لسنا دعاة حروب. فمصر هى التى اخترعت السلام والحب وأهدتهما للبشرية. وكل الحروب التى فرض على المصريين خوض غمارها كانت حروب دفاع. لم تكن حروب عدوان. ومعظم هذه الحروب تمت على أرض مصر. وحروب الغزوات التى تمت خارج مصر قام بها حكام غزاة لم يكونوا من أهل مصر. ولا من أبنائها. ولا يمكن وصفهم بالمصريين. وإنما اغتصبوا حكم البلاد عبر تاريخ طويل قبل أن يعود حكم مصر لأبنائها. وإن استفاد أبناء مصر من الغزوات. فقد تم ذلك مصادفة. وإن تطور المجتمع عبر الاستعداد لها فقد جرى دون قصد ممن قاموا به. هذه بديهيات كان لا بد من البدء بها لأننا نقف فى لحظة مصير. لحظة تاريخية فاصلة. أن تكون مصر أو لا تكون لا قدر الله ولا كان. وأبسط تعريف للحروب التى تقوم بها الدول أنها تكون دفاعاً عن كيان الدولة وحدودها ومواردها وترابها الوطنى وتراثها الأشد قدماً والقديم والوسيط والمعاصر. وأمن أهلها وأمانهم وتمكين المواطن العادى من أن يعيش حياته العادية دون تهديد من أحد. لا يتصور أحد أن عبارة كيان الدولة تنتمى لقدرة اللغة العربية على الإنشاء. فكيان مصر ومفاصل مصر وخريطة مصر وجغرافيا مصر أمور تسلمها جيلنا من الأجيال السابقة. ولا يملك أمام التاريخ سوى تسليمها كما كانت دون أن تنقص منها حبة رمل واحدة. وأمن مصر وأمانها كان موجوداً بصورة أو بأخرى عندما انتهت حياة الأجيال السابقة ولا بد أن نسلمه للأجيال اللاحقة كما كان. إن لم نزد عليه. وشرعية أى جيل من الأجيال أمام التاريخ تتمثل فى الحفاظ على الوطن الذى وصل إليه وتسليمه كما كان للأجيال التى جاءت بعده. نحن على أبواب حرب وعلى مشارف صراع فرض علينا لأسباب كثيرة لا أحب أن أخوض فيها لأنى لا أعتقد أنه يوجد مصرى عاقل. مصرى وطنى يختلف بشأن ما أكتبه أو ما سأكتبه. فعندما نذكر كلمة مصر يتبخر الفرد. وربما لا يوجد الأفراد جميعهم عندما تذكر كلمة مصر. لأن مصر الباقية والتى يجب أن تبقى حتى آخر لحظة فى تاريخ الإنسانية. منذ الثلاثين من يونيو قبل عامين مضيا حتى الآن ونحن نواجه ضربات. وهجمات تروع حياة الناس مع تدمير ممتلكاتهم وعدوان على استمرارهم فى الحياة. ولكنا كنا نتعامل مع كل حادثة منفصلة عما قبلها. وكنا نتوهم أنها قد لا تؤدى إلى ما يأتى بعدها. كنا نخرج الحادثة من سياقها التاريخى ونقول لأنفسنا إنها شهقة الموت. أو آخر عمل يقوم به المتطرفون قبل أن ينتهوا. ويبدو أننا كنا نتعاطى الوهم حتى نعفى أنفسنا من مواجهة حقيقة الواقع. نحن إزاء مجموعات من المتطرفين يتلقون دعماً وتمويلاً من الخارج. ولديهم محميات إما على حدودنا أو داخل بلادنا. يفكرون ويخططون لتدمير الوطن والقضاء عليه. عند التعامل معهم لا أحب أن ننزلق إلى وهم التضخيم من شأنهم حتى لا نسبب لأنفسنا الرعب. لا بد من مواجهتها. وأيضاً لا يجوز أن نركن إلى التقليل من شأنهم