كنا في مطعم للأسماك يسمي سكويا وهو من أشهر وأفخم المطاعم بالعاصمة الأمريكيةواشنطن نتناول طعام الغذاء علي شرف وزير المالية السابق د. مدحت حسانين بدعوة من د. عاطف حسان الوزير المفوض التجاري, المصري آنذاك هناك وبرفقة أركان المكتب الاقتصادي وبعض المدعوين ومنهم د. ابراهيم عويس استاذ الاقتصاد في جامعة جورج واشنطن وهو من الرجال المصريين المرموقين في العاصمة الأمريكية, كان وزير المالية السابق قد تقلد منصبه منذ بضعة أشهر وكانت بيننا علاقة ود عميقة قبل الوزارة وخلالها وبعدها بالطبع, وبطبيعة الحال دار الحديث عن الأمور الاقتصادية المصرية عامة ولكني فتحت ملف تطوير الضرائب في مصر, سواء من ناحية القانون أو من ناحية جهاز الضرائب أو مصلحة الضرائب أو الإدارة الضريبية سمها كما شئت وراح د. مدحت حسانين يشرح في استفاضة تصوره لهذا التطوير أو الإصلاح.. استغرقنا الحديث بينما أطباق الأكل أمامنا ولم يمد أحد يده إليها تأدبا في انتظار أن يبدأ الضيف الطعام ويتبعه الآخرون.. ومن جانبه يشير لي د. عاطف حسان أن أوقف حديث الوزير حتي يبدأ الطعام.. ولكن الحديث كان أشهي من أن يترك أو يتوقف.. و ظل طبق السلطة قابعا أمام وزير المالية السابق حتي أنهي حديثه, ولكن حلقة الإصلاح الضريبي كانت قد وضعت بذرتها. وتبدلت الأحوال وجاء وزير جديد ليتولي حقيبة المالية ويجري ما يسمي بالاصلاح الضريبي بإصدار قانون الضرائب الذي تضمن الكثير من الاصلاح الجذري وهو علي حد قول يوسف بطرس غالي وزير المالية عندما استضفته في برنامج المنتدي الاقتصادي بالقناة الأولي للتليفزيون المصري: انتهي عهد خان الخليلي في الضرائب وهو هنا يقصد كل المفاوضات أو المفاصلة والفصال بين مأمور الضرائب وبين الممول حول المستندات والبيانات وقيمة الضرائب المستحقة وأن القانون يتمتع بالشفافية والنزاهة والبساطة وإصلاح الإدارة الضريبية أو جهاز الضرائب من العيوب التي كانت تسئ إليها ويشتهر بها علي مدي عقود. مرت سنوات علي قانون الإصلاح الضريبي ولكننا اليوم مع التحولات الجديدة في المجتمع أعتقد أننا نحتاج إلي المرحلة الثانية في الإصلاح الضريبي لمواجهة أمرين أولهما الفوارق الطبقية الكبيرة التي حدثت نتيجة تمكن مجموعة من الحصول علي أرباح ضخمة سواء أرباحا صناعية وخدمات أو أرباح تصرفات رأسمالية ببيع أراض أو فيلات أو شقق و هو ما يستدعي إعادة النظر في شريحة الضريبة الموحدة بإصدار شريحة أخري إلي جانبها ولتكن25% يخضع لها من يحققون أرباحا تزيد مثلا علي خمسة أو عشرة ملايين جنيه في السنة أو أكثر, وأيضا فرض ضريبة علي بيع الأراضي والفلل والوحدات السكنية التي حققت ملايين من الأرباح للبعض دون أن تضيف شيئا للناتج القومي, وهي هنا تختلف عن رسوم التسجيل وأيضا عن الضريبة العقارية. أما الأمر الثاني فهو يتعلق بإصلاح الجهاز الضريبي وإن كان بالفعل قد تم تحديثه وقد تغير كثيرا ولكن لا يزال يجر الاستثمار إلي الوراء ويعد إحدي عقبات الاستثمار في مصر. وهنا نضع أمامنا تقريرا مهما لم يصدر عنا, ولكنه رؤية دولية في تقرير صادر عن البنك الدولي حين يتناول ما يسمي علاقة الضرائب بتحسين البيئة الجاذبة للاستثمار من خلال مؤشر دفع الضرائب فهل يساعد علي جذب الاستثمارات أم لا؟ وذلك من خلال عدة جوانب منها عدد مرات التردد علي سلطات الضرائب لسداد الضرائب المستحقة, وكذلك الوقت المستغرق للتعامل مع السلطات الضريبية لسداد الضريبة وأيضا نسبة الضرائب إلي الأرباح. تعالوا نري ماذا تقول بيانات تقرير البنك الدولي عن ضرائب مصر عام2009!! أولا: من حيث سهولة دفع الضرائب جاءت قطر رقم2 أما مصر فجاء ترتيبها العالمي الدولة رقم142 وبعدها الجزائر الدولة رقم168 علي مستوي العالم يليها موريتانيا الدولة رقم176. لقد احتلت5 دول عربية ضمن أفضل10 دول عالميا في سهولة دفع الضرائب هي قطر الإمارات السعودية سلطنة عمان الكويت. ثانيا: ماذا عن عدد الساعات التي يستغرقها التعامل مع السلطات الضريبية؟ جاءت مصر في المركز171 عالميا حيث يستغرق الوقت اللازم للتعامل مع السلطات الضريبية711 ساعة في السنة أي88 يوم عمل باعتبار يوم العمل8 ساعات عمل أي أكثر من ثلاثة أشهر عمل( الشهر26 يوم عمل). ثالثا: كم مرة يحدث التردد علي السلطات الضريبية لسداد الضرائب؟ البنك الدولي يذكر أيضا في تقريره أنها تبلغ29 مرة في السنة في مصر. بينما في سوريا20 مرة وفي الأردن26 مرة وفي اليمن44 مرة بينما في قطر من أول مرة. وبذلك تحتل مصر المرتبة91 عالميا من حيث عدد المرات التي تتم فيها التردد علي مصلحة الضرائب لسداد الضريبة. رابعا: هل مازالت الضرائب تمثل بعبع لنشاط الاستثمار؟ بعبارة أخري ما هي نسبة الضرائب الإجمالية إلي الربح التجاري؟ جاء ترتيب مصر الدولة رقم109 عالميا حيث يبلغ اجمالي معدل الضريبة46,1% من الربح وهو معدل أعلي من المعدلات التي تحققت في دول أخري عربية عديدة فمثلا البحرين تحتل المركز السابع عالميا وفلسطين المركز التاسع والعراق المركز19 والاردن المركز33 والسودان المركز36 بينما مصر( نكرر) المركز109 عالميا. علي أي حال لا ينفي كل هذا حجم الجهد الذي بذل في الاصلاح الضريبي خلال السنوات الماضية وإن كان جهاز الضرائب علي هذا النحو الذي كشفه تقرير البنك الدولي يحتاج إلي مزيد من الإصلاح حتي لا يكون كحكة في شهادة وزير المالية االذي اجتاز بنجاح كافة الإصلاحات التي أجراها حتي الآن.. وبالطبع فإن الكحكة لمن لا يعرفها هي الدائرة الحمراء التي تضعها المدرسة في شهادة الطالب حول نتيجة العلم الذي أخفق فيه ولم يحالفه النجاح. ومازلنا ننتظر الإصلاح الضريبي الذي يحقق العدالة الاجتماعية. [email protected] المزيد من مقالات عصام رفعت