جاءت زيارة قداسة البابا تواضروس الثانى الى الاتحاد الروسى، مناسبة لعناق فريد بين كنيستين ارثوذكسيتين عريقتين (المصرية والروسية)، ودعمت لقاءاته هناك وعززت العلاقة النامية باضطراد بين البلدين، سواء كانت مع البابا كيريل الثانى بطريرك موسكو وسائر عموم روسيا، او سيرجى ناريشكين رئيس مجلس الدوما (النواب) او سيرجى لافروف وزير الخارجية. والحقيقة ان الكلمات التى القاها البابا تواضروس خلال الزيارة كانت تشير الى النسقين (الروحى والسياسى) فى ذلك الاقتراب المهم، الذى لم تسبقه على المستوى نفسه سوى زيارة لقداسة البابا شنودة الثالث عام 1987. ولقد التقيت البابا شنودة فى مقر البابوية- وقتها- بعدما عاد من زيارته الروسية، واجريت معه حوارا مطولا، وفهمت منه ان الكنيسة المصرية تنظر الى نظيرتها الروسية بتقدير خاص، وان «البيروسترويكا» و»الجلازنوست» اللتين اندلعتا قبيل زيارة البابا الراحل كانتا سببا فى قيامه بالزيارة، لانهما انهيتا عقود طويلة من الالحاد والانكار، لا بل اضطهاد المؤسسة الدينية فى ذلك البلد البعيد ذى التاريخ الكنسى الزاخر، الذى تعد كنائسه تحفا لا نظير لها بمعمارها ومحتوياتها وايقوناتها ومخطوطاتها. ولقد حدثنى البابا شنودة عن مفهوم زيارته فى حوارنا، واعاد تحديد معنى كلمة (التقدمية) بانها عبارة من الصعب ان ينتظمها مفهوم سياسى معين، ومن الصعب ان نقصرها على الفكر الماركسى، اذ ان التقدم يشمل الحياة كلها وليس مذهبا سياسيا بالذات او ايديولوجية بعينها.. التقدم معناه ان يمتد الانسان الى (قدام) سواء كان ذلك التقدم فى الحياة الروحية، او فى الميدان العلمى، او فى المجال الفنى والحضارى، لا بل ربما يؤدى تقدم الانسان الى تكوينه ثروة كبيرة لا يوافق عليها ماركس (وضحك البابا وسُرى عنه)! وفى زيارة قداسة البابا تواضروس الثانى الى موسكو، كان الجانب السياسى حاضرا على نحو كبير سواء فى اشاراته المتوالية الى معاناة المسيحيين المصريين، حتى انهى صعود السيسى تلك المرحلة القاسية، او فى تأكيده قلق مصر وكنيستها على اوضاع المسيحيين فى العراق وسوريا الذين يواجهون مآسٍى حقيقية على ايادى الارهابيين المتشددين. زيارة تواضروس خطوة اخرى مهمة فى تعزيز العلاقات المصرية الروسية التى تبدو- فى هذه اللحظة- طريق مصر الاكيد الى استقلال القرار الوطنى فى مواجهة التبعية، والتنمية فى مواجهة التخلف والتسامح والتنوير فى مواجهة الظلامية. لمزيد من مقالات د. عمرو عبد السميع