تعتبر التجربة الديمقراطية التونسية هامة وملهمة لكثير من الدول العربية، كونها كانت أولى دول الربيع التى إنبثقت فيها شرارة الثورات العربية، ومن خلال هذه التجربة التى مرت بسلام دون إنعطافات حادة كما حدث فى مصر أو حروب أهلية كما هو الحال فى سوريا وليبيا. فقد حرص جميع شركاء التجربة التونسية على تونس ذاتها وعلى إستقرارها، وعلى إنجاح التجربة الديمقراطية ونلاحظ ذلك فى: (1) تهنئة الرئيس المنتهية ولايته، المرزوقي، منافسه السبسي بفوزه، وعندما ثار مناصروه على نتائج الإنتخابات خرج فى لقاء متلفز يعلن أنه لن يذهب للمحاكم بشأن الخروقات الانتخابية، لأن هدفنا تحقيق الاستقرار بتونس. و"يجب الترفع عن كل خطاب من شأنه أن يثير الانقسام ويهدد الأمن والوحدة الوطنية، فالوحدة الوطنية هي كسب أساسي في بلادنا". (2) أكد السبسي أنه سيكون رئيسا لكل التونسيات والتونسيين وأن "الحملة الانتخابية انتهت وعلينا الآن أن ننظر إلى المستقبل" فأنّ مستقبل تونس هو للتّوافق، وهى تحتاج لكل أبنائها وبناتها دون إقصاء أو تمييز. داعيا إلى "إحكام العقل والوحدة من أجل الوطن". (3) دعا راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الثائرين على نتائج الانتخابات إلى الهدوء وإلى "الترفّق بالبلاد والمحافظة على المؤسسات وعلى نهج التوافق". وطالبهم إلى "القبول بالنتائج وتهنئة الفائز". أما عن نتائج التجربة التونسية ذاتها فلنا هذه الملاحظات: أولا: إثبتت حركة النهضة التونسية (إخوان تونس) أنهم أذكى من إخوان مصر لرفضهم الترشح فى الإنتخابات الرئاسية وهو ما صرح به راشد الغنوشي فى حواره مع صحيفة الخبر الجزائرية باننا "لو قدمنا مرشحا للرئاسية لإنهار المسار بانقلاب، بإرهاب، باغتيالات، بفوضى عارمة". وأكد أن "تونس والديمقراطية أغلى علينا من النهضة، أنا ليس لي مشكل في أن انتقل من السلطة إلى المعارضة، لكن لا أحب أن انتقل من السلطة إلى السجن، أو من السلطة للمهجر". وهو ما أعطى المواطن التونسى الإحساس بان النهضة لا تريد أن "تكوش" على كل المناصب فى تونس، عكس ما شعر به المواطن المصرى. ثانيا: ثورة أنصار المرزوقى على نتائج الإنتخابات، يثبت أننا كعرب مازلنا لم ننضج ديمقراطيا بعد، ونثور عليها إن لم تأت بنتائج ترضينا، فحتى مع وجود "خروقات" إنتخابية فلا أظن أنها قد قلبت الحقائق فحولت الخاسر الى فائز والعكس، وحتى الإنتخابات الأمريكية يحدث فيها خروقات، ويتقبل الجميع نتائجها، وهى مثل أخطاء حكام كرة القدم، جزء من اللعبة الديمقراطية. ثالثا: أن كبر سن الرئيس الفائز (88 سنة) لن تسمح له بفترة إنتخابات جديدة، هذا إن استكمل الاولى، ولذلك فتونس مقبلة على إنتخابات رئاسية بعد فترة وجيزة. رابعا: أن حصول السبسي على حوالي 55% من الأصوات مقابل 44% للمرزوقي، يدل على أن تونس على طريق الديمقراطية الصحيحة، فلم يكتسح مرشح آخر كما نشاهد فى العالم الثالث فى إنتخابات شبيه بالإستفتاءات. خامسا: أن حزب "نداء تونس" والذى يضم منتمين سابقين لحزب "التجمع" الحاكم في عهد الرئيس المخلوع بن علي حققت نجاحا فى الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وهو ما نتوقعه فى مصر أيضا من وجود أعضاء الحزب الوطنى فى مصر فى البرلمان المقبل. سادسا: شكر السبسي منافسه المرزوقي وقوله إن الشعب التونسي لا يزال في حاجة إليه وأنا شخصياً إلى نصائحه"، بينما لم يذهب المرزوقى الى عمرة فى الإمارات العربية، وقرر تكوين حزب سياسى جديد. يدل على أن الشعب التونسي سطر صفحة "تاريخية" في مرحلة الانتقال الديمقراطي في البلاد، كما وصفها الاتحاد الأوروبي. لمزيد من مقالات