كان «موشي ديان» وزير دفاع دولة الكيان الصهيوني يقول إن «العرب لا يقرأون» وكنا ولا نزال نقول «أمة اقرأ لا تقرأ» وليتها دامت لنا نعمة عدم القراءة، قبل أن نتحول إلى «أمة تحرق الكتب» ففي العراق أقام مثقفون (!!) طقسا احتفاليا، لإحراق كتب الشاعر العراقي «سعدي يوسف». يقول أحدهم: «طالبنا بالحضور الساعة التاسعة، قرب تمثال المتنبي، وكل واحد يحمل ديوانا ليحرقه احتجاجا على إساءات «سعدي يوسف» للعراق، وللجنوب بالتحديد، وهي فكرة أتمنى أن ترى التشجيع». الجملة الأخيرة تعني أن الدعوة لإحراق الكتب، ستكون طقسا ملازما لنا في المرحلة المقبلة، في العراق تبدأ الحرب على الكتب، فتنظيم «داعش» دمر المكتبات العراقية، سيرا على خطى المغول، الذين عبروا نهر دجلة على جسر من الكتب، وعلى خطى النازي في المانيا. الآن ينضم إلى أعداء المنجز الحضاري مثقفون (!!) جعلوا من «المتنبي» شاهدا على المأساة، وحين تتصور مشهد هؤلاء وهم يشعلون النار، ويتوافدون واحدا إثر الآخر، وبيد كل واحد منهم ديوانا لسعدي، تذكَّر أننا أحرقنا كتب «ابن رشد» وأن الكتب التي أكلتها نيران الجهل والتعصب، نقلت أوروبا من ظلام القرون الوسطى إلى عصر الأنوار. لم أعد أستمتع بما يكتبه «سعدي يوسف» في مرحلته، التي بدأت مع سقوط بغداد، وتصاعدت مع الثورات العربية، لم تعد نصوصه ترضي ذائقتي، لا فنيا ولا جماليا، لكن لزم التنويه إلى أن الإساءة التي رآها عراقيون، تستوجب حرق الكتب، تتلخص في أن «سعدي» كتب قصيدة بعنوان» مصر العروبة... عراق العجم» يوازي فيها بين مصر والعراق، فمصر: «كلما دخلتَ مصر أحسستَ بالعروبة دافقة، ليس في الأفكار، العروبة في المسلك اليومي، أنتَ في مصر عربي، هكذا أنت في مصر عربي، لأن مصر عربية». بينما في العراق: « ما معنى أن يتولى التحكم في البلد أكراد وفرس؟ ما معنى أن تنفى الغالبية العربية عن الفاعلية في أرضها التاريخية؟ ما معنى أن تُستقدم جيوش من أقاصي الأرض لتقتل عربا عراقيين؟ ما معنى أن تكون العربية ممنوعة في إمارة كردستان البارزانية بأربيل؟». أين سعدي يوسف في المهدي بن بركة وجدارية فائق حسن ومجاز وسبعة أبواب، أين الأخضر بن يوسف؟ من حقي ألا أرى فيما أقرأه الآن الشاعر الذي أعرفه، لكن ليس من حق أي كائن أن يحرق دواوينه، من حقي أن أصحح له ما جاء في قصيدته حين يقول: «رفعت سلام في دائرة الترجمة بالهيئة المصرية العامة للكتاب» فسلام رئيس تحرير سلسلة «آفاق الترجمة» في الهيئة العامة لقصور الثقافة، من حقه أن يبتهج لأن أحمد مجاهد يدير الهيئة المصرية العامة للكتاب، من حقه أن يبتهج لأن جابر عصفور وزير للثقافة، لكنني لن أبتهج أيها الشاعر الكبير، لأن «أهل مكة أدرى بشعابها».