بريخت أو برتولد بريشت كما قد قدم له وترجمه عبدالغفار مكاوى منذ عقود وقصائده فى كتاب هذا هو كل شىء الذى يمر عبر رحلته الشعرية خلال نصف قرن من الزمان. أقرأه فى مراحل مختلفة من حياته وهو الذى عاش حروب أوروبا والمنافى وأحيا مسرحا خاصا من نوعه.بين سطوره أجد الماضى يتجسد بعنفه وآلامه الإنسانية وآماله.يهدى قصيدة له إلى نقش أسد رسم على مزهرية صينية قديمة فيقول: «الأشرار يخشون مخلبك الطيبون يفرحون برقتك مثل هذا سمعته عن أشعارى فسرنى.» وشعر بريخت هو ذلك الأسد النبيل والمتوحش معا,والغارف من آنية الحياة الإنسانية ومعاناتها. ورغم ذلك فإن اللمحة الصوفية وتأثره بثقافات آسيا والبوذية بشكل خاص تتبدى فى كتابته. يقول: «من هذه المدن لن يبقى إلا ما يجوس منها الريح. البيت يفرح الآكل لأنه يفرغه مما فيه نحن نعلم أننا زائلون وما سوف يأتى بعدنا شىء لا يستحق الذكر.» ويصف المدن بإيجاز يلخصها بما يشبه اليوم: «تحتها بالوعات لاشىء فيها,وفوقها دخان. كنا نعيش فيها.لم نتمتع بشىء. فنينا سريعا,وعلى مهل ستفنى أيضا.» ويختصر حياة كاملة بقوله: «هذا هو كل شىء الآن,وهو ليس بكاف لكن ربما قال لكم إننى مازلت على قيد الحياة. أنا مثل رجل حمل معه طوبة أين ما ذهب ليرى العالم كيف كان يبدو منزله.» بريخت القامة المسرحية والشعرية والإنسانية الكبيرة الذى وصل صوته وتأثيره إلى كل العالم الذى ولد فى المانيا فى عام 1898 ومات فى برلين فى عام 1956.قاوم النازية والظلم وانتصر للفقراء والمضطهدين والإنسان فى كل مكان.رحلة حياته وعرة بين المنافى وأشكال الاضطهاد التى عاشها وتنقل بين أوروبا وأمريكا وآسيا وكتب حيث ما ذهب.وقد كان ماركسيا مبدعا ومتجاوزا للأطر الأيديولوجية والحزبية الضيقة. أحن إلى الأصوات الشعرية الكبرى التى أخذت كامل الإنسانية على عاتقها ومنهم بريخت وناظم حكمت ومحمود درويش ولوركا ونيرودا وبوشكين ووالت ويتمان وغيرهم ممن تجاوزوا أوطانهم وصاروا ميراثا أدبيا للإنسانية جمعاء.وبريخت لا يتوانى عن تذكير الشعراء بدورهم حيث يقول: «لكن المهم ألا يقال: الأزمنة كانت سوداء بل ينبغى أن يقال:لماذا سكت الشعراء والأدباء الذين عاشوا فيها؟!» وقد عاش بريخت تجارب تناص مع عدد من شعراء العالم عبر قصائد استلهمها منهم من الشرق والغرب كشكسبير وبودلير والصينى بو شى آى.كما كتب كثيرا عن الشرق فى قصائده وعن الفراعنة والأهرامات وبعل العظيم وبوذا وغير ذلك.كتب عددا من أشعار الأوبرا وكثيرا من المسرحيات التى اشتهر بها مثل مسرحية الأم شجاعة وأبنائها,ومحاكمة لوكوللوس ودائرة الطباشير والرؤوس المدورة وغيرها. هناك إرث أدبى عظيم يتوجب ألا ينسى لأنه ابن الإنسانية فى كل مكان وبريخت يحتل أول القائمة فى هذا الاتجاه الفنى والأدبى الذى غيبه موجة تجارية الأدب وانحطاط القيم الإنسانية فى عالم لا تزال حروبه مستعرة.