مصلحة الشهر العقارى والتوثيق التابعة لوزارة العدل من الجهات المهمة والرئيسية فى حياة المواطنين لما تقدمه من خدمات تمس جميع المجالات الحياتية ، ولاهمية مكتب الشهر العقارى يصفه أساتذة القانون بأنه «ما هو إلا محراب مغلق على الرهبان الموجودين فيه». لكن الواقع الذى سجلته صفحة «التحقيقات» فى جولتها ببعض مكاتب الشهر العقارى فى الجيزة والمعادى والقاهرة كان صادما .. فبعض المكاتب من الصاج القديم المتهالك ، والزحام رهيب والأنفاس متلاحقة فى غرف ضيقة سيئة التهوية ضجت بالموظفين والمواطنين ووقوفهم وجلوسهم على السلالم منتظرين «الفرج» وسماع أسمائهم بعد وضع ما يثبت هوياتهم فى أكوام البطاقات الشخصية مع موظف يتشاجر مع «ذباب وجهه» كما يقول المثل الشعبى!. لتأتى مرحلة الكفاح والتشاجر والسباب اليومى المتبادل بين المواطنين وبعضهم البعض ، ومع الموظفين ، إما لبطئهم فى سير العمل او لمطالبتهم باحضار بعض المستندات الأخرى التى لم تطلب من قبل ، او لعدم وضوح التوقيع ،او لعطل ما فى أجهزة الكمبيوتر او لخطأ فى الإجراءات او لغلق «الخزينة» لانتهاء مواعيد العمل الرسمية ، أو لانقطاع الكهرباء ، او لغياب الموظف المسئول عن خاتم شعار الجمهورية ...الخ . فى البداية تشكو أم إبراهيم - سيدة مسنة - من سوء معاملة الموظفين لها فتقول : حضرت الأسبوع الماضى لكى أسأل على إمكانية الحصول على صورة من عقد الايجار للشقة التى أقيم فيها بعد وفاة زوجى وزواج أبنائى لضياع العقد الأصلى منى ومحاولة ورثة أصحاب العقار طردى رغم قيام زوجى بعمل إثبات تاريخ وصحة توقيع للعقد ورغم تذكرى للعام إلا أنهم طلبوا منى التاريخ باليوم والشهر او صورة من إثبات التاريخ وكل يوم أحضر وأتوسل للموظف ليبحث معى فى الدفاتر، فرفض وأرسلنى إلى زميله بالميكروفيلم الذى حاول مساعدتى عندما بكيت وأنا فى سن جدته ووصل للتاريخ ولكن للأسف اعطانى شهادة من واقع الدفاتر ، وليس صورة من العقد الذى سلمه زوجى لهم. الجهل بالحقوق بينما يصرخ مهندس شاب يدعى أحمد بلال قائلا : حضرت إلى الشهر العقارى لعمل توكيل عام لوالدى لضرورة سفرى للعمل بالخارج ، فطلبوا وجود الوالد وبطاقته الشخصية فأحضرته ، واثناء سير الإجراءات ببطء شديد «السيستم» وقع وحدث عطل فى الأجهزة ، وفى اليوم التالى وقبل سداد الرسوم «الخزينة» أغلقت ، وفى اليوم الثالث أخبرنى أحد الموظفين بضرورة عمل إقرار بنكى من الشهر العقارى حتى يتمكن الوالد من التعامل مع البنوك لأن التوكيل العام لا يعترف به فى البنوك فقمت على الفور بإجراءات الإقرار طوال اليوم بعد الحاح وتقديم الجواز والتذكرة لتأكيد سفرى خلال ساعات ، وبعدها فوجئت بعدم اعتراف البنك بالإقرار البنكى فقمت بعمل توكيل آخر لوالدى بالبنك. وتتشاجر سيدة مع أحد موظفى مكتب الشهر العقارى بمدينة 6 اكتوبر بسبب عدم تمكينها من توثيق شقتها التمليك رغم سداد كل الرسوم وإحضار جميع المستندات المطلوبة ، وقالت : أنا فى رحلة عذاب منذ 10 سنوات بين الشهر العقارى وهيئة المجتمعات العمرانية وهيئة المساحة التابعة لوزارة الرى وبنك الاسكان والتعمير ، ودفعت رسوما تقترب من قيمة الشقة