فى ظل ما تشهده الساحة السياسية وما يعانيه المجتمع من خلافات فى الرأى حول كثير من القضايا، تناسى الجميع منهج الإسلام فى أدب الخلاف والنصيحةوسادت موجة من الشقاق وتبادل الاتهامات والتنابز بالألقاب فى الفضائيات والندوات والمنتديات وصفحات التواصل الاجتماعى والتى تصل فى بعض الأحيان السب والقذف والخوض فى الأعراض وإلقاء التهم دون دليل أو بينة. وإذا كانت النصيحة هى إحدى وسائل الدعوة الى الله والتى تجلت فى قوله تعالي: “ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ“، يؤكد علماء الدين ان النصيحة لها ضوابط وشروط، لابد من اتباعها، منها توافر صفات فى الناصح تتمثل فى الرفق واللين والصدق والأمانة والإخلاص فى القول والعمل، وأوضحوا ان التدرج فى النصيحة واختيار الوقت المناسب وتجنب القول على الملأ وعدم الإلحاح، أفضل طرق الموعظة والنصيحة. ويقول الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، إن التناصح مبدأ إسلامى حث عليه القرآن الكريم، وبينه النبى صلى الله عليه وسلم حيث قال «الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم»، موضحا ان الرسول الكريم جعل الدين هو النصيحة. وأشار إلى ان معنى التناصح مع عامة الناس، أن تحب لهم ما تحب لنفسك، فترشدهم إلى ما يكون لمصلحتهم فى معاشهم ومعادهم، وتهديهم إلى الحق إذا حادوا عنه، وتذكرهم به إذا نسوه، متمسكا بالحلم معهم والرفق بهم، وبذلك تتحقق وحدة المسلمين، فيصبحوا كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمي. القول الحسن وأوضح أن للنصيحة آدابا وقواعد وشروطا فى الإسلام، منها الرفق واللين، وقد دخل رجل على عبد الملك ابن مروان، فقال له: عندى لك نصيحة أشد من ضرب السياط، فقال : وأين القول الحسن؟، فأنت لست عند الله أعز من موسى وهارون، وأنا لست عند الله أسوأ من فرعون، فإنَ الله قال لهما” اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَي”. وأشار إلى ان الله سبحانه أمرنا بالقول الحسن فقال تعالى ”وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا”، موضحا انه لا يجوز تقديم النصيحة على الملأ إذا كان فى أمر خاص، قال صلى الله عليه وسلم”من نصح أخاه سرا فقد وعظه وزانه ومن نصحه علانية فقد فضحه وشانه”. النصيحة على الملأ فضيحة ويؤكد الدكتور عبد الغفار هلال الأستاذ بجامعة الأزهر، ان النصيحة تعتبر شهادة لا يجوز لأحد يملك مقوماتها وشروطها. وأشار إلى أن من آداب النصيحة، اختيار الوقت المناسب و عدم الإلحاح فى النصيحة، لأن الإنسان متقلب بطبيعته، فربما تختار وقتا للنصيحة لا يكون ملائما لأخيك، فيعاند ويكابر، و تأتى النصيحة بنتيجة عكسية، وقد روى احد الصحابة” أن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ فِى الْأَيَّامِ، مَخَافَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا”، فمثلا: أن تدخل على أخيك المسلم فتجده فى خلاف مع زوجته أو أبنائه أو جيرانه أو أى إنسان، وقد سيطر عليه الغضب، هنا لا تنصحه فى الأمر الذى عليه الخلاف، لأنه لن يسمع بل اجعل نصيحتك فى كيف يذهب عنه الغضب، فإذا ذهب عنه الغضب فانصحه بما شئت، ولا تلح على إنسان فى أمر، لكن انصحه على فترات متباعدة وذكره لعله يذكر. وسائل متعددة وفى سياق متصل، يؤكد الدكتور نبيل السمالوطى أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر، ان النصيحة فى الإسلام هى نوع من التكافل الاجتماعى المعنوي، وأيضا هى صورة من صور الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، موضحا انه إذا أردت أن يمتثل الناس لنصيحتك، عليك أن تفعل ما تنصح به الناس، وهذا من أهم آداب النصيحة، وإلا كنت من أهل قوله تعالى “ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ“.ِ وشدد على ضرورة التدرج فى النصيحة وخاصة إذا كنت تنهى عن منكر وهذا الأدب هو من أهم فنون وآداب النصيحة، وهو مراعاة ضعف النفس البشرية خاصة إذا تعلقت بشيء وتعودت عليه فترة كبيرة من الزمن، وقد تعلمنا التدرج فى ذلك من القرآن، فلم تنزل آية تحريم الخمر دفعة واحدة، لأن ذلك سيستحيل على أهل مكة ترك الخمر لكنها تدرجت فى النهى إلى أن وصلت إلى التحريم والقرآن الكريم ذكر ذلك فى مراحل.