كثيرا ما نسمع عن الطريق واختياره ونسمع أيضا عن اختبار الطريق وشقائه. وعادة نتساءل الى أين سيأخذنا هذا الطريق؟ والى أين سنصل بهذا الاختيار؟ وأيضا نسأل ماذا سيضيف لنا هذا الاختبار؟ وبما أننا نقترب من بداية عام جديد اعتدنا أن تتوالى علينا النصائح بكافة اللغات لتقول وتطلب وتذكر وتنبه وتكرر القول بأن علينا أن نبدأ الجديد من جديد وأن نجدد البداية في حياتنا وأيضا في أيامنا وفي نظرتنا لها وموقفنا منها .. كما تتردد على مسامعنا النصيحة اياها بضرورة أن تظهر بل تتوافر لدينا الجرأة أو الشجاعة التي لا تتردد ولا ترتبك في أن تتواجد في تفاصيل حياتنا ومعيشتنا وأيضا في أن تقود تعاملنا مع الحقائق والرؤى والأحلام في حياتنا. نعم،المطلوب دائما منا هو الجرأة في المواجهة والشجاعة في قبول التحدي مهما طالت المواجهات ومهما ازدادت التحديات. فلا مفر منها ولا عذر يمكن قبوله كتبرير لترددنا وتخاذلنا.. .............. انها قصة حياة عالم فذ في فيلم . هى حياة ستيفن هوكينج (من مواليد 8 يناير 1942) وعبقريته وانجازاته العلمية في الفيزياء النظرية والأهم تحديه لمرضه العصبي وشلله وفقده للنطق ومع كل هذا جاء اصراره على الاستمرار في الحياة والبحث العلمي. هذه القصة الفريدة يتناولها بالتفاصيل المبهرة وبلغة سينمائية جميلة وممتعة فيلم بريطاني يعرض منذ فترة في أمريكا اسمه « نظرية كل الأشياء». والفيلم مدته ساعتان وفي اعلاناه نقرأ العبارة التالية: «عقله غير عالمنا وحبها له غير عالمه». وقصة الحب كانت ل «جين وايلد» التي صارت حبيبته ثم زوجته ثم رفيقة حياته لسنوات طويلة.. نحو 30 عاما وقد تم الطلاق بينهما عام 1995. والعبارة التي قالها أو كتبها العالم الكبير «هوكينج» في نهاية الفيلم وعبر جهاز الحديث والتواصل مع زوجته ومع الآخرين كانت واضحة ومعبرة: « انظري ماذا فعلنا وحققنا». هوكينج عرفه العالم بأبحاثه في الزمن والكون و»الثقوب السوداء» وأيضا بكتابه الشهير«تاريخ موجز للزمن».وهو الآن في 72 من عمره. وكان قد أصيب بالمرض المميت وهو في ال21 من عمره وحسب كلام الأطباء كان سيعيش عامين فقط .. الا أنه قبل التحدى و«جين»وقفت معه. وكتبت قصته مع التحدي وقصتها معه. وتحول ما كتبته جين الى هذا الفيلم الذي يقول الكثير ويحرك الكثير من المشاعر الانسانية.. ومن ضمن الكتب المميزة التي ظهرت في العام المنصرم كتاب بعنوان «طريق يظهر».. (في تحويل أكثر من حياة وفي خلق الفرصة). والكتاب من تأليف الكاتب الصحفي الأمريكي نيكولاس كريستوف وزوجته الصحفية شيريل وودان. وقد اشتهرا الاثنان بالكتابة المتميزة عن الصين وصعود آسيا، كما أنهما قادا وخاضا معا حملة دولية لتحرير المرأة وتحررها من كافة أنواع القهر ومنها تحديدا الاتجار بالبشر. والحملة لم تقتصر على الكتابة والتوعية والتنبيه بل تبنت مشروعات محلية في دول عدة وقامت بدعمها وسرد حكاياتها عبر كتابات ولقاءات وندوات أمريكية ودولية يشهدها ويتابعها الملايين. نيكولاس كريستوف كاتب العامود الشهير والمتميز في «نيويورك تايمز» معروف بتبنيه لقضايا العالم وله اهتمام خاص برغبة الانسان في التحدي والخروج به من الفقر والمرض والظلم. كما أنه لن يمل من الذهاب الى حيث التحدي والمواجهة والاصرار على التصدي للأزمات وعلى خلق الفرص في كافة بقاع العالم. وفي اهداء هذا الكتاب يذكر الكاتبان أفراد عائلاتهم اللذين قاما بتربيتهم بالحب والعطاء وأيضا «.. الى كل هؤلاء حول العالم الذين علمونا أن كوننا شاهدين لمشاكل العالم ليس بالأمر المحبط بل بالأمر الملهم لأن الأزمات تخرج من نفوس البشر روح المساعدة الفطرية .. ويكون في امكانك أيضا أن ترى ما هو الأفضل في الانسان جنبا الى جنب مع ما هو الأسوأ فيه». وما يلفت نظرنا في بداية الكتاب قول كاتب صيني لو شوون عام 