تجليس أساقفة جدد في إيبارشيات وسط وجنوب مصر لدعم التنمية الروحية    كيف تحدد الإجازات الاستثنائية لأصحاب الأمراض المزمنة؟    التعليم تحبط محاولات اختراق إلكتروني لصفحتها الرسمية على «فيسبوك»    من 0.09% إلى 2.3%.. رحلة صعود الطاقة الشمسية في مصر    5 وزراء يجتمعون لمتابعة الموقف الحالي لمنظومة «الرقم القومي العقاري»    البولنديون يدلون بأصواتهم في انتخابات رئاسية حاسمة    اتحاد الكرة يطبيق معايير "مكافحة المنشطات" في المسابقات    ضبط المتهم بقتل وإصابة 3 أشقاء في نجع حمادي    سقوط أعمدة وعقارات.. الحكومة توضح خسائر عاصفة الإسكندرية    تنظم زيارة لوفد البنك الدولي للمنشآت والمشروعات الصحية في الإسكندرية    متحدث الصحة: رفع درجة الاستعداد القصوى في المستشفيات استعدادا لاستقبال عيد الأضحى    "مواجهة حاسمة".. ماسكيرانو يتحدث عن أهمية مباراة الأهلي في كأس العالم    بعد تداول امتحان دراسات الإعدادية بالقاهرة.. اسم اللجنة يفضح مصور البوكليت    62 عامًا من الوحدة    الصين تتهم وزير الدفاع الأمريكي بتجاهل دعوات السلام من دول المنطقة    حريق في غابات السفكون بريف االلاذقية    محافظ أسيوط يشهد الحفل الختامي لأنشطة مدارس المستقبل    قوات حرس الحدود توجه ضربة لمهربى المخدرات    بيراميدز يتحدى صن داونز لتحقيق حلم حصد لقب دوري أبطال إفريقيا    محمد شكرى يبدأ إجراءات استخراج تأشيرة أمريكا للسفر مع الأهلى للمشاركة في كأس العالم للأندية    التاريخ لن يقف أمام الصراعات.. بل سيذكر اسم البطل الكورة بتتكلم أهلى    حدث منذ قليل .. وزارة التعليم تتصدى لاختراق الصفحة الرسمية لها على فيس بوك    بدء تشغيل الأتوبيس الترددي على الطريق الدائري    متوسط التأخيرات المتوقعة لبعض القطارات على خطوط السكة الحديد    إنفوجراف| «الأرصاد» تعلن حالة الطقس غدًا الإثنين 2 يونيو 2025    إجراءات مشددة لتأمين ضيوف الرحمن تيسير الحج    "روز اليوسف" تحقق: مفاجأة.. بيوت ثقافة موصى بغلقها تم تجديدها فى 2024 ورطة الوزير فى ثقافة الجماهير!    مصر أولا.. الثقافة.. ملف أمن قومى وليست أزمة إدارة الاستثمار الثقافى وتجريف الوعى المصرى!    أبرزها جبل الطير وحارة زويلة الكنيسة القبطية تحتفل برحلة العائلة المقدسة فى مصر    مصطفى حجاج يغني مع إسلام كابونجا "على وضع الطيران"    شريف مدكور: «نفسي أقدم برنامج ديني بدون مقابل»    ريهام عبدالغفور: تكريم جديد يكلل مسيرتي بدور استثنائي عن «ظلم المصطبة»    دعاء اليوم الخامس من شهر ذي الحجة 1446 والأعمال المستحبة في العشر الأوائل    «الإفتاء»: الأضحية من أعظم القربات إلى الله ويجب أن تكون مستوفية للشروط    دون تخوين أو تكفير.. قضايا الميراث تريد حلا    أحلف بسماها .. رموز مصرية فى المحافل الدولية    غدًا.. وزير العمل يترأس وفد مصر الثلاثي المشارك في فعاليات الدورة ال 113 لمؤتمر العمل الدولي بجنيف    وزارة الصحة: التدخين يتسبب في وفاة أكثر من 8 ملايين شخص كل عام    2700 مستفيد من قافلة