"هذه المحاكمة مهزلة وإهانة للعدالة السنغالية، وأنتم القضاة البارزون تعرفون أن حقوقى تداس منذ عامين " هذه هى الكلمات التى قالها كريم واد من وراء القضبان لدى مثوله أمام هئية المحكمة فى القضية، التى هزت قاعات القضاء المهيبة فى السنغال. و شغلت الرأى العام السنغالى والعالمى على حد سواء، وكانت أخر جلساتها الأسبوع الماضى. وقد بدأ أول فصول هذه القضية عندما تم عتقال كريم واد -46 عام- احتياطيا منذ 17 أبريل 2013، بعد أن وجهت إليه تهم الفساد المالى، حسبما جاء فى تقرير أعدته شبكة "البى بى سى" البريطانية، بسبب قيامه بتجميع ثروة مالية بلغت قيمتها 178 مليون يورو نتيجة استغلاله نفوذه السياسى لشغله العديد من المناصب السياسية إبان حكم أبيه الرئيس السنغالى الأسبق عبدالله واد، ومنها وزير للبينة التحتية، وزير الدولة للتعاون الدولى والتنمية الإقليمية والنقل الجوى، ليلقب بعدها بوزير (السماء والأرض) . ويشير الكثير من التحليلات إلى أن هذه القضية تم تسييسها فى المقام الأول، خاصة أن كل الأسانيد والإجراءات القانونية التى اتخذت حيال كريم واد ليست سليمة فى المقام الأول، وأبرزها على الإطلاق قيامه بالمثول أمام المحكمة الخاصة للإثراء غير المشروع، وهى محكمة خاصة تم تشكيلها عام 1981 بمقتضى قانون سنغالى، وتم إلغاؤها بعد تاريخ إنشائها بثلاثة أعوام، غير أن الحكومة السنغالية أعادتها للحياة مرة أخرى بعد اعتقال واد بعدة أشهر، وهو ما يعتبر من الناحية القانونية غير صحيح ، وقد عزز ذلك تقرير أعلنته إحدى منظمات حقوقية تشير فيه إلى أن محاكمة كريم واد أمام المحكمة الخاصة للإثراء غير المشروع تنتهك المعاهدة الدولية للحقوق المدنية والسياسية، والإعلان الدولى لحقوق الإنسان، واللائحة الإفريقية لحقوق الإنسان، وهى معاهدات دولية وقعت عليها السنغال . و جاء التعنت فى الإفراج عن واد بعد أن انقضت أول مدة حجز احتياطى له، ليجدد حبسه لمدة ستة أشهر أخرى، ليعد خير دليل على أنه يسبب صداعا فى رأس النظام السنغالى، خاصة أن الاستمرار فى حبسه يتعارض مع القانون السنغالى، وقد حاول كريم واد بكل الطرق القانونية معارضة هذا القرار غير أن هذه الاعتراضات لم تأت بأى جدوى. غير أنه يبدو أن هذا الوضع فى طريقه للتغير الآن، وذلك بعد عودة الرئيس السنغالى السابق عبد الله واد من فرنسا مؤخرا ليقود عملية تبرئة ولده من خلال فريق من الدفاع، يتوقع أن يلعب دورا حاسما فى القضية من خلال استخدامه مجموعة من الدفوع تؤكد تسييس القضية، وأن الهدف الأساسى من ورائه إبعاد كريم واد عن العمل السياسى فى السنغال، خاصة أن حكومة الرئيس الحالى ماكى سال مصممة على تجريمه دون وجه حق، ودون أدلة دامغة على الاتهامات الموجهة إليه، وهو ما يعتبره البعض دليلا على أن سال يسعى جاهدا إلى التخلص من كريم واد، خاصة بعد إعلان الأخير نيته الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، والمقرر اجراؤها فى عام 2017. ويرجع الدفاع ثروة كريم واد التى تناهز مائتى مليون يورو إلى نجاحه كرجل أعمال، مشيرين إلى أنه جمعها من خلال عمله فى بورصات أوروبا قبل أن يصبح مستشارا، ثم وزيرا خلال حكم والده . ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد جاءت تبرئة القضاء الفرنسى لواد من التهم الموجهة إليه خير دليل على براءته من التهم المنسوبة اليه، حيث قامت السلطات السنغالية بمقاضة كريم واد أيضا فى فرنسا، اعتقادا منها أن هذه الأموال المسروقة قد تم استثمارها فى فرنسا، إلا أن الحكومة الفرنسية وجهت لطمة للحكومة السنغالية بخصوص هذه القضية من خلال طريقة ردها على نتائج هذه القضية، فهى لم تبلغ السلطات الرسمية السنغالية بحيثيات براءة كريم واد من التهم الموجهه إليه، بل تركتها تعلم ذلك من خلال وسائل الإعلام مما جعل الجهات الرسمية فى السنغال تندد بما قامت به فرنسا حيال هذا الملف، و يمكن القول إن هذا الرد الفرنسى جاء كنوع من الثأر لكريم واد، خصوصا وأنه يحمل الجنسية الفرنسية، ودرس هناك، حيث حصل على درجة البكالوريوس فى العلوم الإدارية تليها درجة الماجستير فى الهندسة المالية. ومن جانبها، فى محاولة لحفظ ماء الوجه، وعدت الحكومة السنغالية بمحاكمة عادلة وعلنية لكريم واد، خاصة فى ظل التعاطف الشعبى معه بسبب إنجازته، فقد عمل على تحديث البنية التحتية للنقل، وإعادة بناء كورنيش شهير هناك، وكان بصدد إقامة مشروع لإنشاء محطة للطاقة النووية فى السنغال من شأنه المساهمة فى حل مشكلة توليد الطاقة الكهربائية، التى تواجهها البلاد منذ سنوات عديدة. وقد جاء إرسال الخليفة العام للمريديين (إحدى أهم الفرق الدينية فى السنغال)، سيدى مختار مباكى، وفدا إلى كريم واد لمتابعة المحاكمة، و تظاهر المواطنون السنغاليون أمام المحكمة للإفراج عنه تأكيدا لمدى التعاطف معه، علاوة عى متابعة العديد من المنظمات الحقوقية لهذه القضية، مثل الاتحاد الدولى لحقوق الإنسان، ومنظمة هيومن رايتس ووتش، ومنظمة العفو الدولية، كل ذلك من شأنه أن يصوب الأنظار نحو العاصمة دكار لمعرفة متى سوف يسدل الستار عن هذه القضية؟ وما هو مصير نجل رئيس السنغال السابق ؟