على مسرح الفلكى التابع للجامعة الأمريكية بالقاهرة حرصنا المصور الصحفى السيد عبدالقادر، والزميل باسم صادق، وصاحب هذه السطور على حضور مسرحية «العشاء الأخير» بنية تشجيع التجربة والذهاب إلى أى مسرح جامعى أو عمالى أو مدرسى ، أو فرقة هواة تحاول إلقاء حجر فى بحيرة المسرح الراكدة ورغم أن العرض يقدم فى قاعة صغيرة ملحقة بالمسرح، حيث يجلس الجميع على مدرجات متربة وعالية تتعب الظهر، فإن عشاق هذا المسرح قد ملأوا القاعة عن آخرها.. ووقف عدد غير قليل على جوانب المدرجات فى صمت انتظارا لبدء المسرحية، حيث شارك فيها اثنان من نجوم التمثيل المعروفين هما سيد رجب وبطرس غالى بيسو فضلا عن مجموعة من الممثلين الموهوبين والمدربين بشكل جيد على الأداء الجماعى والتعبير من خلال ردود الأفعال الموافقة للشخصية وحالتها النفسية داخل المشهد.. كما أن المخرج أحمد العطار قد أجاد تحريك ممثليه فى الإطار الضيق لمائدة العشاء، حيث يجلس السادة، ويقف الخدم المقهورون لتلبية طلباتهم فى مذلة، ولكنه برغم الديكور الواحد فقد استطاع أن يظهر شيئا من البراعة فى تحريك الممثلين وملء قاعة المسرح بالحركة قدر المستطاع، ومع كل هذه العناصر الجيدة من ممثلين موهوبين من أجيال مختلفة وإمكانات مادية معقولة، فإن أهم عنصر قد غاب عن العرض وغابت معه المتعة الفنية وهو النص الجيد، فلا نبالغ إذا قلنا إن النص عبارة عن مقال سردى يدور حول مجتمع الأغنياء التافهين ونظرتهم لمن يخدمهم من الفقراء الكادحين، ولا يكفى أن يتحول السرد إلى جمل حوارية بين أشخاص حتى نعترف بوجود الكتابة المسرحية.. لا يوجد فى العشاء الأخير حدث درامى ينمو أو يحدث من الأساس.. مجرد فضفضة ودردشة وكلام صالونات ثم يقف الممثلون فى صف واحد لتقديم التحية، بينما كثير من المشاهدين فى دهشة يسألون: هل انتهى العرض حقا؟ بالتأكيد لا نطالب بوجود شكل واحد للمسرح.. وليس من الضرورى أن تكون هناك حدوتة تقليدية.. ومن حق كل مبدع أن يختار الشكل الذى يناسبه أو يبتدع شكلا جديدا يعرض من خلاله ما يريده من أفكار بشرط أن تكون هناك حالة مسرح حقيقى يستشعره المشاهد. وهناك عروض تعتمد على الإيقاع الحركى دون كلام.. ولكنها تقدم رؤية واضحة وصراعا ظاهرا.. وخسارة أن يضيع مجهود كل هؤلاء الفنانين الموهوبين فى التمثيل والإخراج بسبب عدم وجود نص يليق بحجم مواهبهم! قدم محمود حداد دور الخادم الطيب المسحوق فى خدمة السادة، كما قدم محمد حاتم دور رئيس الخدم المتعالى على زميله والضعيف أمام سادته، ولعبت مروة ثروت دور الابنة المدللة التافهة الضعيفة أمام زوجها عبدالرحمن ناصر الذي قدم دور الشاب الثرى الثرثار الذى يحكى أشياء خالية من المعنى، بينما أجاد رمزى لينر فى دور الابن الفاسد أخلاقيا والمهووس بالخادمات ويباهى بمغامراته أمام زوجته، وقدمت راندا محمد دور زوجة الابن التى تحاول أن تتعايش مع شخصية زوجها الذى لا يطاق باحثة لنفسها عن دور فى حياة الأثرياء التافهة، وقدمت منى سليمان دور الخادمة الخائفة المرتجفة من نظرات سيدها، ولعب الطفلان منى فرج وأحمد فرج أدوار الأحفاد الأشقياء فى تلك العائلة، ومع كل هذه الشخصيات المرسومة بعناية تزداد دهشتنا من عدم وجود أحداث درامية؟ فهل قصد أحمد العطار أن يقول لنا إن حياة هذه الطبقة الاجتماعية تافهة وباردة وخالية من القصص التى تستحق أن تذكر؟ ومع احترامنا لرؤيته الخاصة وحريته فى التعبير فإننا لا نستطيع قبول الملل والإطالة وعدم وجود حدث درامى بحجة أن الحياة فيها لحظات ملل وسكون!! وإلا علينا أن نتوقع بعد «العشاء الأخير» مسرحية عنوانها «النوم سلطان» مدتها ست ساعات ينام فيها الممثلون دون حركة مع قليل من الغطيط على اعتبار أن هذا النوم واقعى ويحدث كل يوم.