جامعة عين شمس التنموية الشاملة لمحافظة سوهاج    «مكافحة العدوى» تحتفل باليوم العالمي لغسيل الأيدي بمستشفيات «سوهاج»    رحلة العائلة المقدسة.. أكثر من ثلاثين دولة تخلدها على طوابع بريد    إصابة 13 شخصا إثر حادث انقلاب سيارة ربع نقل على طريق العلاقي بأسوان    روسيا: الجسر المنهار لحظة مرور قطار الركاب تعرض لتفجير    لهذا السبب.. خالد النبوي يتصدر تريند "جوجل"    هل يجوز الدعاء بشيء وأنا أعلم أنه شر لي؟.. الإفتاء تجيب    "استمر 3 ساعات".. السيطرة على حريق سوق السيراميك بالمرج- صور    ثالث المتأهلين.. باريس سان جيرمان يحجز مقعدًا في إنتركونتيننتال 2025    حماس: وافقنا على مقترح ويتكوف كأساس للتفاوض.. ورد إسرائيل لم يلبِ الحد الأدنى لمطالبنا    لحق بأبنائه.. استشهاد حمدى النجار والد الأطفال ال9 ضحايا قصف خان يونس    حسام باولو: عيب على مهاجمي الدوري تتويج إمام عاشور بلقب الهداف لهذا السبب    الإفتاء تحسم الجدل.. هل تسقط صلاة الجمعة إذا وافقت يوم العيد؟    موقف حرج يتطلب منك الحزم.. حظ برج الدلو اليوم 1 يونيو    بسبب قطعة أرض، مقتل وإصابة 4 أشخاص والقبض على 13 في مشاجرة بسوهاج    قرار وزاري.. الدكتور السيد تاج الدين قائمًا بأعمال مدينة زويل    «شاغل نفسه ب الأهلي».. سيد عبد الحفيظ يهاجم بيراميدز لعدم الرد على الزمالك    الاحتلال ينسف منازل سكنية في القرارة شمال شرق خان يونس    رسميًا الآن.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 1 يونيو 2025 بعد الانخفاض    عيار 21 الآن يسجل رقمًا جديدًا.. سعر الذهب اليوم الأحد 1 يونيو بعد الانخفاض بالصاغة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بريد الجمعة يكتبه: أحمد البري
بركان ‬النكد!‬
نشر في الأهرام اليومي يوم 20 - 11 - 2014

استوقفتنى هذا الأسبوع مئات الرسائل التى يندب كاتبوها حظهم العاثر فى الحياة، بسبب مشكلات وأزمات مع شركاء حياتهم، مع أنها قد تبدو تافهة للكثيرين ومن الممكن تجاوزها وعدم التوقف عندها، فهناك الزوجة التى تشكو بمرارة من متاعب لاذنب لها فيها مع زوجها، وترى أنها فعلت المستحيل لإرضائه. ولكن هيهات أن يرضى أو يلين له جانب، فهو مستمر فى غطرسته معها، وتجاهله لها، ولم تفلح محاولات إصلاحه، أو دفعه إلى معاملتها بشكل راق، وهكذا يصل صدامهما معا إلى حد استحالة العشرة بينهما، فتتفكك الأسرة وتنفصم عرى الرابطة الزوجية، و يتشرد الأولاد. مع أنه لو احتكم الزوج إلى العقل، واتصف بقليل من الحكمة لسارت سفينة الحياة فى مسارها الطبيعى.. وهناك الزوج الذى يلقى باللائمة على زوجته، ويراها دائما نكدية وعصبية، ولا تهتم بنفسها ولا به، وتعامل أهله معاملة غير لائقة، وأن هناك ملايين ممن يتصفن بسمات تفوقها كثيرا، يتمنين أن يعشن فى ربع مستوى المعيشة التى تحياها. فهى لا تحمد ربنا، وتسعى إلى تخريب بيتها بيديها غير عابئة بالأولاد، وتحاول استفزازه بشتى السبل وتدفعه إلى طريق مسدود، فلا يجد مناصا من تطليقها تحاشيا للنكد الذى لاينتهى!
