الذين يرتكبون جرائمهم الوحشية ضد شعب مصر وجيشها لا يفقهون شيئاً عن التاريخ أو الواقع ولا يدركون أنهم مثل غيرهم سوف يذهبون بغير رجعة إلى مصير كل من حاول النيل منها. وهم لا يعرفون شيئاً عن عقيدتهم فيفتكون بشباب فى سن الزهور لم يرتكبوا شيئاً سوى أنهم أطاعوا ربهم ونداء وطنهم فى الدفاع عن الأرض والشرف. هؤلاء عليهم تثقيف أنفسهم ليدركوا أنهم دخلوا معركة محسومة المصير. يكتب «توينبي» مصر كانت حصن جنوب البحر المتوسط وترسانته العسكرية. جيشها العمود الفقرى لجيش صلاح الدين الأيوبي. بدونه لم يكن من الممكن أن يحقق انتصارا فى معركة حطين. ويصف مؤرخ المغول «رشيد الدين الهمذاني» ستماتة جند مصر فى معركة ذعين جالوت» إلى أن تعذرت المقاومة على جيش المغول ولحقت بهم الهزيمة». ظهر أول «جيش» فى التاريخ مع بدايات العصر الفرعونى عندما وحد الملك مينا مصر سنة 3200ق.م وقد حرص ملوك مصر على تسجيل المعارك التى خاضوها فى سبيل الدفاع عن مصر، نقشوا على معابدهم ومسلاتهم معاركهم و انتصاراتهم. أقدم نقش عسكرى هو «لوحة نارمر» التى تبين أن الجيش كان له دور محورى فى توحيد مصر وحمايتها. فى الأسرة الفرعونية ال12 بدأت قبائل بدوية تتسلل عبر سيناء لتستقر فى الدلتا. كان ذلك بداية غزو الهكسوس الذين إحتلوا أواريس فى الدلتا ، ثم وقعت ممفيس فى أيدهم، أعلن «كاموس» أخر ملوك الاسرة ال17 بداية حرب طرد الهكسوس من مصر. هاجم الجيش المصرى أواريس ومعاقل الهكسوس فى الدلتا وبعد استشهاد كاموس الذى قتل فى المعركة بقذيفة فى رأسه (حسب ما أثبت تحليل المومياء فى المتحف)، قاد أخوه «أحمس» جيش مصر وطاردهم فى سيناء إلى أن اختفوا ليس من مصر وحدودها ولكن من التاريخ كله. بعد طرد الهكسوس تغيرت إستراتيجية الجيش. تحولت من الدفاع عن الوطن إلى التوسع والغزو. حقق انتصارات كثيرة فى الجنوب وفى آسيا فى عهد «امينحتب الاول». وفى عهد «تحتمس الأول» وصل الجيش إلى نهر الفرات. طارد «تحتمس الثاني» البدو الذين كانوا يقطعون الطريق و يهددون تجارة مصر البرية. وقام «تحتمس الثالت» الذى يلقب «بنابليون الشرق» بستة عشر حملة أهمها معركة «مجدو» التى تدرس فى بعض الأكاديميات العسكرية، ويقول المؤرخون العسكريون أن الخطة الحربية البارعة التى اتبعها فى عبور ممر «عرونا» هى نفسها الخطة التى اتبعها القائد البريطانى «اللنبي» وفاجأ بها الأتراك عام 1918 أى بعد معركة زمجدوس بنحو 3400 سنة. ومن المعارك الكبيرة للجيش معركة «قادش» حيث قام «رمسيس الثاني» بهجوم مفاجيء ضد الحيثيين للإستيلاء على قادش معقل أعداء مصر فى آسيا. وتسجل الوثائق أنه وجنده حاربوا بشجاعة منقطعة النظير إلى أن عقدوا مع الحيثيين معاهدة تحالف أول معاهدة فى التاريخ نصوصها محفوظة للآن. هناك أيضاً معارك عين جالوت والمنصورة وفتح عكا وغيرها. معارك ضخمة مع أقوى جيوش العالم فى زمنها. غيرت نتائجها مجرى التاريخ. وبحلول عهد «بطليموس الثالت» كان الجيش المصرى أقوى الجيوش. خاض معارك فى آسيا ووسع حدود مصر. فى عهد زبطليموس الرابعس كان الأسطول المصرى ضخما به سفن تحمل 3000 محارب لها 10 مناقير فى المقدمة لإغراق سفن العدو. كان مصدر رعب لكل أعداء مصر وكان ضمن الأسطول «سفينة إسكندرية» يقال صممها العالم زأرشميدسس ليس للملاحة لكن للدراسات الفلكية. وفى أيام الملك زوسر كان عدد السفن حوالى 40 سفينة فى كل رحلة تجارية. فى آسيا الصغرى استطاع الجيش المصرى بقيادة الظاهر بيبرس أن يهزم جيش المغول و سلاجقة الروم هزيمة ساحقة ودخل قيسارية عاصمة السلاجقة دخل قصرهم وجلس على عرش مملكتهم. وكان لجيش مصر منذ القدم القدرة على التنظيم والإدارة. كان يتكون من فيلقين ثم ثلاثة ثم أربعة كل منها 5000 محارب به 20 كتيبة فى كل منها 250 محاربا مقسمين على سرايا فى كل منها 50. كان لكل كتيبة وكل سرية علمها الخاص. ثم حلت على مصر محنة دخول العثمانيين سنة 1517. سرقوا مخطوطات وآثار مصر. نقلوا العلماء والفنانين المصريين إلى الأستانة. كانت خطة العثمانيين إضعاف مصر وبقايا المماليك حتى تكون مصر تابعة لهم. شتتوا الجيش لكن عندما تولى «محمد على باشا» حكم مصر سنة 1805 استقل بمصر وكان من أول اهتماماته تكوين جيش قوي. وأنشأ «سليمان الفرنساي» أول مدرسة حربية. هذا إيجاز يكاد يكون مخلاً يسرد مجرد لمحات من كثير مسجل فى مجلدات عن جيش مصر العظيم الذى يحاول استهدافه أقزام صغار لم يكن لهم عندئذ وجود على ظهر الأرض لا يستوعبون ضآلتهم ويتصورون أنه يمكنهم الإعتداء على عمالقة يشهد لهم العالم. يبقى أمران تحليل هذه الحقائق ومغزاها مع الإشارة إلى الجيش المصرى فى العصر الحديث ولها حديث قادم. لمزيد من مقالات د. ليلي تكلا