ما مصداقية الإعلان الخليجى عن إنشاء قيادة عسكرية موحدة، وإنتربول خليجي، وقوة بحرية خليجية مشتركة، وما مدى القدرة على تحقيق ذلك؟ فلقد تضمن البيان الختامى لقمة دول مجلس التعاون الخليجى ال 35 فى الدوحة فى ديسمبر الحالى، مصادقة قادة المجلس على قرارات وتوصيات وزراء الداخلية بشأن إنشاء جهاز شرطة خليجى مقره أبوظبي، والموافقة على تسريع آليات تشكيل القيادة العسكرية الموحدة (التى سيكون مقرها فى المملكة العربية السعودية)، وإنشاء ما يسمى «قوة الواجب البحرى 81» (التى سيكون مقرها فى البحرين).
المشروع الدفاعى الخليجى إذا أخذنا بالسوابق الخاصة بمقررات وبيانات مجلس التعاون الخليجى فى الشئون العسكرية والدفاعية، فهناك شك كبير فى إمكانية تفعيل المقترحات الصادرة عن قمة الدوحة، فمشروعات ومقترحات التعاون العسكرى بين دول المجلس تجد جذورها منذ قمم المجلس الأولى فى الثمانينيات من القرن العشرين، وفى أغلب هذه القمم كانت هناك بنود تؤكد ضرورات التنسيق فى الشئون الأمنية والعسكرية والدفاعية. ولكن ظلت منجزات المجلس عبر تاريخه فى هذا الشأن ضئيلة، ولا يمكن أن تقدم إشارة على قدرة دول المجلس على إنجاز تعاون دفاعى وعسكرى مستقبلى فعال. وتبدو الإشكالية الأساسية فى الواقع الخليجى فى أن دول المجلس لم تتح لها الفرصة لتطوير قوتها الدفاعية الخاصة، على الرغم من أن هذه القوة كانت هدفا أساسيا للمجلس من نشأته، وذلك بسبب الحروب الكبرى المتتالية التى شهدها إقليم الخليج والتى لم توفر لدوله القدرة على مجاراتها عبر عملية تطوير ذاتى جماعى للقدرات. ويثير الانتباه نص البيان الختامى للمجلس فى دورته الأولى فى أبوظبى فى مايو 1981، الذى أورد أن أصحاب الجلالة والسمو «جددوا تأكيدهم بأن أمن المنطقة واستقرارها إنما هو مسئولية شعوبها ودولها، وأن هذا المجلس إنما يعبر عن إرادة هذه الدول وحقها فى الدفاع عن أمنها وصيانة استقلالها، كما أكدوا رفضهم المطلق لأى تدخل أجنبى فى المنطقة مهما كان مصدره، وطالبوا بضرورة إبعاد المنطقة بأكملها عن الصراعات الدولية وخاصة وجود الأساطيل العسكرية والقواعد الأجنبية»، وهو الأمر نفسه الذى جرى التأكيد عليه فى قمة الرياض فى نوفمبر من العام نفسه (1981)، والتى أضافت إلى النص السابق تأكيدات أخرى تقوّيه وتصلّبه فى موقفه الراديكالى من رفض الوجود الأجنبي. علاوة على ذلك أورد بيان القمة أول حديث عن تعاون عسكرى بين دول المجلس، مشيرا إلى أن المجلس استعرض «موضوع التعاون العسكرى بين دوله وقرر دعوة وزراء الدفاع للاجتماع من أجل تحديد الأولويات التى تحتاجها دول مجلس التعاون من أجل تأمين استقلالها وسيادتها». ومن يقرأ البيانين السابقين لا يمكن أن يصدق أنهما صادران عن دول مجلس التعاون، التى يستضيف بعضها الآن القواعد العسكرية الأجنبية، حيث أن بيانى المجلس فى قمتى 1981 تعاملا مع موضوع القواعد الأجنبية والوجود الأجنبى بقدر من الراديكالية وتبنيا خطا تحرريا للخليج من هيمنة القوى العظمى. وهذان البيانان يسجلان بأمانة حقيقة الأوضاع فى منطقة الخليج فى مطلع الثمانينيات والفكر السياسى للقادة وقتها، ويبرئان دول المجلس من تهمة أنها المتسببة فى استقدام القوات الأجنبية أو فى تدويل أمن الخليج. وسجلت بيانات القمم التالية للمجلس وجود الرغبة لدى دوله منذ البداية فى بناء قوة دفاع ذاتية مشتركة، وعلى سبيل المثال، أكدت القمة الثالثة فى المنامة فى نوفمبر 1982 أن المجلس أقر توصيات وزراء الدفاع «الهادفة إلى بناء القوة الذاتية للدول الأعضاء والتنسيق بينها بما يحقق اعتماد