لا مرية فى أن العلم هو وسيلة نهوض فى أى مجتمع، وبدونه تبقى الشعوب رازحةً تحت نَيّر الجهل والخُرافات، تتخبط فى دروب التخلف والتيه، وحيث إن العلم هو قاطرة الوصول للتقدم، فلابد لهذه القاطرة من وقود يُمكنها من السير بُغية الوصول. والناظر يرى أن وقود تلك القاطرة يتمثل فى المُعلّم والمُتعَلم، ووسائل التعليم من معامل ومعدات وبحث علمى وخلافه، وكلها أشياء ترتبط ارتباطا وثيقا بالميزانية التى تعانى فقرا، لصعوبة الظروف الاقتصادية التى تعانيها مصر- فلن نتكلم عنها، انتظارا لتحسُن الظروف! ولما كثُر الحديث عن آداب طالب العلم، التى تدنت مُؤخرا بل ضاعت عند كثير من الطلبة - والدليل ما يحدث فى جامعاتنا من بلطجة وتدمير وحرق وتخريب دَفَعَ بعض ذوى الرأى للمطالبة بغلق جامعة الأزهر- رأيت أن أُدلى بدلوى فى تلك القضية من منظور آخر غير منظور طالب العلم الذى مابرحت الأقلام تكتب عنه، وهو المُعلّم الطرف الأهم فى منظومة التعليم فى مصر. وبما أن المُعلّم يقوم بمهمة الرسل، كما أكد أمير الشعراء فى قوله المعروف: قم للمعلم وفه التبجيلا ... كاد المعلم أن يكون رسولا، فلابد له من أن يتخلق بأخلاق الرُسل؛ ليكون قدوة لطلابه، مُلزما لهم بفعل المحامد واجتناب الدناءات والرزايا. وحيث إن فاقد الشيء لا يُعطيه، فلابد للمعلم أن يكون كريما فى نفسه، حسنا فى أخلاقه، جديرا بحمل رسالته، لأنه إن لم يكن كذلك فلن يَلتفت تلامذتُه لكلامه، ويكون أشبه بمن ( ينادى فى مالطا). مايحدث من طلاب الجامعات خطأ بلاشك، بل جريمة بشعة، ولكن الإنصاف يقتضى ألا نُلقى عليهم المسؤلية وحدهم، ونغفل دور المُعلّم والقدوة، الذى أساء الغرس؛ فبار الزرع، بَيد أنه لم يُحسن تربية تلاميذه وتأديبهم، فكان منهم ما كان من تخريبٍ وتدميرٍ، وضياعٍ لهيبة محراب العلم، بل هيبة الدولة ككل، وصار حال هؤلاء الطلبة المُخربين مُختلفا عن حال آبائنا وأجدادنا مع معلميهم، من توقيرٍ واحترامٍ، وطاعةٍ وامتثال. لا يُفهم من كلامى أننى أضعُ كل المعلمين فى سلة واحدة ، مُتهما إياهم بالتقصير، فحاشا بى أن أقصد ذلك، فما من شك أن من هؤلاء المعلمين قمما شوامخ، وجبالا راسيات، ودررا فى جبين التاريخ، يحملون مشعل التنوير، ويبذلون الغالى والنفيس فى خدمة العلم والطلاب، لم يقتصر دورهم على مجرد التعليم بل تعداه إلى التأديب والتقويم، والأخذ بأيدى طلابهم للوصول لمرفأ النجاة وبر الأمان. وقد رأيت نماذج لمعلمين أبرار، بدءا من المرحلة الابتدائية ، وانتهاء بالجامعة، بذلوا من وقتهم وجهدهم وأموالهم لخدمة الطلاب، فكانوا بحق آباء حانين وعلماء مُوجهين. ولكن على الجانب الآخر وجدنا نماذج أبعد ما تكون عن حمل تلك الرسالة لأساتذة جامعيين تسوّروا المحراب، ودخلوا حرم الجامعة من أبواب خلفية، لسانُ حالهم القسوةُ فى المعامة، الغلظةُ عند الحديث، توفيرُ الوقت والجهد لإجبار الطلاب على الدروس الخصوصية، التى أرهقت البيوت وأرباب الأسر. وحتى نحمى الأجيال القادمة من السقوط فى هوة العبث والتخريب؛ فلابد - إلى جانب الاهتمام بالطلاب - من تأهيل المعلمين أخلاقيا وتربويا، وتفعيل دور الهيئات التى تُقوّم المُعلّم وتُراجعُه إذا أخطأ، أو انحرف عن طريق الرسالة التى حمل رايتها. ومتى نُحقق ذلك سنقضى بالفعل على شغب الجامعات! Sabry_elmougy @yahoo.com لمزيد من مقالات صبرى الموجى