عقيدته، ليحقق انعتاقه الكامل من أسر التطرفات والهيمنات التى تسود زمانه، وتطرح نفسها عليه فى صورة انغلاقات تسد الطريق إلى مستقبله.
لمزيد من مقالات صلاح سالم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.