حكايتى ‬مع ‬زوجى
استجمعت شجاعتى لأروى لك حكايتى لعل غيرى من السيدات يجدن فيها حكمة وموعظة يستفدن بها فى مواجهة العواصف فى حياتهن، وأملا فى أن أجد لديك حلا يريحنى من العذاب الأليم الذى أحياه، فأنا سيدة تخطيت الأربعين ببضع سنين، ونشأت فى أسرة متوسطة لأب شديد القسوة والأنانية، وأم طيبة للغاية، أو قل هى نهر متدفق من الحنان، لكنها مغلوبة على أمرها، فلقد لاقت كل صنوف العذاب منه، لكنها ظلت صابرة، وراضية بنصيبها، وأنا ابنتهما الوحيدة، ونتيجة لهذه التربية الصارمة، أصبحت شخصيتى صلبة ظاهريا، لكنى فى داخلى أحمل ضعفا وانكسارا، بمعنى اننى صرت صورة من أمي، وركزت كل جهدى فى الدراسة وأنهيت تعليمى الجامعى بتفوق، والتحقت بعمل أخذ كل وقتي، فكنت أذهب إليه فى الصباح، ولا أعود إلى المنزل إلا فى المساء، فأدخل إلى حجرتى مباشرة وأظل قابعة فيها إلى اليوم التالي، واضعة همى فى نفسى ولا أحدث به أحدا غيري، وتنهمر دموعى كثيرا، فلا أستطيع أن أحبسها، وابتعدت عن الرجال قدر استطاعتي، فحتى زملائى عزفت عن التعامل معهم إلا فى حدود ما يقتضيه العمل، وحرصت على إخفاء كرهى لكل الرجال والذى تولد لدى من تجربة أمي، ولم ألق بالا لمحاولات البعض التقرب مني، فكلهم سعوا إليّ لجمالى ورشاقتى مع أنى لا أعيرهما أى اهتمام، ولم يشغلا بالى كمعظم البنات. ولا يعنى ذلك اننى متبلدة المشاعر، لكنى كنت أحلم بمن يملأ قلبى وعقلي، ويدفئ برد حياتى بالحنان والأمان والحياة المستقرة التى لم أذق طعمها.
ووسط هذه المشاعر المختلطة حدثتنى أمى عن الزواج، وقالت لى كما تقول الأمهات دائما لبناتهن انها تريد أن تطمئن عليّ قبل رحيلها عن الحياة، فاستمع إليها، وأرثى لحالها، ويملؤنى الرعب من أن أكرر تجربتها مع أبي، ويالها من تجربة مؤلمة، فلقد عاشا معا حياة من الجحيم، وما أكثر ما سمعته من عبارات قاسية وجهها إليها، وهو لا يبالى بي، ولا بما يترسب فى نفسى من إحتقان تجاهه، وبرغم خوفى الشديد من الزواج، فلقد وجدتنى منساقة إليه هربا من جحيم أبي، واخترت شابا ممن تقدموا لى أملا فى الخروج من حياتى الكئيبة، ولم يخطر ببالى أننى سأنتقل إلى جحيم آخر باختياري، فمنذ اليوم الأول وجدت زوجى رجلا لايمكن الاعتماد عليه أبدا، إذ لا يتحمل أى مسئولية، وأنانى مثل أبى تماما، ولا تعرف المروءة طريقا إليه، وكل ما يشغل عقله بالنسبة لزوجته هو العلاقة الخاصة، وفيما عداها لا قيمة لها لديه، فاستسلمت لأقدارى وتحملت المسئولية عنه، وصرفت من مالى الخاص الذى ادخرته لنفسى من عملي، وقد تزوجته برغم أن شواهد فترة الخطبة أنبأتنى بالكثير من طباعه خصوصا فيما يتعلق بالالتزامات المادية. حيث تحملت العبء الأكبر فى تجهيز الشقة، ومضت الأيام، ورزقنى الله بالأولاد، وهم أجمل ما فى حياتي، فكرست لهم كل وقتى وجهدي، ثم ماتت أمى رحمها الله فبكيتها كثيرا، ولا تفارق صورتها خيالي، ماتت الصدر الحنون الذى لم أكن أجد ملجأ إلا إليه، فى أوقات الشدة وما أكثرها فى حياتي، ولقد كان يوم رحيلها زلزالا هز كياني، ومازالت توابعه مستمرة إلى الآن.
