فى مفارقة تدعو للتأمل يحرر حزب الله أسراه بالمقايضة مع الجيش السورى الحر ويرفض نفس المبدأ بالنسبة للعسكريين المخطوفين من الجيش على أيدى داعش والنصرة فى معركة طرابلس مطلع اغسطس الماضي،التى خطفت فيها داعش والنصرة 23 عسكريا لبنانيا وتم ذبح ثلاثة منهم بعد اسبوع من الخطف. وبالرغم من أن حزب الله أحرج الحكومة اللبنانية وبقية التيارات السياسية اللبنانية بتحريرأحد أسراه بالتفاوض الذى عجزت عنه الحكومة لتحرر أسراها من داعش والنصرة، فإن الحزب وفريقه السياسى 8 آذار كانوا ضد مبدأالتفاوض الذى انتهجته حكومة رئيس الوزراء اللبنانى تمام سلام عبر وسيط قطري، حيث طالبت النصرة وداعش بالإفراج عن 20 سجينا اسلاميا متشددا من السجون اللبنانية مقابل كل جندى مخطوف، حيث يرفض حزب الله وفريق 8 آذار مبدأ المقايضة الذى اتبعه حزب الله فى تحرير أسيره، فلماذا يرفض حزب الله ما أحله لنفسه، ويضع الحكومة اللبنانية فى حرج بالغ مع أهالى العسكريين الذين ناشدوا حزب الله التدخل بعيدا عن الدولة لتحرير أبنائهم من قبضة الموت ذبحا. “نحن قومٌ لا نترك أسرانا فى السجون”، هكذا يقول حزب الله، قاصدا أسراه ممن ينتمون إليه سواء كانوا لدى إسرائيل سمير القنطار نموذجا والذين بسببهم خطف حزب الله جنديين إسرائيليين فى يوليو 2006 لتشن إسرائيل حربا شاملة على لبنان عرفت بحرب تموز، وخسر فيها لبنان بنيته التحتية و1200 قتيل. وهى معادلة عادت إلى الواجهة اليوم مع إعلان الحزب إطلاق الأسير عماد عيّاد، الذى خطفه الجيش السورى الحر قبل أسابيع. والسؤال الذى يطرحه خصوم حزب الله فى الحكومة اللبنانية: لماذا لم تشمل عملية التبادل مخطوفى الجيش اللبناني، والذين يعانى أهاليهم الأمرّين منذ اختطافهم بعيد أحداث عرسال مطلع أغسطس الماضي؟ ويؤكد المتابعون أنّ الربط بين المسألتين غير واقعي، لأنّ مفاوضات حزب الله كانت مع الجيش السورى الحر الذى يحتجز حزب الله أسرى من عناصره، وليس مع داعش والنصرة اللتين خطفتا جنود الجيش اللبناني، كما أن مفاوضات مخطوفى الجيش تتولاها الدولة اللبنانية بشكل رسمى وعلنى مع تغطية إعلامية قد تكون سببا فى تعقيد صفقة التفاوض. أما المؤيدون لما فعله حزب الله بتحرير أسيره مقابل أسيرين للجيش الحر كانا لديه فيؤكدون أنّ الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله يؤكد أنّ الحزب يؤيد التفاوض بالمطلق، وهو الذى لطالما اعتمده، كما أنّ حزب الله بتحريره أسيره، يمكن أن يكون قد ساعد الدولة اللبنانية على تجاوز نصف الشوط فى مفاوضاتها مع النصرة وداعش، وبما من شأنه وقف ابتزاز هذه الجماعات للمفاوض اللبناني. وبالرغم من أن المطالب الأولية التى بعث بها الخاطفون لحزب الله كانت تحاكى بعض مطالب خاطفى العسكريين،حيث طالبوا حزب الله بدفع مبلغ مالى إضافة الى إخلاء إحدى القرى القريبة من جرود القلمون والتعهد بعدم مهاجمتها من قبل الحزب أو الجيش السوري، وتأمين طرق لوصول المساعدات الغذائية اليها، لتفادى الأزمات التى تنتج عادة بفعل فصل الشتاء. ولكن لماذا حرر حزب الله أسيره بسرعة فيما تتعثر مفاوضات الحكومة مع النصرة وداعش للإفراج عن العسكريين المخطوفين؟ البعض يقول إن عائلة عياد الذى حرره حزب الله لم تنم فى الخيام على أرصفة الشوارع وسط موجات الصقيع من أجل الإفراج عن ابنها، ولم تقطع الطرق بالإطارات المشتعلة، مثلما يفعل أهالى العسكريين وهو الأمر الذى يقوى موقف الخاطفين ويمثل ضغطا على الحكومة وضعفا فى موقفها فى التفاوض بالإضافة إلى عدم إجماع الحكومة والتيارات السياسية اللبنانية على مبدأ المقايضة كما فعل حزب الله ، كما أن حزب الله حافظ على الكتمان طوال فترة الأسر وعلى سرية المفاوضات التى يجريها، بالرغم من إحساس جهات عدة بأن الأخير يفاوض وأنها ليست المرة الأولى التى يتواصل معهم بل سبق وبادل بموقوفين لديه مقابل الحصول على جثث عناصره، ولم يكن يكشف عنها. أهالى العسكريين المخطوفين من الجيش تلقوا خبر تحرير أسير حزب الله كالصاعقة بألم وحسرة، لدرجة أن نظام مغيط شقيق الجندى المخطوف لدى داعش إبراهيم مغيط قال: تلقينا الخبر بأسف ولوعة وحسرة وغضب على هذه الدولة المقصرة وعلى الوزراء والحكومة المشلولة، وطالما ليست هناك عرقلة فى ملف المفاوضات كما يقول رئيس الحكومة، فلماذا أخرج حزب الله أسيره خلال أسابيع ونحن منذ أربعة أشهر فى الشوارع. أما الفريق المؤيد للتفاوض والمقايضة مع الخاطفين فيرى أن حزب الله يبيح لنفسه مايحرمه على الآخرين وكأن المخطوفين لايعنيه أمرهم فى شئ، ولو كانوا من بين عناصره لبادر بالتفاوض والضغط على الحكومة للإفراج عن الموقوفين الإسلاميين المتشددين الذين تطالب النصرة وداعش بالإفراج عنهم مقابل إطلاق سراح المخطوفين الذين ذبح منهم ثلاثة حتى الآن، ويهدد الخاطفون بذبح الآخرين تباعا إذا فشلت مساعى الوسيط القطرى بين الحكومة وداعش والنصرة،وهو مايؤكد ان حزب الله يلعب بمفرده مع داعش والنصرة كما ان موقفه الأخير بتحرير أسيره دون المخطوفين العسكريين يضعف موقف الحكومة اللبنانية فى تفاوضها مع الخاطفين، بالرغم من العداء المعلن بين حزب الله وداعش والنصرة نظرا لمشاركة حزب الله فى الحرب داخل سوريا لصالح بشار الأسد وهو ماتعتبره داعش والنصرة ضد السنة فى سوريا وبالتالى ضد التنظيمين اللذين أوقع الحزب بهما خسائر فادحة فى القلمون والقصير وبريتال وعسال الورد وكذلك القرى اللبنانية والسورية على الحدود بين سورياولبنان. وبالرغم من الفعل الذى يعتبره حزب الله وأنصاره انتصارا نوعيا بتحرير أسيره من الجيش السورى الحر فيما فشلت الحكومة اللبنانية فى تحرير مخطوفيها، وبالرغم من الحفاوة التى استقبل بها حزب الله أسيره وسط مناصريه فى الضاحية الجنوبية معقل الشيعة وحزب الله فى بيروت، وبالرغم من الحنق الذى يبديه معارضو حزب الله وأهالى المخطوفين العسكريين، فإن مافعله حزب الله قد يفتح الطريق لاستخدام نظريته فى الإفراح عن الأسرى، وقد يكون سببا فى تغيير موقف حزب الله وفريق 8 آذار خلال جولة المفاوضات القادمة بين الحكومة اللبنانية وداعش والنصرة للإفراج عن المخطوفين العسكريين وذلك بقبول الحكومة اللبنانية بمبدأ المقايضة الذى اتبعه حزب الله فى تحرير أسيره، وهذه المرة ستكون المقايضة بقبول معلن أو سرى من حزب الله حتى لايخسر من رصيده فى الداخل اللبناني، وحتى يكتسب عطفا جديدا من أهالى العسكريين الذين ينتظرون قدوم أبنائهم أو استلام جثثهم منذ أربعة أشهر وهم رهن الخطف لدى من يهددون بذبحهم بين عشية وضحاها،فهل تنجح معادلة حزب الله للإفراج عن العسكريين؟