على الرغم من المحاذير والمخاطر الكثيرة التى أحاطت الطريق الى مدينة الشيخ زويد التى تبعد نحو 30 كيلو مترا فقط من العريش، إلا أن حالة من الإصرار قادت بعثة «الأهرام» للتوجه الى هناك، ليس فقط للوقوف على الحالة الأمنية والحرب التى تخوضها القوات المسلحة لملاحقة العناصر الإجرامية والإرهابية التى تحولت الى قنابل تنفجر فى وجه الجميع، ولكن لمتابعة الحياة اليومية والحالة المعنوية لدى المواطنين. الطريق من العريش الى مدينة الشيخ زويد كان لا يستغرق فى الأوقات العادية قبل بدء المواجهات الشاملة للإرهاب بسيناء أكثر من نصف ساعة على أقصى تقدير، إلا أن الزمن الذى استغرقناه فى رحلتنا «الجديدة» الى المدينة الملتهبة استغرق أكثر من ثلاث ساعات، مررنا خلالها على العديد من الأكمنة ونقاط الارتكاز الأمنية على الطريق الدولي، وبمجرد الوصول الى الشيخ زويد انتابنا شعورا بأننا فى مدينة للأشباح أو فى «أرض الخوف»، ولكن سرعان ما اختفى هذا الشعور بعد أن علمنا أن الأهالى يلتزمون بأقصى درجات الحيطة وعدم الوجود بالقرب من مناطق العمليات العسكرية حتى يفسحوا المجال للقوات كنوع من المساهمة منهم فى تسهيل مهمتهم. «الداخل مفقود والخارج مولود».. بهذه العبارة نصحنا أحد أهالى العريش قبل توجهنا الى الشيخ زويد، وقال لنا إن هذا المنطق ينطبق على الغرباء فقط وليس أبناء المحافظة، وأن الغرباء، خاصة لو كانوا من الإعلاميين يمثلون صيدا سهلا وثمينا للجماعات المسلحة، ليس لقتلهم وتصفيتهم، وانما للقبض عليهم واحتجازهم كرهائن يستخدمونها كأوراق ضغط على الدولة للمقايضة باستبدالهم بمعتقلين أو محكوم عليهم من العناصر الاجرامية التى تنتمى اليهم اومن ذويهم، أو لطلب فدية كبيرة من المال. السؤال الأول الذى تبادر إلى أذهاننا بمجرد أن وطأت أقدامنا أرض الشيخ زويد كان حول سبب حالة الدمار الواسعة التى أصابت العشرات من واجهات البيوت والمحلات التجارية فى الشارع الرئيسى للمدينة فى محيط أكثر من 500 متر فى جميع الاتجاهات.. «هى آثار عبوات ناسفة فجرها الإرهابيون فدمرت جميع المحلات فى المنطقة» هكذا جاء الرد هادئا من «عم عبد الجليل» الذى بدأ العقد السابع من عمره ويعمل بائعا فى سوق المدينة، ويقول : «كل يوم نستيقظ على أصوات القنابل والمتفجرات، ونتمنى أن نرى اليوم الذى تعلن فيه القوات المسلحة القضاء نهائيا على هؤلاء الخوارج.. التكفيريون حولوا حياتنا الى جحيم لا يطاق، بمعاونة بعض الخونة وضعاف النفوس من أهالى المنطقة». السيد أبو سالم أحد زبائن «عم عبد الجليل» يجذب أطراف الحديث ليشرح حجم المأساة التى تسببت فيها أفعال المجرمين.. «الشارع ده كان أهم شارع تجارى فى المدينة، وأغلب بيوت البلد كانت مفتوحة من التجارة فى الشارع هنا، وزى ما انتم شايفين حجم الدمار والخراب اللى احنا عايشين فيه.. الإرهابى مابيفرقش بين مدنى وعسكرى أو رجل وسيدة أو طفل وشيخ.. والدمار اللى الشارع فيه أصله يرجع إلى استهداف قسم الشيخ زويد بالمتفجرات والنتيجة إن بيوت الناس الغلابة والمحلات هى اللى اتخربت». أحد الأهالى رفض ذكر اسمه - قال خلال تواجد «الأهرام» فى المدينة انه لا يتردد فى الإبلاغ عن أى حركة مريبة من أى شخص يشتبه فى ارتباطه بالجماعات التكفيرية.. «حتى لو هيموتونى هبلغ عنهم.. وأشرف لنا إننا نموت علشان بنساعد الجيش عن إننا نموت من الخوف». الرجل الذى رفض ذكر اسمه ورفض التصوير مثلما رفض الجميع أنهى كلامه فجأة ونصحنا بالإنصراف فورا من المنطقة وأعطانا ظهره لينصرف ويختفى فى لمح البصر، لتزداد حالة التوتر والقلق التى نشعر بها منذ اللحظة الأولى لدخولنا المدينة، ولم نتردد للحظة فى استقلال سيارتنا والانصراف فورا، تاركين خلفنا لوحة حزينة من الدمار رسمت بألوان القنابل والمتفجرات التى زرعتها أيادى الحقد والغل والتخلف والإفتراء على الدين.