فجأة تبدل حاله ..أصبح أكثر انعزالا وانطواء منغلقا علي نفسه يجلس دون أن يتحدث وترتجف الكلمات في حلقه قبل أن تخرج وكأنه قد حسم أمره اختلي بنفسه عكف علي الانفراد بها ليحتجب عن الأنظار قبل ان يقدم علي ما اتخذه من قرار ويعثر عليه جثه هامدة داخل حجرته بعد أن غافل جدته واختلس شالها الكبير ليحوله لمشنقه ينهي بها حياته. كان هذا موجز للحظات الأخيرة التي عاشها (م . ع) طالب بالثانوية الأزهرية بمركز بلبيس قبل أن يختار النهاية ويقدم علي الانتحار بشنق نفسه داخل غرفة نومه كحل وحيد وأخير يضع به حدا لمعاناته عقب اصابته بأزمة نفسية وشعوره بالشتات بعد انفصال والديه وعدم تدبيره نفقات دراسته واحتياجاته ، ولم يكن الوحيد بل كان هناك 7آخرين سبقوه بعدة أسابيع بالطريقة ذاتها بمحافظة الشرقية ليصبح هناك 8 أطفال ومراهقين منتحرين حتي إشعار آخر خلال بضعة أشهر في الشرقية وحدها فمن قبله انتحر (ع .ع) 17 عاما- طالب بالصف الثاني بالثانوي الصناعي من قرية الصحافة مركز مشتول السوق بعد أن ضاقت به الدنيا وهجره وخذله الاصحاب فاستبد به اليأس وتملكه الوسواس وهيأ له الانتحار كطريقه وحيدة للخلاص والعبور لحياة أخري غير باك علي شيء رغم صغر سنه تاركا وراءه رسالة حملت من اللوم والعتاب ما كشف فيها عن حجم معاناته وألمه في دنياه دون أن يبالي بعواقب فعلته وما قد ينتظره في حياة الآخرة وفي إحدي دور الرعاية الاجتماعية بالشرقية انتحر الطفل (ه.و) 11عاما بشنق نفسه بعدأن وضعته والدته في الدار طوعا للتخلص من شقاوته وهروبه المستمر من المنزل . كما انتحر ( أ.م.) 14 سنة طالب بالاعدادي بقرية كفر ابراش بمشتول لرفض اسرته الذهاب في رحلة بمفرده مع أصدقائه الي الاسكندرية وفي منيا القمح انتحر طفل آخر في بداية العقد الثاني من حياته بشنق نفسه بحبل داخل غرفة ليلحق بنظرائه بعد أن أنهي حياته مستخدما حبل الغسيل . وفي مركز بلبيس انتحر م .م ب بالصف الثالث الثانوي بقرية انشاص مركز بلبيس بالشرقية بشنق نفسه داخل غرفته لاصابته بحالة نفسية بعد عدة محاولات فاشلة نجا فيها من الموت . وفي بورسعيد انتحر شاب بإلقاء نفسه من الطابق الرابع بسبب كثرة مشكلات الحياة وشعوره بالاحباط . كما انتحر طالب بالمنوفية لرسوبه في سنوات النقل وفي البحر الأحمر تناول علاء الطالب بالثانوية العامة السم العام الماضي بعد انتهاء امتحان اللغة الانجليزية لفشله في الاجابة وخوفه من الرسوب وفي المنيا انتحر طالب بقرية ادجاج الحطب مركز مطاي بإطلاق الرصاص علي نفسه لتكرار رسوبه في الثانوية ويأسه من النجاح وفي بني سويف انتحر طالب بالثانوية الفنية لعدم قدرته علي الارتباط بمحبوبته وخطبتها لآخر . وفي سوهاج انتحر مراهق بمركز المراغة لسوء معاملة والديه وقسوتهم ثم تلك الفتاة 13عاما والتي انتحرت للتخلص من جحيم زوجة أبيها. وأمام هذه الزيادة المطردة لحالات الانتحار في هذه الفئة العمرية التي قدرت بحسب دراسة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية بنسبة 21'5%من اجمالي المنتحرين كان لابد من التوقف للدراسة والاعتراف بأن شيئا ما خطيرا يحدث دفع كل هؤلاء للانتحار وتحري الأسباب وأوجه الخلل التي دفعتهم لهذا المصير في البداية تفول الدكتورة هدي زكريا استاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة الزقازيق : ان البعض الآخر من هؤلاء المنتحرين الصغار لا يكون جادا في تفكيره ووضع حد لحياته حتي الموت فعليا وانما قد يسعي الي تفريغ شحنه الغضب والانفعال لديه ولفت انتباه المحيطين به وإشعارهم بمعاناته ومحنته وفق ما ترسخ لديه من خبرات محدودة حتي يستدر عطفهم ويحوز اهتمامهم لمساعدته في اجتيازها والتخفيف عنه لكنه قد يخطئ فيتطور الأمر للوفاة . في حين تعزي أسباب الإقدام علي الانتحار في سن مبكرة الي عدة اسباب وعوامل منها اللجوء للقهر والعنف في التربية والتعامل بمنطق امتلاك الأشياء نتيجة لعدم الوعي الكافي باصول وطرق التربية السليمة والاكتفاء بالتعامل مع الابوة والامومة بيولوجيا فقط علي اعتبار أنه ملكية خاصة بغض النظر عن احتياجاته بالاضافة للضغوط النفسية والاجتماعية التي يتعرض لها الوالدان ويتم تفريغها في الأبناء الذين يدفعون فاتورة كل العيوب الاجتماعية دون أن يجدوا المساندة والدعم فلا يشعروا بقيمة الحياة ويختلف لديهم طعمها فتهون عليهم ، كذلك التعرض لحالات من الحزن الشديد والشعور المبكر بخيبة الأمل والذي يتكون لديهم بشكل مبالغ فيه حيث يمضون معظم حياتهم في مثل هذه السن في الخيال لذا فانهم حينما يصطدمون بالواقع يكون حينها لايحتمل . كما يعد التفكك العائلي وانعدام الشعور بالأمان وغياب المساندة الاجتماعية نتيجة طلاق الوالدين أو عدم توافقهما وكثرة مشاحناتهما أو فقد أحدهما و زواج الآخر وانشغاله بحياته الجديدة و الفشل في سد الفراغ الناشئ عن غياب الآخر ثم اتساع الهوة بسبب زواج الثاني هو أحد اهم أسباب الانتحار في سن مبكرة نتيجة افتقاد الاستقرار والشعور بالاهتمام والحنان ، فالطفل والمراهق أحوج ما يكون لحضن أبويه ودفء الأسرة ، وفي حالة عدم وجود أحدهما بشكل كاف تتولد حالة من الخلل وترتفع لديه درجة الإحباط التي ربما تكون مقدمة للانتحار .