وكل موظف يعدنى أنه بمجرد احضار المستندات المطلوبة سيتم التوثيق خلال 15 يوما ، وبمجرد إحضارها يطلب موظفا آخر مسندات غيرها وهكذا ولم أجد مسئولا يحدد المطلوب كله بالضبط إلى جانب الأوراق الخاصة بوزارات وهيئات ترفض إعطاءها لى ، وإلى الآن لم يتم توثيق عقد التمليك لشقتي. وهناك كم هائل من مشاكل الجمهور معظمهم يتهمون موظفى مكاتب الشهر العقارى والتوثيق بالتقصير والروتين وتعطيل مصالحهم والبطء والإهمال . هموم العاملين وعلى الجانب الآخر، يشكو كثير من القائمين على أعمال الشهر العقارى من الأعضاء القانونيين ومديرى المكاتب «مر الشكوى» من إهمال الدولة لهذه المصلحة ، وبالتحديد وزارة العدل . يشكو مدير أحد مكاتب الشهر العقارى - رفض الإفصاح عن اسمه لوجود تعليمات بعدم التحدث فى للإعلام إلا بتصريح من الوزارة - من عدم وجود ورق وأقلام وأحبار فالمكتب يخدم قطاعا كبيرا من الجمهور ويستقبل ما بين 300 و400 مواطن يوميا ، رغم قلة عدد العاملين والمتخصصين بالمكتب وعدم تدريبهم على أجهزة الحاسب الآلى التى تكثر أعطالها لعدم صيانتها ، قائلا : هل يصدق أحد أننا نتسول باستحياء الأقلام والورق من العملاء أصحاب الشركات ورجال الأعمال الذين يترددون على مكتب الشهر العقارى لأن الوزارة ترسل إلينا «رزمة» ورق واحدة فى الشهر اما باقى المستلزمات فنحصل عليها بالجهود الذاتية ،حيث يدفع كل عامل من ماله الخاص خمسة جنيهات لشراء أحبار للطباعة وتصليح أى جهاز او أى عطل بالكهرباء او سباكة الحمامات . ويستكمل الحديث أحد الموظفين بنفس المكتب بسؤال استنكارى : هل يعقل أن المكتب الكائن فى شقتين صغيرتين بالطابق الأرضى لا تتعدى مساحتهما 100متر تقع مقايسة لتطويره بمبلغ 100 ألف جنيه قام بها مقاول لتجديده وتغيير البلاط بأردأ الأنواع وترميم الحمام بالأسمنت وتركيب أرخص أنواع المراوح ورغم أن المبلغ ليس بقليل فلم يراجعه أحد فيما فعل فلا رقيب ولا حسيب على هذه الأعمال الإنشائية. مكاتب بالأسطح والبدروم بينما يقول أحد المسئولين المتخصصين بمكتب شهر عقارى آخر هناك حوالى 400 مكتب على مستوى الجمهورية معظمها فوق الأسطح وبالبدروم وشقق أرضى فى عمارات سكنية، خاصة مكاتب الأقاليم وهذا لا يليق بوزارة العدل التى نتبعها والتى تحصل على دخل نحو مليار جنيه سنويا من مكاتب الشهر العقارى ، بالإضافة إلى نحو 200 مكتب ببعض الأندية والنقابات والهيئات، وهذا يضعف من القوى العاملة بالمكاتب الرئيسية لأن العاملين بها منتدبون من المكتب الرئيسى الذى يقوم بعمل متوسط 50 تصديقا وتوكيلا يوميا ، فى حين أن الفريق المنتدب لمكتب التوثيق ببعض النوادى او النقابات لا يتعدى 40 توكيلا او توثيقا شهريا باستثناء مكتب نقابة المحامين ، وهنا يكون الظلم البين وعدم العدالة ، الى جانب اهانة العاملين بالمكتب ونشوب الخلافات والشبهات والمشاجرات والمشاكل الاخرى ، فالمواطن الذى يرغب فى الخدمة يذهب اليها ويبحث عنها وهذا هو الطبيعى ، وليست الخدمة هى التى تأتى الى المواطن فى عقر داره ، فمكاتب الشهر العقارى فى الأندية تتلف وتعرقل العمل ولا بد من النظر إليها . قلة الكوادر ويرى مسئول