أيقونة الثورة, جان دارك جرجرة, الشهيدة الحية.. كلها ألقاب نسبت لنساء لسن ككل النساء, مناضلات انتسبن لثورة المليون ونصف المليون شهيد, كن سندا للرجال ورفعن إسم بلادهن عاليا. منهن من قادت جيشا بأكمله واعترف بشجاعتها أكبر قادة الحرب, ومنهن من قدمت حياتها فداءا إذ لم تكن تعني لها الحياة شيئا إذا كانت دون وطن أوكرامة, إنها المرأة الجزائرية التى عانت ظلم المستعمر الذي جرعها الفقر والجهل والعنصرية، وطمس فيها الهوية والكرامة، لتقف له وتلقنه ما كان يجهله عنها. «أعرف أنكم سوف تحكمون علي بالإعدام، لكنكم بقتلي تغتالون تقاليد الحرية في بلدكم، ولكنكم لن تمنعوا الجزائر من أن تصبح حرة مستقلة», هذه إحدي كلمات المناضلة الجزائرية جميلة بوحريد التى ضحت بتعليمها ودراستها للأزياء لتختار طريق الحرية والنضال, كانت أولى المتطوعات بصفوف الفدائيين عندما اندلعت الثورة الجزائرية عام 1954، وهي في العشرين من عمرها، لزرع القنابل في طريق الاستعمار الفرنسي، وبذلك أصبحت العدو الأول للفرنسيين لتبدأ رحلتها القاسية مع التعذيب بالصعق الكهربائي، ولكنها لم ترضخ للتعذيب أو حتى الترغيب, قدمتها السلطات لمحاكمة صورية عام 1957 لتحكم عليها بالإعدام وبعد خروج الملايين لتأييدها, تم تخفيف الحكم إلى السجن مدي الحياة لتنال حريتها كاملة بعد تحرير الجزائر عام 1962. وإذا كانت بوحريد تعتبر" أيقونة الثورة" فهناك مناضلات أخريات لم يأخذن حقهن فى تسليط الضوء على ما قدمنه من أجل حرية الجزائر جيدا ولكن جهادهن ضد الإستعمار كفيل بنقش أسمائهن في سجل التاريخ بأحرف من ذهب, منهن على سبيل المثال "لالة فاطمة نسومر" التى تظل نموذجا فذا لكفاح المرأة الجزائرية وأسطورة تروى جيلا بعد جيل, فهذه المرأة استطاعت بكل ما تملك الأنثى من سلاح أن تقهر أعلى الرتب العسكرية في الجيش الفرنسي الاستعماري، ناهيك عما امتازت به من الأدب والتصوف والذكاء, وهي التي واجهت عشرة جنرالات من قادة الجيش الفرنسي فلقنتهم دروس البطولة والفروسية. كانت فاطمة نسومر – التى ولدت في عام 1830 وهو العام نفسه الذي حدثت فيه كارثة الاحتلال الفرنسي للجزائر- قد ناضلت في سلك مقاومة الفرنسيين منتصف القرن التاسع عشر، واتصلت بالزعيم الجزائري المقاوم بوبغلة (محمد بن عبد الله) دفاعا عن منطقة جرجرة، فشاركا معا في معارك عديدة، وجرح بوبغلة في إحدى المعارك فأنقذت فاطمة حياته, هزمت الفرنسيين في معركة يوليو 1854 فانسحبوا مخلفين أكثر من 800 قتيل, قوتها وشجاعتها جعلا المستعمر الفرنسي يلقبها ب " جان دارك جرجرة". هناك أيضا "جميلة بوباشا" التى كانت ملىء السمع والبصر عامي 1960و1961 و كتبت الصحف العالمية عن قصتها و ألفت عنها كتبا, دأبت الجرائد و المجلات فى ذلك الوقت على نشر مقالات عنها بصورة يومية كانت تجتذب القراء وتثير جدلا واسعا, إهتز العالم لأجل معاناتها ووبخت فرنسا لأجلها لأن جميلة بوباشا عذبت عذابا وحشيا من طرف الجيش الفرنسي الذي كان حاقدا عليها لأنها ضبطت متلبسة بقنبلة كانت تريد أن تضعها في مكان كان متفق عليه مسبقا, ألقي القبض عليها مع أبيها وأخيها وأختها المجاهدة نفيسة, عذبت جميلة عذابا لا يتحمله بشر وكشف عن مدى وحشيته. تعاطف العالم كله مع جميلة وفي مقدمتهم الكاتب الفرنسي جون بول سارتر والصحفية و الكاتبة سيمون دي بوفوار والرسام العالمي بابلو بيكاسو الذي رسمها في لوحة رائعة, حتى الرئيس الأمريكي كنيدي والزعيم الصيني ماوتسي تونج تفاعلا مع قضيتها و أرادا أن يتدخلا للدفاع عنها, حكم عليها بالإعدام عام 1961 ولكن تم الافراج عنها بموجب اتفاقيات ايفيان في مايو 1962 لتنضم إلى أول مجلس وطني للجزائر المستقلة. أما "فاطمة خليف" أو "الشهيدة الحية" فقد كانت واحدة من البطلات الخالدات التي تعرضت لكل أصناف التعذيب الوحشي على يد العسكريين الفرنسيين، فقطعوا يديها وأودعوها سجنا معلقا بين السماء والأرض، وضعت حملها فيه، ويديها مقطوعتين, ناهيك عن الكي بالنار والكهرباء. فاطمة فتحت عينيها على بطش المستعمر الفرنسي الذي سفك دم والدها وهي صغيرة تتساءل لماذا يقتلون الأبرياء؟ ولماذا يحرقون الأحياء بالبنزين والنابالم؟ ومع مرور الأيام تنامى حسها السياسي وأصبحت مولعة بتتبع الأحداث ومتابعة الأخبار, ونظراً لأن جميع أفراد عائلتها ومنطقتها كانوا من المناضلين الثائرين ضد الاستعمار الفرنسي, فقد كانوا يأخذونها لحضور اجتماعات جبهة وجيش التحرير الوطني, وتدريجيا أصبح دورها تموين المجاهدين وتخزين الأسلحة والذخيرة الحربية, إضافة إلى إيواء الجرحى والمرضى من المجاهدين والمجاهدات. ولا يمكن إغفال دور حسيبة بن بوعلي التى إمتازت بذكائها الحاد وإنضمت إلى صفوف الثورة التحريرية وهي في سن السابعة عشر كمساعدة إجتماعية، ولكن نشاطها الفعال برز عام 1956 حين أصبحت عنصرا نشيطا في فوج الفدائيين المكلفين بصنع ونقل القنابل, وأستغلت وظيفتها بأحد المستشفيات للحصول على مواد كيمياوية تساعد في صنع المتفجرات، وكان لها دور كبير في إشعال فتيل معركة الجزائر, فى عام 1957 قام الجيش الفرنسي بنسف المبني التى كانت تختبأ فيه حسيبة وزملائها ففارقت الحياة. أما مريم بوعتورة فقد ساهمت في عدة عمليات فدائية وكانت أخرها ضد المؤسسات والمنشآت العسكرية ومراكز الشرطة, وبعد الوشاية بها لجأت إلى أحد المنازل الذي تمت محاصرته من طرف الجيش الفرنسي الذي قام بنسفه بالديناميت لتسقط المجاهدة مريم بوعتورة شهيدة عام1960.