1921 « الأمل مثل طريق في القرية. في البداية لم يكن هناك أي شئ ولكن عندما أخذ الناس يمشون في مسار ما مرارا تكرارا ظهر الطريق» وبما أننا اعتدنا القول «من فات قديمه تاه» وأيضا «اختار الصديق قبل اختيار الطريق». فانني أبحث وأجد في الصفحات القديمة في صحفنا ومجلاتنا طريقا وصديقا وملاذا في مواجهة «غوغائية» الحاضر وهمومه المتلتلة. ومن حسن حظي أجد «كشكش بك» و«أستاذ حمام» الفنان العظيم نجيب الريحاني ( 1892 1949). وأراه كعادته يتفلسف في أمور الدنيا وشئون البشر ويكتب ببهجة ويذكر بفرح وينصح بصدق «انسى الهم ينساك». كلمات الريحاني نشرت في العدد 618 من مجلة «الاثنين والدنيا» الصادرة بتاريخ 15 أبريل 1946 تحت عنوان «انسى الهم ينساك!» «نعم ..انسى الهم ينساك.. تلك هي الحكمة العالية الغالية التي يجب ألا ينساها كل مهموم! واذا كان حضرة الحكيم التي قالها قد مات وشبع موتا من زمان، دون أن يذكر طريقة نسيان الهم والغم والكرب العظيم، فالحكاية بسيطة ..وعلى حضرة صاحب الهم والغم والخ. أن يبحث لنفسه بنفسه عن نسيان همه وغمه بأي طريقة والسلام. والنتيجة مضمونة 100 في ال100 لأن البحث اما أن ينتهي بمعرفة الطريقة، وهو المطلوب .. واما أن يستمر المهموم في البحث بعد البحث، فينحصر «همه» في ذلك، وينشغل به عن همه القديم. وهو كذلك المطلوب! على أن لنسيان الهموم ألف طريقة وطريقة، كلها في متناول الانسان، أولها أن يكون عنده ايمان بأن ليس في الامكان أبدع مما كان، وبناء على هذا يؤمن حضرته بأن المصيبة التي أصابته ليست مهما عظمت، الا من نوع «قدر ولطف». ولولا ذلك لكانت أدهى وأمر، وأعظم بزمان! وبناء عليه أيضا يمكن للمهموم المغموم أن يعزي نفسه بما كتب الله لأمثاله من الجزاء الحسن في الدنيا والآخرة، فتنسيه الفرحة بهذا الجزاء المضمون شقاءه بالهم والتفكير فيه! هذا بالطبع اذا كان حضرته من اخواننا العقلاء.. أما اذا كان من اخواننا غير العقلاء، فيا دار ما دخلك شر، لأن «قلة العقل» وان كانت «مصيبة» في نظر الآخرين، فهى كفيلة بأن تجعل صاحبها يضحك ويفرفش وهو في عز الهم والشقاء!» ويكمل الريحاني كلماته قائلا:«أن الهم الأكبر في الدنيا هو «هم الموت» بشهادة الجميع، وهذا الموت نفسه معناه عودة الانسان الى قواعده سالما، وخروجه من العالم الفاني البكش الأونطة الى عالم البقاء والحقيقة والخلود، فمن الانصاف أن يقابل بالفرح والابتهاج. أما الهموم الصغرى فهي من باب أولى «طظ فش»ولا هى هنا ولا هناك، أي أنها لا تستحق أى التفات! وعلى المهموم ألا ينسى أن التفكير في الهم، هو هم آخر، فليسأل نفسه قبل أن يفكر فيه لماذا يزيد البلة طينا؟ ولماذا «يحط عيشه على أم الخير»؟ أما اذا أحب أن يتفلسف ويكثر على رأسه من الهموم ليتكسر الهم على الهم كما تتكسر النصال على النصال مثلا أو لتقطم الهموم رقبته فيستريح فهو حر يتفلسف كيف يشاء. وواحد شايل همه والا دقنه والتاني تعبان ليه!!». انتهت كلمات الريحاني في هذا الأمر الهم والهام!! .............. ومثلما قيل في الماضي يقال في الحاضر أيضا «اختصر الطريق».. و»ربنا يهديك وينور طريقك» وكلها تعد نصائح أو تنبيهات تخصك أنت وتخص مدى قدرتك أنت ورغبتك أنت في الاستفادة من الحكمة والاستمرار في الطريق. ان الطرق (لعلمك) عادة غير ممهدة خصوصا اذا كنت تبحث عن ما هو مبتكر وما هو مبدع في حياتنا. وبالتأكيد تلك الطرق «غير مفروشة بالورود» وأنا صراحة لا أعرف لماذا يذهب المرء الى طريق مفروش بالورود؟ هل هو حبا في الورود؟ أم أن هذا المشهد يسكره و»يداعب ذاتيته» ومن ثم يتوهم بأن كل هذه الورود مفروشة له وأن كل هذه الطرق دائما في انتظاره؟! وغالبا السكرة تذهب وتبقى الفكرة .. وأكيد «انسى هم الطريق ينساك» أما الطريق نفسه عندئذ سوف يقول لك :»خد راحتك وكمل مشوارك»