بمكتب شهر عقارى آخر ان المشكلة الكبرى فى بلوغ كبار المهنة سن التقاعد ولم يبق سوى الشباب الذى يفتقد الخبرة والمعلومات بل ويجهل القانون ، حيث يتم تعيين حاملى دبلومات الزراعة والتجارة معاونين للأعضاء المتخصصين، وحتى خريجى الحقوق ليس لديهم معلومات ، فهناك حوالى 28ألف خريج من كليات الحقوق سنويا على مستوى الجمهورية منهم 4 آلاف خريج حقوق القاهرة هم فقط يدرسون مادة خاصة بالشهر العقارى عليها 5 درجات فى كتاب غير مفهوم معظم الطلاب يهملونه ، وبالتالى لم يدرسوا شيئا عن الشهر العقارى ومن هنا يفتقد جميع العاملين بالمكاتب المعلومات والمرجعية ويلجأون إلى الاجتهادات الشخصية عند مواجهة أى مشكلة فى العمل وبالتالى نسبة الاخطاء تكون كبيرة وتقود اصحابها الى التحقيق واحيانا الى السجن ولم نجد من يقف معنا او يلتمس لنا الأعذار او حتى الرأفة . مشروع للتنمية والتطوير توصلت صفحة التحقيقات الى وجود مشروع لتطوير الشهر العقارى المشكل بالقرار رقم 733 لسنة2011 منذ إنشاء مصلحة الشهر العقارى والتوثيق عام1946، ومنذ هذا التاريخ قامت محاولات حثيثة من جانب الدولة لتطوير العمل بها تمثلت فى صدور عدة تشريعات منظمة للعمل بها مثل القانون رقم 114 لسنة 46 والقانون رقم 68 لسنة 47 بشأن التوثيق والقانون 5 لسنة 64 بشأن تنظيم مصلحة الشهر العقارى والتوثيق ، والقرار بقانون السجل العينى رقم 142لسنة 64 ، وقد أعدت وزارة العدل عام69مشروع قانون لإنشاء ادارة الملكية العقارية بكافة الضمانات القانونية والقضائية والمادية والمعنوية ، وقدمت الحكومة المشروع لمجلس الأمة وتعطل صدور القانون آنذاك بسبب وفاة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر . وفى الآونة الاخيرة ومع سلسلة الإضرابات والاحتجاجات من الأعضاء القانونيين بالمصلحة تعالت أصواتهم بالمطالبة بتحقيق الصالح العام وضمان ملكيات وحقوق المواطنين مطالبين تحويل المصلحة إلى هيئة الملكية العقارية والتوثيق لتكون هيئة قضائية مستقله استنادا إلى العديد من الأوضاع التى تدعم موقفهم ، ومنها حرص وزراء العدل المتعاقبين على عدم تعيين رئيس لقطاع مصلحة الشهر العقارى ويكتفون بانتدابه ، كما أن تدخل العديد من المسئولين وخاصة المستشارين فى أعمال الشهر العقارى والتوثيق بالمخالفة للقانون على حد تعبيرهم ، إلى جانب الروتين وطول الإجراءات وإهدار أموال الدولة مما يجعل أكثر من 90% من العقارات والملكيات غير مسجلة وغير موثقة بالإضافة إلى سوء إدارة العمل وعدم الحصول على مرجعية وعدم توافق التشريع مع النظم والأجهزة التكنولوجية الحديثة أدى إلى تخبط وتعطيل مصالح المواطنين وعرقلة نظام العمل مما يؤدى إلى زيادة المشاكل وكثرة القضايا بالمحاكم . فى حين لو تم اقرار مشروع القانون الجديد سيتيح آليات أكثر فى التسجيل فى أقل وقت وجهد وتسهيل نقل الملكية للمواطنين والقضاء على السلبيات الموجودة التى تعرقل سير العمل بالشهر العقارى والتوثيق وستصبح من الدعائم الرئيسية لدعم اقتصاد مصر خاصة ان اللجنة التى شكلت لبحث ودراسة هذا المشروع الجديد (تطوير مصلحة الشهر العقارى والتوثيق) اقرت المشروع