ليس غريبا أن نجد من يتجاهل، أو ينكر، دور الاستاذ محمد حسنين هيكل فى التمهيد لثورتى 25 يناير و 30 يونيو مع أن دوره مسجل ولم يتقادم به العهد ليطويه النسيان. وسجله يشهد على أنه كان معارضا فى كل العهود حين يفرض الواجب على المفكر الوطنى أن يعارض. قبل ثورة 25 يناير كان هيكل يملأ الساحة بكتاباته فى الصحف المصرية وفى أحاديثه الصحفية والتليفزيونية ويدق الأجراس بقوة ليحذر من استمرار ما وصل اليه الحال من تدهور اقتصادى وسياسى وفساد وكوارث. وبعد الثورة ونجاح الإخوان فى اختطافها ووصولهم الى الحكم بطريقة لم يكشف التاريخ عنها حتى الآن، فى ظل وجود الإخوان واستيلائهم على السلطة كان هيكل يكتب ويتحدث ليكشف الانحراف وسوء الادارة والمخاطر من استمرارهم، وبعد اذاعة حلقة من سلسلة أحاديثة اشتد فيها وافاض فى فضح جرائمهم طلب محمد مرسى (وهو رئيس الجمهورية ولا حول ولا قوة الا بالله) لقاءه فى محاولة لكسبه فى صفهم، لكن هيكل خرج ليواصل هجومه على ممارسات هذا الرئيس وأعوانه مما جعلهم يتحولون من امتداحه والترحيب به الى الهجوم عليه فى الصحف والتليفزيون وشبكات التواصل الاجتماعى، وكلها كانت قد وقعت تحت سيطرتهم.. ما قاله هيكل أثناء وجود مرسى فى قصر الرئاسة مسجل ومكتوب وبالصوت والصورة. ومواقف هيكل من نظام مبارك مسجلة أيضا ومتاحة لكل من يريد، وقد مرت بثلاث مراحل حددها هو بنفسه ليريح المصابين بالكسل العقلى: المرحلة الأولى سادتها درجة من إيثار حسن الظن لكى تعطى للرجل فرصة. والمرحلة الثانية سادتها خلافات مع النظام فى معظم سياساته الداخلية والخارجية. والمرحلة الثالثة كان معارضا بغير التباس وبقوة بعد أن رأى «التفريط يجرف كل خصب على أرض مصر ويزيح حرمة السيادة والشرعية والثروة والثقافة حتى بدا وكأن مصر تضيع وطنا وشعبا وتاريخا ومستقبلا، ووصل الاجتراء الى حد التحضير لتوريث مصر، ولم يبق شك فى أن شرعية السلطة فى مصر سقطت، وأن هناك شرعية أخرى تنتظر من يرسى أسسها فى ظرف من أصعب ما خبرته التجربة المصرية». هكذا وصف هيكل المراحل التى تطور فيها موقفه الناقد، ثم المعارض، ثم الرافض، والداعى الى شرعية جديدة، أى إلى ثورة تطوى هذه الصفحة وتفتح صفحة جديدة فى التاريخ المصرى. وقد سهل هيكل علينا مهمة البحث والتقصى لما كتبه قبل الثورة، فجمع مقالاته منذ عام 1982 التى بدأ فيها بتوجيه ست رسائل مفتوحة الى مبارك قرأها مبارك قبل النشر وطلب عدم نشرها ثم نشرها، هيكل بعد ذلك للتاريخ. وحتى فى عهد الرئيس الراحل انور السادات تحول هيكل الى معارض بعد أن كانت الصداقة والثقة بينهما قد وصلت الى درجة أن كلفه السادات بكتابة الأمر الاستراتيجى لحرب 1973 وكتابة خطابه الى مجلس الأمة بعد ذلك، ولكن هيكل اختلف مع السادات، ورأى أنه دخل الى «رهان السلام» قبل الأوان وأعطى لأمريكا ادارة الأزمة على نحو يحقق لها ولإسرائيل كل ما تريد أو معظمه، وحصل هيكل على نسخة كاملة من الرسائل السرية التى تبادلها السادات مع كيسنجر قبل الحرب، وكشف عن الرسالة الأولى فى حديث مع صحيفة «الأهالى»، وبعدها نشر كيسنجر هذه الرسائل فى كتابين أحدهما بعنوان «سنوات القلاقل» والثانى «الأزمة»، وحين وقعت هذه الرسائل فى يد هيكل علم أن السادات كان يخفى عنه أسرارا لو علمها لما تعاون معه، واشتد الخلاف، ولم تنجح الوساطات، ونشر هيكل فى «الأهرام» سلسلة مقالات كانت كشفا لنقاط الخلاف وتمهيدا للفراق، وكانت من نتيجتها خروجه من الأهرام وكان يتوقع ذلك وينتظره، ثم اعتقاله مع كل القيادات السياسية فى مصر ولم يكن يتوقع ذلك. ومع ذلك لايزال البعض يتجاهل أو ينكر دور هيكل وقد يحتاج هؤلاء مزيدا من الايضاح.