وواجهتنى سلسلة جديدة من القهر والظلم، ليس من زوجى وحده، وإنما أيضا من أهله، وتكررت خياناته لي، وأحسست بها مرارا لكنى لم أكن متأكدة منها، ثم جاءنى من أبلغنى أن زوجى تقدم لفتاة تعمل معه طالبا يدها، بعد أن عاشا معا قصة حب ملتهبة، فأسرعت إليه، وارتميت تحت قدميه، وأنا أبكى بحرقة، وأطلب منه أن يتراجع عما اعتزمه، وأن يعاملنى معاملة حسنة، ورجوته أن نبدأ صفحة جديدة، وسأكون الزوجة المحبة له والتى تحترم التراب الذى يسير عليه، فرد علىّ بأن بينى وبينه جدارا عاليا لن يستطيع أن يتخطاه، وأزلنى وداس على كرامتى على مرأى ومسمع من أهله، وأمام صديقاتى وجيراني، فانطويت على نفسي، ولجأت إلى ربى فالتزمت بالصلاة وداومت على قراءة القرآن الكريم، ولم أعد الشخصية الصلبة «ظاهريا» فتدفق حنانى على من حولي، وبرغم أنه لمس كل ذلك، فإنه لم يشفع لديه أن يغير موقفه مني، ووجدتنى وحدى أسبح ضد التيار، وتخلى عنى أهله الذين اعتبرتهم أهلي، وقدمت لهم كل رعاية واهتمام، بل ورأوا أنه يستحق غيري، ولم أستسلم لهذا الطوفان، فدافعت بكل عزيمتى عن بيتى وأولادي، وحاربت هذه الفتاة، وأنهيت هذا الارتباط، وهنا حدث انفصال بينى وبينه، لكن دون طلاق، وتدخل المعارف والأصدقاء، وأصلحوا بيننا، ولكن زوجى لم يتغير بل زاد على طباعه السيئة طبعا آخر، وهو الخروج الدائم من المنزل، وافتقدنا التواصل برغم أننا نعيش تحت سقف واحد، ثم عاد الشجار من جديد، وعلا صوته عليّ واتهمنى باننى «رجل ولست امرأة» لشخصيتى القوية، ولم يعجبه ما طرأ عليّ من تغير ويقول لى «بلاش الضعف ده»!.. وبسبب حالة التوتر التى لا تنتهى تم طلاقنا مرتين، ثم عدنا إلى بعضنا مرة أخري، ووفقنى الله إلى العمل بجهة حكومية، وصار لديّ مصدر دخل أنفق منه على أولادى إذا قصر أبوهم من الناحية المادية، والحقيقة اننى تعبت من كثرة النكد، فلقد غابت الابتسامة عنى من ضغطه الشديد علينا، ولم أعد أقوى على تحمل هذه المعيشة القاسية، ولا أجد سبيلا أمامى سوى المهدئات والمسكنات.