وأكدت أن تنفيذه سيضاعف دخل الشهر العقارى ليصل إلى 10 مليارات جنيه سنويا فى المرحلة الأولى ، كما افادت اللجنة بأن عدد الأعضاء القانونيين بالمصلحة 3169 عضوا نصفهم تقريبا حاصلين على درجة الماجستير والدكتوراه فى القانون وبذلك تعد المصلحة اكبر واضخم هيئه غير اكاديمية ترفع كفاءة هذا القطاع ، مع العلم أن إيرادات الشهر العقارى والتوثيق عام 2008بلغت اكثر من 600مليون جنيه وهو ما يشكل 40% من حصيلة ايرادات وزارة العدل ووافقت اللجنة على المشروع واقرته بالقرار رقم 733 لسنة 2011 وقدمته لمكتب مساعد وزير العدل لشئون الشهر العقارى وحتى الآن مازال سجين الأدراج . أخيرا نذكر أنه وفقاً لتقارير البنك الدولى للإنشاء والتعمير عن ممارسة أعمال التسجيل والتوثيق فى 181 دولة بين عامى 2008 و2009 فإن مصر من أفضل دول العالم التى استطاعت تسهيل تسجيل الإجراءات بالشهر العقارى ، فبعد ان كانت بعيدة عن اطار المقارنة عام 2006 احتلت المرتبة 104 فى عام 2008 وتطورت إلى المرتبة 85 فى تقريرها عام 2009وذلك بسبب اختصار إجراءات التسجيل من 43 خطوة تستغرق 193 يوما عام 2006 الى 7 خطوات فى 72 يوما عام 2008 ----------------------------------------------------------------- رؤية شاهد عيان رأفت أمين بكل المقاييس مأساة إنسانية تلك التي يتعرض لها الموظف والمواطن في آن واحد عند التعامل مع مكاتب الشهر العقاري، خاصة التي تشغل شققا سكنية، والحكاية باختصار أنني ذهبت الي مكتب الشهر العقاري بالحي السابع بمدينة نصر، وهو يشغل شقتين بالدور الأول بإحدي العمارات السكنية الشعبية بالمنطقة ولا تتجاوز مساحة المكتب في تقديري الشخصي 120 مترا مربعا، يتردد عليها مئات المواطنين يوميا بالإضافة إلي الموظفين العاملين بالمكتب والذين يعانون هم أيضا ظروف عمل غير آدمية، وبطبيعة الحال الجو خانق والزحام شديد، والسيدات والرجال يتحركون في سنتيمترات للذهاب الي الموظف، والكل يخشي مشاكل التحرش، الي جانب كل هذا الطابور الممتد من أول الشقة الي آخره للوصول الي الخزينة .. أجواء غريبة لا تليق بآدمية المواطنين .. وكعادة المصريين صابرون .. فكل إجراء في الشهر العقاري يحتاج الي وقت لضمان سلامة التوكيلات التي تصدر، وبالتالي ليس أمام الناس سوي الانتظار حتى ينتهي الموظف من تحرير التوكيل الذي أمامه .. واصحاب الحظ السييء هم من يتعاملون مع موظف يضطر إلي حمل دفتره والذهاب به إلي مكان أخر لتحرير توكيل لمواطن لظروف إنسانية مثل المرض او العجز، فعليهم الانتظار في مساحة لا تتجاوز أمتارها أصابع اليد الواحدة لحين عودته مرة أخري الي مكتبه. رحلتي في الشهر العقاري استغرقت ساعتين فقط من التاسعة صباحا وحتى الحادية عشرة، وذلك لان التوكيل المطلوب بسيط وهين، ولكن هناك توكيلات يستغرق العمل في تحريرها أكثر من ذلك بكثير. كان هناك مشروع حكومي لتقديم مثل هذه الخدمات مقابل رسوم أضافية للتيسير علي المواطنين وتجنيبهم هذه المعاملة غير الإنسانية، فأين هذا المشروع .. خاصة وان شكوى المواطنين لم تقتصر علي الشهر العقاري فقط ولكن من جميع المصالح الحكومية التي تحتل شققا سكنية.