دول المنطقة على نفسها فى حماية أمنها والحفاظ على استقرارها»، وأورد البيان الختامى للدورة الرابعة فى الدوحة 1983 أن المجلس نظر بارتياح إلى تمارين درع الجزيرة التى تمت فى دولة الإمارات العربية المتحدة، وما حققته من مغزى، يعكس تصميم أبناء المنطقة على الذود عنها وتأكيد استقلالها»، وفى القمة الخامسة بالكويت عام 1984 «أكد على أهمية ترجمة مبدأ الاعتماد على الذات إلى حقيقة ملموسة، تؤمن تحمل أبناء دول المجلس مسئولية الدفاع عنه». وفى القمة السادسة بسلطنة عمان فى نوفمبر 1985 «أقر المجلس أهداف الإستراتيجية الأمنية، ووافق على التصور الاستراتيجى للتعاون الدفاعي». وأكدت القمة السابعة فى أبوظبى فى نوفمبر 1986 على أهمية دعم القدرات الدفاعية وقوات درع الجزيرة. وجاءت نصوص قمة الرياض الثامنة فى ديسمبر 1987 والبحرين التاسعة فى ديسمبر 1988 وسلطنة عمان العاشرة فى ديسمبر 1989 بروتوكولية فيما يتعلق بالتعاون العسكرى بالتأكيد على إقرار المجلس لتوصيات وزراء الدفاع فى بناء القوة الذاتية وفق التصور المشترك على أساس وثيقة السياسة الدفاعية. إنجازات بروتوكولية وروتينية على الرغم من حرص دول المجلس بشكل عام على استمرار النص على التقدم فى التعاون البينى فى المجال العسكرى والأمني، فلم يعكس ذلك الكثير بشأن تقدمها الحقيقى على صعيد قدرتها على الدفاع عن ذاتها إزاء العدوان. فبينما أكدت قمة الدوحة عام 1990 على أن «أى اعتداء على أى دولة عضو، هو اعتداء على جميع الدول الأعضاء، وأن أمن دول المجلس كل لا يتجزأ»، فلم يكن ذلك غير بيان تضامنى لفظي، حيث لم تستطع قوات المجلس جماعة أو منفردة التصدى للغزو العراقي، واستمر المجلس فى النص على إقرار توصيات وزراء الدفاع فى تعزيز القدرات الدفاعية الذاتية للدول الأعضاء. وفى بيان المجلس بالكويت ديسمبر 1991 أكد على «مواصلة التنسيق والتعاون فى المجال العسكرى والأمنى والارتقاء بالقدرات الدفاعية فى إطار تصور استراتيجى موحد يفى بمتطلبات الأمن». وفى قمة أبوظبى فى ديسمبر 1992 أقر توصيات وزراء الدفاع وتوصيات المجلس الوزارى التى تصب فى الدفاع الجماعي. وأكدت قمة الرياض فى ديسمبر 1993 على تطوير قوة درع الجزيرة، وقرر المجلس تشكيل لجنة عليا لمتابعة تنفيذ قرارات الدفاع الجماعى والتعاون العسكري. وفى قمة مسقط فى الدورة 16 فى عام 1995 وافق المجلس على التوصيات التى تهدف إلى رفع كفاءة القدرة الدفاعية الجماعية لدوله، والمضى قدما فى تطوير قوة ردع فعالة. وتحدث البيان ال 17 فى قمة الدوحة عن «رفع كفاءة القدرة الدفاعية الجماعية وصولا إلى تحقيق التكامل الدفاعى بينها». وفى القمة ال 18 وافق المجلس على «الخطوات العملية لربط دول المجلس بشبكة اتصالات مؤمنة للأغراض العسكرية والتغطية الرادارية والإنذار المبكر، والتمارين العسكرية». وفى قمة المنامة 2000 أقر المجلس اتفاقية الدفاع المشترك. وفى قمة مسقط 2001 أقر تشكيل مجلس الدفاع المشترك. وفى القمة 23 بالدوحة 2002 جرى إقرار النظام الداخلى لمجلس الدفاع المشترك. وفى القمة الثلاثين بالكويت 2009 أقرّ الاستراتيجية الدفاعية، وتطوير قدرات قوات درع الجزيرة المشتركة، والمشاريع العسكرية المشتركة. وفى القمة ال 31 بأبوظبى 2010 اطلع المجلس على سير العمل فى تطوير المشاريع العسكرية المتعلقة بالاتصالات المؤمنة وحزام التعاون. وفى القمة ال 33 بالبحرين 2012 وبارك إنشاء قيادة عسكرية موحدة تقوم بالتنسيق والتخطيط والقيادة للقوات البرية والبحرية والجوية المخصصة والإضافية. وفى الأغلب كانت القمم الخليجية فى شئون