نكمل ما بدأناه الأسبوع الماضى عن الموضوع الأكثر إثارة فى واقعنا الثقافى المصرى هنا والآن ألا وهو الروايات التى تحطم الأرقام القياسية فى التوزيع. وتصدر منها طبعات بواقع طبعة جديدة كل شهر أو كل أسبوع. وأحياناً كل يوم. ونتواصل مع رواية: فى البحث عن فاليري. التى تدور حول قضية الروايات التى نصفها أحياناً بالأكثر مبيعاً. وأحياناً أخرى بالأكثر رواجاً. ها هى قوانين السوق تفرض نفسها. فأصبحنا نقول الروايات التى تحطم الأرقام القياسية فى التوزيع. وكأن العمل الأدبى سلعة تباع وتشترى. ويتم الإقبال عليها أو الإعراض عنها. وهكذا يفرض البعض علينا أن نقول وداعاً للقيم الأدبية ولجماليات فن الكتابة. وإلى محاولة الإضافة للتراث المصرى والعربى والعالمى لكتابة الرواية. مجبر الروائى على الانصياع لقوانين السوق لا بطل. نكمل رواية: فى البحث عن فاليري. ونبدأ بلحظة فارقة فى الرواية. أو هى لحظة الذروة التى تصل الأحداث لأعلى مكان يمكن أن تصل إليه. ويتكشف كل ما كنا نلهث وراء القراءة من أجل معرفته. تكتشف مسئولة النشر التى جاءت من العاصمة الأمريكية إلى المدينة الصغيرة بحثاً عن الروائية صاحبة الروايات الأكثر مبيعاً. والتى قالت لها فى آخر رسالة أن ينابيع الإبداع جفت بداخلها. وأنها قد تتوقف عن الكتابة لمدة سنة من الآن. وعندما وصلت إلى المدينة بدأ يساعدها فى البحث عن الروائية مارك، كاتب روايات الجاسوسية. فى أواخر الرواية تكتشف مسئولة النشر أن الروائية التى تكتب الروايات الأكثر رواجاً. ما هى إلا مارك كاتب روايات الجاسوسية الذى يساعدها فى البحث عن الروائية التى تبحث عنها. ويأتى الاكتشاف بعد أن تكون مسئولة النشر قد وقعت فى حبه فعلاً. وبعد العودة إلى نيويورك ندرك أن مارك كان يقودها فى البحث عن فاليري. وكان فى نفس الوقت يكتب رواية عن عملية البحث نفسها. فهل هناك سخرية أكثر من هذا من الروايات الأكثر مبيعاً؟. هكذا تصف الروائية لحظة اكتشاف مسئولة النشر أن الروائية التى تبحث عنها ما هى إلا مارك الذى مثَّل أمامها أنه يساعدها فى عملية البحث عن الروائية التى اتضح لها أنها وهمية: - كم مكثت «شيلى» من الوقت وهى متسمرة على مقعدها ومذهولة من الصدمة؟ سمعت من الخارج صوت صفق باب سيارة. انتفضت وشعرت بالذعر. لا.. إنها لا تستطيع مواجهة الجيران. أحست بالارتياح للحظة قصيرة ثم رفضت أن تستسلم. وأخذت ترتب بسرعة جداً الفوضى التى تسبب فيها تفتيشها الدقيق. أدخلت النسخ المخطوطة فى الدرج ثم أغلقته بالمفتاح ووضعت المفتاح فى مكانه. كان من الضرورى أن ترحل قبل عودة «مارك» قبل عودة الكاذب الخائن. المخادع. المضلل. إنها لن تسامحه. هذا ما نذرته على نفسها لكن ضعفها كان يجبرها على الهروب من المدينة الصغيرة «وارنز جروف»، فهى لن تتحمل تبريرات لن تقنعها لن تتحمل أن يستغل «مارك» فتنته من جديد ليستميل قلبها ويكسبها فى صفه. عندما أصبحت «شيلى» خارج المنزل، توقفت للحظة عند العتبة لتذهب.. إلى أين؟ هل سيعود «مارك» من جولته من اليسار أم من اليمين؟ إنها لا تريد أن تقابله وهى ذاهبة إلى الفندق. وأخيراً، أخذت الطريق الأقصر وهى تراقب بعين قلقة ظهور سيارة سبور خضراء. وصلت بدون أى عوائق إلى الفندق. لم تكن تحتاج إلى وقت لكى تلقى ملابسها فى الحقيبة. كانت تريد الهروب بأسرع ما يمكن. ما لم يكن «مارك» قد فضَّل هو أيضاً تجنب المواجهة. فمن الممكن أن يكون قد فهم أنها عرفت الحقيقة واختار أن يختفى. وبعد أن أغلقت حقيبتها. ألقت نظرة أخيرة على الحجرة لتتأكد من أنها لم تنس أى شىء. وعندما لمحت على المنضدة زهرة النرجس الحريرية التى أحضرها لها «مارك» فى أول ليلة.أخذتها وبحركة شبه واعية ضغطتها على خدها. ثم علقت سترتها على ذراعها وحملت حقيبتها ونزلت إلى مكتب الاستقبال الذى قررت أن تودع الوردة الممزقة به كرسالة وداع إلى «مارك». مكتوب على الغلاف الخلفى للرواية كلمة للشاعر الراحل أحمد زرزور. الذى رحل عن دنيانا. أثبتها كما هى كنوع من التذكير به. ولا أدرى سبب كتابة الكلمة. هل كان مسئولاً عن النشر بالثقافة الجماهيرية فى ذلك الوقت؟ لكنها كلمة جميلة تلخص النص من وجهة نظره: - وبلغة حوارية مكثفة وتصاعد درامى مثير للمتابعة وإيغال فى كشف المفردات الاجتماعية للواقع الذى تدور فيه الأحداث، تتأسس هذه البنية الروائية التى تقدم لنا خلاصة بسيطة وعميقة فى آن. وهو أن (الحب هو رحلتنا وهدفنا الأساسي)، وبهذا نكتشف فى تمام هذا العمل الجميل أن البحث الذى كان يدور طوال الوقت إنما كان فى جوهره بحثاً عن الحب الصادق، وهو ما عبرت عنه البطلة وهى تجد رجُلها، وهو ما يمكن أن نقول عنه أيضاً. ولو أن الشاعر وكاتب الأطفال أحمد زرزور على قيد الحياة. لقلت له إن صدفة الحب الأخيرة التى تنهى بها المؤلفة روايتها ليست الجوهر. وجوهر النص الروائى هو السخرية المريرة من عبارة أكثر الروايات مبيعاً. فقد اتضح من أحداث الرواية أن الروائية التى قلبت الحياة الثقافية فى أمريكا. ليست سوى روائى رجل تخصص فى كتابة روايات الجاسوسية. وعندما لم تحقق له النجاح المنشود اتجه لكتابة الرواية الغرامية باعتبار أن رواجها أكثر من روايات الجاسوسية بكثير. لكنه كان يرسلها باسم روائية اخترعه من خياله. ولم يكن لها أى وجود فى الحياة. ربما كان العذر الوحيد لأحمد زرزور فى تناوله للرواية واعتبارها رواية حب. أن تعبير الروايات الأكثر مبيعاً لم يكن مطروحاً بشدة فى ذلك الوقت. وقت نشر الترجمة. وهو سنة 2002. ولو أن أحمد زرزور امتد به العمر وعاصر هذا الهوس التجارى الذى نحياه الآن تحت مسمي: الروايات الأكثر مبيعاً. لكان قد قرأ النص القراءة الصحيحة وأدرك الهدف غير المرئى من وراء كتابة الرواية. أعود للقضية لديَّ حكايات عن الروايات الأكثر مبيعاً. حكايات تطال كتابها وناشريها ومزوريها. لمزيد من مقالات يوسف القعيد