لا يمكن في لحظة وفي اجتماع يتم على عجل لتأسيس ما يسمى غرفة صناعة الصحف الخاصة أن نتجاهل كل ما جرى في تاريخ المهنة، ولا يمكن عبر شوق البعض أن يرسم المال الخاص ورجاله ملامح المشهد الإعلامي أن تختلط فجأة مصالح كل العاملين في المهنة مع اختلاف مصالحهم ومراكزهم القانونية، وأن نضيف للوجه الإعلامي تشوها يرجع بعضه إلى بروز الاحتكارات بما لها من مخاطر وبغير تنظيم قانوني، ثم تغييب الفروق بين الملكية وبين التحرير، أو بين صاحب المال وبين العاملين في المهنة بما لهم من حقوق وبما عليهم من واجبات تحددها معايير موضوعية ومهنية وليست مصالح صاحب المحل أو مندوب صاحب العمل. ولا أعرف لماذا الإصرار على حكاية «غرفة الصناعة» هذه في الفضائيات ثم بعدها وبسرعة في الصحافة، وكأننا في منافسة مع رجال صناعة الحديد أو الدواجن؟! أعلم أن حجة غرفة صناعة الفضائيات الخاصة جاءت في ظل فراغ نتيجة غياب الكيان النقابي للعاملين في مجال الإعلام المسموع والمرئي الذي ندافع عن ضرورة وجوده، ونؤكد أنه لا سبيل لتنظيم حقيقي لهذه المهنة دون وجود تنظيم نقابي يعبر عن مصالح العاملين فيه، رغم أن هذه القضية بدأت مؤخرا تأخذ مسارا إيجابيا باتفاق الإعلاميين على تصور واحد لمشروع قانونهم المقدم لمجلس الوزراء الذي أدرجه بدوره في جدول أعماله. وأعلم أن من حق ملاك الفضائيات وملاك الصحف الخاصة أن يشكلوا كيانات تدافع عن مصالحهم بصفتهم ملاكا وهذا ليس بدعة ولا ابتداعا وقد عرفته مصر حتى منتصف خمسينيات القرن الماضي، وكان مجلس نقابة الصحفيين منذ عام 1941 وحتى عام 1955 يتم تقسيمه بين ممثلي أصحاب الصحف وممثلي المحررين إلى أن تم تعديل قانون نقابة الصحفيين لتقتصر على الصحفيين دون الملاك أو المساهمين في ملكية الصحف. إن في مصر كيانا نقابيا عريقا استطاع عبر نضال طويل امتد لأكثر من خمسين عاما أن يكلل نجاحه بإقامة هذا الكيان عام 1941 واستطاع عبر مسيرة طويلة من المواجهات والتحديات أن يراكم من الخبرات ومن التقاليد الراسخة، ما يجعلنا نفخر به ونسعى للمحافظة على وجوده وأن نستطيع التفريق بين الاختلاف مع نقيب أو مجلس وبين حقنا في تقييم أداء البعض سلبا أو إيجابا.. لكن هذا لا يمكن أن يمتد للكيان النقابي نفسه الذي ما احتجنا أن نتوحد تحت مظلته مثلما نحن في حاجة إليه الآن.. فهناك مواد دستورية انتهت منذ ما يقرب من العام نريد أن نجري حولها حوارا، يضمنا جميعا بل يمتد ليشمل القوى السياسية، حتى نترجمها إلى منظومة تشريعات تؤسس لإعلام جديد.. وهناك مؤسسات صحفية قومية وحزبية وخاصة بلغت حجم التحديات التي تواجهها الذروة وأصبحت تمس وجودها ذاته.. وعلاقات عمل وظروف مادية وأدبية غاية في الصعوبة تواجه الأغلبية من العاملين في هذه المهنة، واستطاعت أن تحفر دروبها على وجوه العاملين بها وفي مقدمتهم شباب في مستهل حياتهم يجدون فرص العمل بصعوبة وبشروط مجحفة وظالمة