واليوم أجد أولادى يهربون منا.. إما بالزواج أو باللجوء إلى الدراسات العليا، وهكذا يعيد التاريخ نفسه. فما حدث لى وأنا صغيرة يتكرر الآن، لكن أخشى ما أخشاه هو مصير طفلتى الصغيرتين اللتين منحهما الله لى على كبر، إذ أحس بأن حياتى لن تستمر طويلا، وإذا مد الله فى أجلي، فإننى أعتقد أن انفصالى عن زوجى هو المصير الذى لا مفر منه، ونحن على هذا الوضع الذى لا يتحمله بشر، لقد زرت الطبيب الذى يعالجنى وعرضت عليه متاعبي، فنصحنى بأن أغير نمط حياتى لأن الانفعالات الزائدة، وسوء الحالة النفسية، سوف يعصفان بي، ويتسببان فى إنهياري، وكثيرا ما أسأل نفسي: لماذا عاد زوجى إليّ بعد مرتين من الطلاق، وكيف يعاشرنى كزوجة وهو كاره لي؟.. وأسئلة كثيرة تراودنى ولا أجد لها إجابة؟..
وإنى أبعث برسالتى إليك لكى ترشدنى إلى حل يريحنى فيما تبقى لى من عمر، وقد أوكلت أمرى إلى الله الذى أوانى ورزقنى وسترني، وهو سبحانه وتعالى من يؤنس وحدتي، ويطمئن قلبى بذكره، والحمد لله رب العالمين.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
الباعث الأكبر على حالة القلق التى تعيشينها الآن هو أنه تم طلاقك من زوجك مرتين. بمعنى أنه اذا حدث الطلاق للمرة الثالثة فى ظل حالة الشجار المستديمة بينكما، فلن ترجعى اليه مرة أخري، وستكون لك حياة مختلفة، سواء عشت مع أولادك وكرست وقتك لهم، او تزوجت من آخر اذا كانت لديك الرغبة وأتاحت لك الظروف ذلك.
وبصراحة شديدة فاننى لا أجد مبررا لهذا القلق بعد عشرتك الطويلة مع زوجك، فأنت ترغبين فى استمرار الحياة الزوجية معه، وهو أيضا لديه الرغبة نفسها، وإلا ما اعادك الى عصمته بعد الطلاق مرتين، ووافقت أنت على هذه العودة المتكررة أملا فى أن تصفو حياتكما من الشوائب، وربما تكونين يا سيدتى قد أسهمت بشكل او بآخر فى تعكير الجو العام بينكما بشخصيتك القوية، حتى وإن كنت تخفين وراءها قلبا مفعما بالطيبة والحنان، كما أسهم فيما أصبحت عليه حياتكما هو الآخر ببخله وتقصيره وتركك تواجهين طلبات الأسرة بامكانيات بسيطة، مع أنه فى استطاعته تلبية احتياجات أبنائه دون أن ينظر الى ما تدخرين من مال سوف تأخذين منه بطبيعة الحال عند الحاجة.
وهذا هو مبعث النكد المستمر فى حياتكما. ولو أنه أراد أن يتزوج من الفتاة التى تحدثت بشأنها، لنفذ ما يرغب فيه، ولكنى أعتقد أنه فعل ذلك من باب التهديد اذا استمررت على عنادك له، وقد نجح فيما ذهب اليه، بدليل أنك سارعت نحوه، وارتميت تحت قدميه طالبة منه الصفح عنك، وأنك سوف تحترمين التراب الذى يسير عليه، وغيرها من التعبيرات التلقائية التى قلتيها فى ثنايا رسالتك.
ومن أهم ما يجب أن تلمسه الزوجة من أسباب للتخلص من نكد زوجها أن تهتم به، وتشعره بأهميته، وتتجاهل المشكلات التى يفتعلها، ولكن عليها فى الوقت نفسه ألا ينصب تركيزها على دائرته، ويجب أن تضبط مسافة معينة فى التعامل مع أهله فلا تبتعد أكثر منها او تقترب الى حد الاحتكاك المستمر معهم، فهذا يزيد الخلافات ولا ينقص منها، كما أن الرجل يحب الزوجة التى تقدر ذاتها كثيرا، وتجبره على تقديرها.