الدفاع والعسكرية تكرر الحديث عن ذات المشاريع، أو تعيد طرحها بعد فترة وكأنها مشروعات جديدة، وجاء العديد منها روتينيا اعتياديا، لم يشر إلى مراحل التنفيذ والتطبيق، وكان لافتا أن تشير القمم الخليجية فى التسعينيات إلى مشروعات كانت قد تضمنتها بيانات المجلس قبل عشر سنوات، وعلى سبيل المثال ففى قمة المنامةبالبحرين فى 1994 تضمن بيان المجلس النص على أنه «قرر تطوير قوة درع الجزيرة لتصبح قادرة على التحرك الفعال السريع»، وهو ما يعنى أنه بعد نحو عشر سنوات من إقرارها تعترف دول المجلس بأن قوات الدرع غير قادرة على التحرك الفعال السريع. وعلى الرغم من أن أول حديث عن الاتفاقية الأمنية الشاملة الخليجية جاء فى القمة الثالثة بالبحرين عام 1982، فقد كانت هى ذاتها التى تحدثت عنها قمة البحرين الثالثة والثلاثين فى عام 2012 والتى أقر فيها المجلس الاتفاقية بصيغتها المعدلة، وهو ما يشير إلى الفترة الزمنية الطويلة التى تمتد لثلاثة عقود لأجل إقرار اتفاقية فى مجال الأمن، وهو أخص اهتمامات دول مجلس التعاون الخليجي. وباختصار كانت أغلب جوانب التقدم التى عرفتها دول المجلس فى المجال العسكرى والدفاعى روتينية وبروتوكولية. ويتنامى إلى عقل القارئ لمقررات القمم الخليجية فى هذا الشأن وكأنها تسعى بالأساس إلى الإيهام بإحراز تقدم ما حتى ولو كان شكليا، وهو ما عكس ربما إحباط دول المجلس وعدم ثقتها فى قدرتها على تطوير قوة دفاع مستقلة وذاتية. ظرف استثنائي تضع الظروف الراهنة دول مجلس التعاون الخليجى إزاء مرحلة حاسمة واختبار تاريخي، حيث تجد أمامها تحديات وفرصا تجعلها إزاء ظرف غير مسبوق، فهل تظل استجابات دول المجلس تقليدية، أم ترتقى إلى مستوى التحديات؟ وإزاء المقترحات الثلاثة الجديدة (إنشاء قيادة عسكرية موحدة، وقوة بحرية موحدة وإنتربول خليجي) يتوقع أن تواجه دول المجلس عددا من التحديات: فيما يتعلق بالقيادة العسكرية الموحدة فى ظل الاعتماد على الأمن الخارجي، والروابط الدفاعية الخارجية، يثور السؤال حول الاستراتيجيات الدفاعية والعقيدة الدفاعية المشتركة، ومدى التواصل بين مقر القيادة المشتركة بقيادات الجيوش على أراضى الدول الأعضاء. وبخصوص القوة البحرية، يثور الحديث عن حجم القوة الكافية لردع تهديدات كبرى فى الخليج وخصوصا التهديد الإيراني، وأيضا دورها وعلاقتها بالأسطول الخامس الأمريكى المقيم فى البحرين . وفيما يتعلق بالانتربول الخليجى فإنه لم يكن متوقعا أن يكون له مكان آخر أنسب من أبوظبي، باعتبار أن الإمارات هى الدولة التى وضعت أشمل قائمة للجماعات الإرهابية فى العالم، ومن ثم من المرجح أن تكون هى مخزن وبنك المعلومات والأسرار الأمنية الخليجية، ولكن يثور السؤال حول مدى الشفافية فى نقل وتبادل المعلومات بين أجهزة أمنية واستخباراتية تتبنى عقائد ومواقف مختلفة من جماعات الإسلام السياسي، وهنا من المرجح أن يثور الخلاف الخليجى مع قطر بشأن هذه الجماعات؟ معضلة التنفيذ وبشكل عام، فقد وفّقت الدول الخليجية فى اختيار مقر كل جهاز ومؤسسة عسكرية أو أمنية من المؤسسات الثلاثة الجديدة، ويبقى دائما الإنجاز والتنفيذ هو الأساس فى أى جهد عسكرى وأمنى جديد بين دول الخليج. وتشير قمة الدوحة ديسمبر 2014 إلى أنها عقدت فى جو تصالحى عاطفي، وأنها أيضا عقدت فى ظل فرصة تاريخية للمصالحة الخليجية بعد أن اكتوى الجميع بنار القطيعة، فهل توفر تلك الظروف أوضاعا مناسبة لتحقيق توافق تاريخى بين دول المجلس، أم تبقى مقرراتها الجديدة فى الشؤون العسكرية والدفاعية والأمنية اعتيادية وروتينية وبروتوكولية؟