سامي فريد : يقول الدكتور ثروت عكاشة في مقدمة كتابه المعجم الموسوعي للمصطلحات الثقافية: كان همي الذي قصدت إليه أن يكون هذا المعجم لغير المتخصصين ينتفعون بما جاء فيه مما له صلة بالفن حين يشوقهم هذا, مؤملا أن يجدوا فيه عونا عندما يختلفون إلي المتاحف أو المسارح أو عندما يستمعون إلي أعمال موسيقية أو غنائية أو عندما يشاهدون أعمالا راقصة أو عندما تطالعهم الصور التي تضمها كتب الفن.. هو إذن الوزير المثقف الذي يعرف رسالة المثقف تجاه مجتمعه والمسئول نحو سائليه وأصحاب الحاجة إليه, في واحد من كتبه التي بلغت سبعين كتابا لعل من أهمها موسوعة تاريخ الفن( العين تسمع والأذن تري) التي انفق فيها فوق ربع القرن من عمره وضمت تسعة عشر مجلدا في العمارة الإسلامية ونشأتها وقيمها الجمالية والفرق بين عمارة القصور والأضرحة أو المنازل وبيوت السكني مقدما نماذج لها قبة الصخرة بالقدس والجامع الأزهر ومسجد قرطبة وعمرو بن العاص وغيرها وترجمته لمسخ الكائنات وفن الهوي للشاعر أوفيد وأعمال جبران وتحقيقه لكتاب المعارف لابن قتيبة الذي حكي فيه مؤلفه قصة ابتداء الخلق من آدم عليه السلام حتي بعثة محمد صلي الله عليه وسلم وأخبار الصحابة وقيام الدولة الأموية والعباسية, غير مؤلفاته في السياسة والثقافة بالانجليزية والفرنسية وهو الوزير( البنا) كما اشتهر عنه الذي أنشأ معاهد البالية والكونسرفتوار والسينما والفنون المسرحية والنقد الفني( أكاديمية الفنون) ونشر قصور الثقافة علي امتداد مصر وأعاد تكوين أوركسترا القاهرة السيمفوني وأقام سيد درويش وأنشاء فريق بالية أوبرا القاهرة وعروض الصوت والضوء بالأهرام والقلعة والكرنك وأول من أوفد معارض الآثار المصرية إلي الخارج. وأنشأ متحف مراكب الشمس ومتحف المثال محمود مختار ودار النسجيات المرسمة ودار الكتب القومية وغيرها فاستحق عنها الجوائز في الداخل والخارج نذكر منها وسام الفنون والآداب الفرنسي(1964) واللجيون دونور( جوقة الشرف الفرنسي1968) والميدالية الفضية لليونسكو تقديرا لجهوده في إنقاذ معبد أبي سمبل وآثار النوبة وكذلك جائزة الدولة في الفنون من مصر(1988). وقد تقلد رئاسة المجلس الأعلي للفنون والآداب ووزارة الثقافة المصرية لفترتين: الأولي(1958-1962) والثانية(1966-1970) ثم عمل مساعدا لرئيس الجمهورية للشئون الثقافية وقد تتسع المساحة لذكر واقعة تشهد بإحساسه بواجبه ومسئوليته كمثقف تجاه وطنه عندما رحب بالعرض الذي قدمه إليه شيخ أدبائنا الراحل يحيي حقي في لقاء جمع بينهما كان كاتب هذه السطور شاهدا عليه أن تهدي دار الكاتب العربي مخزون كتبها إلي مكتبات وزارة التعليم وهو ما وافقه عليه الوزير ثروت عكاشة مؤكدا علي أن دور الوزارة هو تحقيق رسالتها نحو المثقفين ليبدأ أكبر مشروع ثقافي في تلك الحقبة من عمل الرجال الكبار. لكن عقبة صغيرة اسمها الروتين وقفت حائلا دون التنفيذ عندما بدأ المسئولون الصغار يحسبون حساب لجان الفرز في الوزارتين وتكاليف النقل والتسليم والتسلم وبناء المكتبات المدرسية لاستقبال الكتب لتندفن الفكرة بعد ذلك في أدراج حراس الروتين الحكومي وسدنة معابد اللجان. رحم الله جيلا كان يعرف قيمة الوطن ويسعي لخدمة بنيه..