ومن المفاهيم المغلوطة لدى الكثيرين أن الرجل اذا تباسط مع أهله وأدخل السرور عليهم، فإن هيبته تضيع، وهذا مفهوم خاطيء ولكنه منتشر. والمشكلة أن الزوجة تشعر إنها وحيدة مع هذا الرجل الذى لا يشاركها أى لحظة حلوة، ولا ترى فى الحياة معه غير الواجبات والأعباء دون أى لحظات ترويح عن النفس، وهذا النمط من الأزواج يحتاج الى حنكة فى التعامل.
وأظنك ياسيدتى بكل ما مررت به من أحداث على مر حياتك مع زوجك قادرة على الوصول الى الصيغة المثلى للتعامل معه، ومشاركته اهتماماته، وتوسيع دائرة معارفك، واحذرى تسفيه آرائه او الاستخفاف بها فى اثناء الشجار، واعلمى أن الكلمة الطيبة هى بلسم الحياة الزوجية خصوصا فى حالة احتدام النقاش، فهى تنزل على الزوج بردا وسلاما، وتهديء روعه، وتصفى قلبه، كما أن الحوار الهاديء البسيط يجعل لعلاقتكما مذاقا آخر، وأخيرا عليكما تجنب الاعتقاد الخطير أن كلا منكما يواجه صعوبة فى الاستمرار مع الآخر، وفى الوقت نفسه يجب تجديد العلاقة الزوجية بمزيد من العطاء والحب والتسامح، فتعود الأمور الى نصابها الصحيح، فانبذى كل الأفكار العالقة بذهنك، وسوف تتيسر لك الأمور وأحسب أن حياتكما معا سوف تشهد فجرا جديدا من الحب والود الى آخر العمر بإذن الله.
قصتى مع زوجتى
قررت أن أكتب إليك، وكلى أمل أن أجد إجابة على السؤال الذى يراودنى منذ فترة، فأنا شاب ولدت ونشأت فى القاهرة لأبوين من صعيد مصر، وتوفى أبى شهيداً فى حادث مروع خلال عمله، وكان عمرى وقتها أقل من ثلاثة أعوام، ورفضت أمى الغالية الزواج بعد رحيله، وتفرغت لتربيتنا «ولدين وبنتين» وشققنا طريقنا فى الحياة بما غرسته فينا من قيم الصعيد الأصيلة من الكرم، وحب الحق ونبذ الباطل، والشهامة والصدق والتضحية، ووجدتنى رجلاً أتحمل المسئولية، ولم أكن قد بلغت الحادية عشرة من عمري، ولا أنسى أول يوم عمل فى حياتى عندما كان مطلوباً من الصبية وأنا واحد منهم أن نحمل بعض الأشياء من الطابق الأرضى إلى الطابق الخامس بأحد العقارات تحت الإنشاء، وبعد ساعتين من بدء العمل اتفق الصبية على تغيير خطتهم بسرقة ماتم رفعه فى أيام سابقة من الطابق الأرضى إلى الطابقين الثانى والثالث، وبذلك يوفرون وقتاً وجهداً، ورفضت أن أفعل مثلهم، ولما جاء المقاول فى نهاية اليوم وتابع ماحدث عرف أننى الوحيد الذى عمل بالطريقة الصحيحة التى كلفنا بها، إذ أن الصبية الذين كانوا معى لم يزيلوا العلامات الموجودة على الأشياء والتى تميز كل دور عن غيره من الأدوار