تتحول الصين تدريجيا في السنوات الأخيرة إلى مصدر قلق وازعاج شديدين للغرب بعد أن حققت تقدما اقتصاديا غير مسبوق أعقبه بطبيعة الحال تنامي النفوذ الدبلوماسي والسياسي على الساحة العالمية. وأمام هذا الكيان الصاعد، أصر الغرب على أن يدفع التنين الأصفر إلى محاولة إحراق نفسه بنفسه عن طريق زرع الاضطرابات والفتن في واحد من أهم الأقاليم التابعة للسيادة الصينية، وهي هونج كونج. صحوة مفاجئة للمطالبة بالديمقراطية انطلقت في هونج كونج منذ أواخر ديسمبر الماضي، حين احتشد الآلاف من الطلاب والمناهضين للتبعية الصينية في شوارع المدينة "الإقليم" اعتراضا على قرار بكين بتشكيل لجنة مختصة لاختيار المرشحين لمنصب حاكم هونج كونج في انتخابات عام 2017، الأمر الذي أثار غضب آلاف المحتجين الذين طالبوا بحرية الترشح في الانتخابات القادمة، وأعلنوا في سبيل تحقيق ذلك اعتصامهم في أحياء رئيسية بالإقليم. واستدرجت الاحتجاجات في أول الأمر آلاف المشاركين، وحصلت على دعم شعبي كبير، إلا أن هذا الدعم سرعان ما بدأ في الانحسار، وتناقصت أعداد المعتصمين إلى المئات بعد أن شعر المتظاهرون بعدم جدوى اعتصامهم في ظل عدم وجود قيادة واضحة لحركة الاحتجاج، فضلا عن الاشتباكات العنيفة والمتكررة مع الشرطة أثناء محاولتها تنفيذ قرار قضائي بفض مواقع الاحتجاج الذي وصفته الحكومة الصينية وحاكم هونج كونج ليونج شون ينج بأنه غير شرعي. وإذا كانت موجة احتجاجات هونج كونج قد انحسرت، فإن ذلك لا يعني أن الأمر سيتوقف عند هذا الحد، فالمحاولات الغربية ستتواصل لزعزعة استقرار الصين، خاصة وأن التبعية الصينية لا تحظى بدعم المواطنين في هونج كونج. فوفقا لاستطلاع للرأي أجرته الجامعة الصينية في هونج كونج في أكتوبر الماضي، عرف 8% فقط أنفسهم بأنهم "صينيون"، وذلك في أدنى معدل منذ عام 1997، أي عندما سلمت بريطانيا مستعمرتها السابقة هونج كونج للصين بموجب صيغة "بلد واحد ونظامان" التي تمنح المدينة حكما ذاتيا وحريات واسعة، في حين أصر 28% على انتمائهم لهونج كونج واعتبار أنفسهم "هونج كونجيين". وبالتأكيد، لن تقف الصين صامتة أمام أي محاولات مستقبلية لنشر الفوضى في هونج كونج أو في أي مكان آخر من أراضيها، فالمعروف تاريخيا عن بكين أنها لا تعتني كثيرا بمصطلح "حقوق الإنسان" بمفهومه الغربي، وتضرب بعرض الحائط كل الإملاءات الغربية بالديمقراطية، فالسلطات الصينية تتعامل بأقصى درجات القسوة تجاه أي معارضة سياسية تهدد كيان الدولة، وتفضل إصلاح نفسها بنفسها، وهو ما ظهر جليا في مذبحة ميدان السلام السماوي "تيانانمين" عام 1989 عندما فتحت قوات الجيش الصيني النار على آلاف المحتجين المطالبين بالديمقراطية والإصلاح ودهستهم بالدبابات، مما أسفر عن مقتل المئات. كما أن بكين لن تسمح أيضا بأن تفقد سيطرتها على هونج كونج ثاني أكبر شريك اقتصادي لها بعد الولاياتالمتحدة وأكبر مصدر للاستثمار الأجنبي المباشر. ولذلك فمن المتوقع أن أي اضطرابات محتملة قد تهدد كيان الدولة الصيني ستقابله بكين بكل حزم، وربما بكل عنف، ولها كل الحق في ذلك.