لأن درس الهزيمة فى 1967 كان قاسيا ومؤلما فقد كان الحذر عنوانا للأداء العسكرى المصرى طوال السنوات الست التى تفصل بين ظلام النكسة وضوء الانتصار من خلال الارتكاز إلى ثلاثة عوامل أساسية هى جدية الإعداد وعبقرية التخطيط وجسارة التنفيذ. وكان العاملون فى القيادة العامة للقوات المسلحة وكافة الأفرع الرئيسية ومختلف التشكيلات الميدانية يدا واحدة وقلبا واحدا حيث انصب جهد الجميع على محاولة حل كافة المشكلات وتذليلها، وفى سبيل ذلك كان قادة الجيوش يسألون الجنود عن آرائهم فى كل كبيرة وصغيرة.. كان هناك ما يشبه الاجماع على تغييب شماعة الإمكانيات وعدم التوقف أمام أرقام موازين القوى التى تميل بشدة ناحية إسرائيل... كان هناك فهم وإدراك بأننا إذا كنا وذلك محتم سوف نعبر القناة بقوات المشاة وأنه سوف يمضى وقت طويل قبل أن يتم تعزيزهم بالمدرعات فلابد من توفير العدد الكافى من الصواريخ المضادة للدبابات ليكون فى حوزة أفراد المشاة للدفاع عن أنفسهم أمام المدرعات الإسرائيلية الرابضة على الشاطيء الشرقى للقناة وفى خنادق خط بارليف ومازالت ترن فى أذنى كلمات سمعتها شخصيا من الفريق سعد مأمون قائد الجيش الثانى الميدانى الذى كان فى حوار مع كبير الخبراء السوفيت مطلع عام 1972 والذى أفتى باستحالة عبور القناة دون امتلاك قنبلة ذرية لدك الساتر الترابى وتحطيم خط بارليف... وساعتها اكتفى سعد مأمون بابتسامة باهتة فى وجه كبير الخبراء السوفيت. وعلى مدى عشرة أشهر كاملة من العمل المضنى والشاق خلال عامى 1972 و 1973 كان قادة الأسلحة الرئيسية يعملون على بث روح الطمأنينة فى نفوس الجنود من خلال توفير كافة الاحتياجات الضرورية لإزالة جدار الخوف من المانع المائى الفريد والساتر الترابى الرهيب وخط بارليف الحصين مع التركيز على أنه إذا كان العدو الإسرائيلى لديه مميزات تصنع تفوقه فإن مهمتنا هى حرمانه من هذه المميزات وفى نفس الوقت دراسة كل العيوب لدى العدو حتى نستطيع استغلالها واستثمارها. ومنذ اللحظة الأولى لبدء الحرب يوم السادس من أكتوبر كان أمرا مدهشا أن كل شيء يتحرك فى الميدان وفقا للحظة المرسومة التى كان يجرى متابعتها لحظة بلحظة على الخرائط المرسومة فوق مسطحات الزجاج بعرض القائمة الرئيسية فى مركز العمليات رقم (10) لتحقيق المعجزة وهزيمة المستحيل... وغدا نواصل الحديث. http://[email protected]