الأخري، وانكشفت فعلتهم وحصلت على أجرى كاملا، وواصلت العمل فى اليوم الثاني.. أما هم فلقد طردهم المقاول، وظل الإخلاص فى العمل والإجتهاد فى الدراسة هو ديدنى وبعد تخرجى فى جامعة القاهرة وفقنى الله فى العمل باحدى الشركات، وأصبحت أعمل من خلال شركتى فى عدد كبير من الفنادق فئة خمس نجوم، وخلال شهور احتللت المركز الأول فى المبيعات، وألتحقت بعدة دورات تدريبية لتحسين لغتى الانجليزية، ثم عملت بواحدة من كبريات الشركات العالمية، وحصدت ترقيات متتالية، وتم تعيينى مديراً بها، ثم تلقيت عرضاَ للسفر إلى إحدى الدول لأقوم مع فريق دولى متعدد الجنسيات بتأسيس شركة جديدة مماثلة للشركة الكبرى التى أعمل فيها، وسافرت بالفعل، وأسست الشركة، وصرت النائب التنفيذى الأول لرئيس الشركة، وبعد عامين قررت العودة إلى مصر والبحث عن زوجة مناسبة لي، وارتبطت بمن توسمت فى شخصيتها الحنان والرومانسية وسافرت معى إلى البلد الذى أعمل به، وما أن وصلنا إلى هناك حتى وجدت إنسانة أخرى مختلفة تماماً، بركان غاضب، ومشتعل دائما بلا سبب، عصبية تفوق الوصف، ورغبة دائمة فى وأد أى سعادة، وحالة مزمنة من الشك بسبب سفرياتى إلى دول كثيرة كجزء من عملي، ووجدتها أيضاً متسلطة بلا سبب،بل ووصل بها الأمر إلى حد أنها ترى فى رعايتى والدتى العجوز إنتقاصاً من وقتها، فتصب على الجميع براكين النكد لأتفه الأسباب، وهى دائما غير راضية عن كل شيء.
هل تتصور ياسيدى أننى كنت أحضر لها الورد، فلا تأخذه مني، وتنادى عاملة المنزل لتضعه فى المطبخ، وبعد ساعات تأمرها بأن تلقيه فى سلة المهملات.. وهى فوق كل ذلك لاتطيق أن ترى إنساناً سعيداً أو حتى مبتسماً، حتى الخادمة لم تسلم من أذاها، وكثيراً ماطردتها بلا سبب، ثم تعيدها، وتكرر السلوك نفسه معها، والله حتى كلمة «الحمد لله» فشلت فى أن أجعلها تنطقها وتتعود عليها.. وأمام هذه الحالة المزاجية التى لا تفسير ولا علاج لها طلقتها بعد ثلاث سنوات ونصف السنة من الزواج البركاني، فلقد أعطيتها عشرات الفرص لكى تغير طباعها، ولكن هيهات أن تصلح شأنها، وعند الطلاق أعطيتها مايزيد على حقوقها، وقد أثمر هذا الزواج القصير، والذى لم أذق فيه طعم الراحة والاستقرار إبنة رائعة الجمال، وتعيش مع والدتها وأراها أسبوعياً، وأتحدث معها يومياً، وأعرف صديقاتها ومعلماتها، وأزورها فى المدرسة بشكل دوري، وأغدق عليها من كل مارزقنى الله به، فهى حب عمري، وقطعة من قلبي.. لكن والدتها سامحها الله هى سبب تفتيت الأسرة.
