لابد من الاعتراف بأن الفكر الأصولى المتشدد نما وترعرع منذ منتصف حقبة السبعينيات تحت رعاية ومباركة وصمت الدولة الوطنية فى معظم أرجاء العالم العربى بوجه عام وفى مصر بوجه خاص وإن تعددت أسباب ودوافع هذا التعامى وهذا التغافل وهذ الاحتضان من قطر عربى لآخر!. ولابد من الإقرار أيضا بأن الالتفات والانتباه إلى خطر هذا الفكر الأصولى المتشدد لم يتحقق إلا عندما تعاظمت درجة الاتجاه نحو العنف والإرهاب ولم تعد قنابل المتطرفين تقتصر على مهاجمة محال الذهب والمجوهرات أو إحراق الكنائس ومحال بيع الخمور والمنشآت السياحية وإنما بدأت تطال رموزا وشخصيات عامة بدأت باغتيال الشيخ الذهبى فى مصر عام 1977 وبلغت ذروتها باغتيال الرئيس السادات عام 1981 وهو يشهد احتفالات نصر أكتوبر. وحتى عندما جربت الدولة المصرية سياسة الكر والفر وسياسة المواجهة والمهادنة فإن الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضى شهدت محاولات محدودة - وعلى استحياء - باسم الرغبة فى تفعيل الحوار وتبادل وجهات النظر بين الدولة الرسمية والفصائل التكفيرية القابعة فى السجون، ولم تثمر كل هذه المحاولات سوى عملية خداع متبادلة باسم «المراجعات» التى اتضح أنها كانت مراجعات شكلية بهدف التقاط الأنفاس فقط، لأنها لم تتضمن جدية فى الذهاب إلى تداخل وتوافق حقيقى فى الرؤى وبما يوفر البيئة الضرورية لهزيمة العنف بالفكر استكمالا للمسيرة التى وفرت أرضية الحوار بعد نجاح الدولة فى ضرب هذه البؤر بقوة الحديد والنار!. والاعتراف بالخطأ هو بداية الطريق إلى تصحيح المسار حتى لا تتكرر أخطاء الماضى وتنخدع الدولة الوطنية فى الدعوات المريبة التى يتنادى عليها البعض هذه الأيام بالدعوة إلى الهدنة فى الملاحقة الأمنية وفتح الأبواب للتوبة لأن ذلك يمثل فخا جديدا لا ينبغى الوقوع فيه.. فالهدنة والتوبة يجب أن تظل مشروطة بمؤشرات دالة على هزيمة هذه التيارات فكريا بالتوازى مع إجهاضها أمنيا.. وما عدا ذلك قد يعيدنا من جديد إلى المربع «صفر». خير الكلام: القفز على الأشواك لا يضمن سلامة الأقدام !. [email protected] لمزيد من مقالات مرسى عطا الله