ونالهم بؤس الحال والغفلة في متابعة ضمانات يكفلها لهم القانون.. الأولى بالرعاية في هذه اللحظة الفارقة التي نمر بها ليس هو غرف الصناعة مع احترامنا لأصحاب أفكار هذه الغرف وأصحاب الصناعات.. وإنما التمسك بالبديهيات وألا تختلط المصالح وألا نهرب من مطلب استقلال الإعلام في مواجهة سيطرة أي نظام لنذهب به طوعا إلى احتكار سلطة المال، وأن نقدم مطلبنا في مهنة تقوم على الحرية وتمارس استقلالها في دولة ديمقراطية بعد ثورتين قربانا وهدية لبعض من رجال المال الذين لا نعرف لماذا يغويهم الإعلام إلى هذه الدرجة ومن أين تأتي أموالهم بكل هذا السخاء وما هي هذه الصناعة التي يريدون أن يتوحدوا من أجل رفعتها ونحن لم نر من معظمهم صرحا صحفيا يضاهي بعضا من تجارب آل تقلا في الأهرام ولا آل زيدان في دار الهلال ولا مصطفى وعلي أمين أو روزاليوسف.. لم نر مطبعة ضخمة ولا أسطولا للتوزيع ولا نموذجا خلاقا في علاقات العمل تفرق بين العمل في مشروع تجاري والعمل في المشروع الإعلامي، ولم تفرز لنا قامات في الإدارة الصحفية مثل سيد أبو النجا وفؤاد إبراهيم وصليب بطرس وعبد الحميد حمروش.. كما أننا في حاجة لمعرفة الفرق بين إصدار صحيفة ناجحة ومؤثرة وقيام صناعة تنهض بالصحافة والإعلام. نحن لا نريد في هذه اللحظة أن نزيد من الجروح في الجسد الإعلامي المنهك.. فالمطلوب توحيد كل الجهود المخلصة التي تحكمها المصلحة العامة ومصالح هذا الشعب صاحب المصلحة وحده في إعلام حر ومستقل، نريد أن نقدم نموذجا في عمل جماعي ننجز به منظومة من التشريعات تنتصر لتضحيات الشعب المصري الذي رفع شعار الحرية. نريد أن نستعيد روحا خضنا بها معارك كثيرة من قبل وكان معنا عدد كبير من الزملاء الذين حلموا منذ أقل من عقدين أن يقدموا صحافة مختلفة وحاولوا أن ينتزعوا هامشا من الحرية، وتعرضوا للعنت والتهديد واستغرقنا معا أوقاتا طويلة نسعى بين النيابات والمحاكم، من أجل تمسكنا بهذا الحق ولا يمكن بعد كل هذا أن ندير ظهورنا لهذا الحلم الذي حققنا كثيرا منه في الدستور، ولا يمكن أن نبدده الآن ونحن نتمنى صياغة مشروعات قوانين تراعي كل المصالح وتحفظ كل الحقوق. كنت أتمنى على زملائي وأصدقائي، الذين مازلت أثق في نيات صرخة أحمد زكى ترد علي عفريت آخر النهار ! هم وانحيازهم لمهنتهم، من الذين سارعوا بتلبية الدعوة بحضور هذا الاجتماع على عجل أن ينتفضوا، عندما حاولت الحكومة أن تفرض علينا لجنة تصوغ لنا التشريعات، فنحن في حالة خطر حقيقية وليست متوهمة، وحرية الصحافة وحرية الإعلام، التي هي حرية الشعب المصري كله، وحقه في المشاركة والتعبير والمعرفة، أمانة معلقة في أعناقنا جميعا.. لكن السؤال هو هل نخذل هذا الشعب الذي نتحدث باسمه ليل نهار، ثم نذهب في جنح الظلام ونقول لرب المال آمين ونلبي مشروعات الغرف المغلقة حتى لو تم إشهارها في أوراق اتحاد الصناعات؟! لمزيد من مقالات يحيى قلاش