لقد جمعت عبر رحلة السنين ثروة طائلة لم أكن أحلم بواحد فى المائة منها عندما بدأت أول المشوار، ولم أقصر فى مساعدة كل من لمست لديه طموحاً من العاملين معي، وأديت الحج عنى وعن والدى رحمه الله، كما أدت والدتى الحج أيضاً، ومنذ شهور استقرت بى الحال فى مصر وأنشأت شركة خاصة فى مجال جديد تماما، ولك أن تتخيل إنسانا ناجحا فى عمله لكن مطلقته هى السبب فى فشل حياته الزوجية، فهل من سبيل للاستقرار على شاطيء الأمان فى بحر الحياة الهائج بالمتاعب والمنغصات؟
ولكاتب هذه الرسالة أقول:
مع التأكيد أن زوجة بهذه الصفات التى ذكرتها تصعب الحياة معها، فلقد كان عليك أن تفهم شخصيتها، وتعاملها على هذا الأساس، لأن تغيير الأشخاص تماما غير منطقى ولن يحدث إلا بإرادة صاحب المشكلة نفسه، وفاتك أن تلعب أكثر من دور فى حياة زوجتك قبل أن تنفصل عنها، وذلك بحبك وحنانك فتحاورها وتساندها وتشرح لها ما يغيب عن فهمها وإدراكها بصبر، مثل حكاية الشك التى تسربت إليها من كثرة سفرياتك مع أنها تعلم أنك فى مهمة عمل، ولا تسافر للنزهة، واذا كانت سفينة الحياة قد انتهت بكما عند هذا الحد، فإنك مطالب بتحرى الدقة وأنت تتطلع الى زوجة جديدة تكمل معها مشوار الحياة، وينبغى أن تعلم أنك لن تجد زوجة بالمقاس، وأسوق إليك ما فعله أبوذر الغفارى رضى الله عنه، فعندما تزوج من امرأة وضع معها الطريقة المثلى للحياة السعيدة، حيث قال لها: يا زوجتى العزيزة.. اذا أنا غضبت فارضني، واذا أنت غضبت رضيتك، وإلا فلن نصطحب، أى ستصبح حياتنا صعبة، نعم يا سيدي، فالحياة الزوجية ليست معركة، وانما هى تعاون على البر والتقوي، وصدق الله العظيم إذ يقول «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة».
والخطأ الأكبر الذى يقع فيه الزوجان أنهما يتركان المشكلات بينهما تتراكم دون مواجهتها أولا بأول، وبغير أن يعبر كل منهما عن قلقه ومخاوفه وتوقعاته وآلامه وهمومه، والصحيح أن يرفع كل واحد شكواه الى الآخر بكلمات واضحة ونبرة ودودة مع الاستمرار والمثابرة، والإلحاح فى عرض الشكوى حتى تصل الى ضمير الطرف الآخر، واذا فعلا ذلك استقرت حياتهما، واذا استمرا فى الضغينة ووصلا الى مرحلة الاستفزاز المتبادل يكون قد غاب عنهما المعنى الحقيقى للمودة والرحمة.
ومن المهم معرفة الأسباب الحقيقية وراء وصول النكد الى المنزل، وعلاجها فى هدوء وصبر، ومسح الماضى السلبى داخل الحياة الزوجية، واستدعاء الذكريات والمواقف التى تدعم العلاقة بينهما.. وأتذكر هنا وصية عبدالله بن جعفر بن أبى طالب لابنته حيث قال لها «إياك والغيرة، فإنها مفتاح الطلاق، وإياك وكثرة العتب فإنه يورث البغضاء، وعليك بالكحل فإنه أزين الزينة، وأطيب الطيب الماء».
وأقول لكل زوجة: اعلمى أن احترامك زوجك، هو احترام لنفسك وكيانك، وأن ما بينكما من المشكلات سر ينبغى ألا يخرج الى الغير من أهلك وأهله، وأقول لكل زوج: إن حبك زوجتك سيعود عليك بالحب والتضحية والاحترام، وأن التفانى فى رعايتها يزيدكما ترابطا وألفة، وأقول للجميع: خذوا الأمور بالتفاهم والاحترام والبعد عن العصبية والشجار لأتفه الأسباب، فهيا ياسيدى: ابدأ حياة جديدة قائمة على الرحمة والمودة، وواصل مشوارك فى الحياة بنفس النجاح الذى حققته، وانتظر حسن العاقبة مادمت تراعى الله فى كل خطواتك، وسوف يكتب لك التوفيق والسداد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.