والنظر إليهم باعتبارهم قلة منحرفة أو مجموعة تستهدف الوطن. تقدير ما يقومون به بشكل علمى دقيق بعيداً عن التهويل والتهوين مسألة مهمة. لأنك إن لم تعرف عدوك «وهم أعداء الوطن ما فى ذلك شك» مسألة تقلل من جهدك قبل أن ندخل لمواجهة فرضت علينا ولا نملك سوى التعامل معها مسلحين بالوطنية وبالعلم وبالإدراك وبالحماس الإنسانى لأن الأوطان تعلو على الأفراد وتسبقهم وتلحق بهم وبدون الوطن لا يوجد حياة. من حق أى شعب أن يختلف أفراده حول أى قضية من القضايا. وهذا الخلاف هو الذى يوصل أفراد الشعب إلى مشارف الحقيقة. لأن الحقيقة التى يصل إليها الناس بعد خلاف واختلاف أفضل من الحقيقة التى يوصلنا إليها التسليم المطلق. لكن خلال الجدل المشروع والخلاف الذى لا بد منه والاختلاف الخصب. لا بد أن نفرق بين الثوابت والمتغيرات. فالثوابت هى الثوابت التى لا يمكن الاقتراب منها. أو الاختلاف حولها. أو الخلاف بشأنها. لأن الثوابت تعنى الوطن. وكل ما يرتبط بالوطن لا خلاف بشأنه. وإن قمنا بالفصل بين الثوابت والمتغيرات بشكل حقيقى وعلمى يعتمد على العقل وليس النقل. فربما كان ذلك أول الطريق لمواجهة ما يتربص بنا وما يوجه إلينا من الخارج. علينا أن نتفق جميعاً على الخطر الذى يهدد بلادنا. وأنه لا يقل عن الأخطار الخارجية حتى من حاولوا احتلال مصر واستعمارها واستغلال ثرواتها وإذلال أهلها. لا يقلون خطراً عن هؤلاء الذين يتصاعد خطرهم من عملية لأخري. ويضاف لكل عملية جديدة أمور لم نعرفها من قبل. وعلينا ألا نستمع لبعض المحللين العسكريين أو الخبراء الإستراتيجيين الذين خرجوا علينا ليقللوا من خطورة العملية الأخيرة ومن التطور النوعى الذى شهدته. فهؤلاء يتصورون أن طمأنة الناس مطلوبة. ولكنهم ينسون أن استنامة الجماهير إلى وهم استقرار مهدد قد يحمل من الخطورة أكثر من حمل الفزع للناس عندما يدركون أن ثمة خطراً حقيقياً يتهددهم. علماء الاجتماع السياسى قالوا لنا من قبل أن المجتمعات تصل إلى الخطر الحقيقى فى حياتها عندما تنظر إلى الأمور غير العادية على أنها عادية. وعندما تقلل من المخاطر. وعندما تهون من الأخطار التى تهددها. لأن هذه العملية تسلم المجتمع لحالة من الاطمئنان الكاذب وتنزع منه التحفز المطلوب والإحساس بالخطر الذى لا بد منه. هل تكون لديَّ شجاعة الاعتراف بأن عقول قلة منا تلوثت خلال سنة الحكم الإخوانى البغيضة بما لا يجوز أن يتسلل لعقل مصري. ينظر إليه فى العالم على أنه صاحب الحضارة الأولى فى التاريخ الإنساني. وأن هذا التلوث لا بد من مواجهته. ولأن الفكر لا يواجه إلا بالفكر والرأى فلا بد من وضع رأى فى مواجهته. فعلينا أن ندرك أن العقل المصرى الراهن لا بد أن نعتبره فى حالة حرب مع ما تركته لنا السنة الكابوسية من أفكار عفى عليها الزمان. والكلام موصول. لمزيد من مقالات يوسف القعيد