مكالمة تليفونية من زميل يعمل مُدرسا بالتربية والتعليم، أخبرنى خلالها أنه فى مأمورية بمحافظة كفر الشيخ، لمراقبة الطلاب فى امتحانات الدبلومات، وبسؤالى عن حاله هناك أكد أن كل شيء على مايُرام. إلا أن استراحة المدرسين تحتاج إلى بعض الرعاية، كما أنها لا يتوافر بها تليفزيون يتابعون من خلاله الأخبار، ويٌشاهدون أحداث الانتخابات الرئاسية، مما يُشعرهم بأنهم فى جزيرة منعزلة عن المجتمع، وما يموج به من حراك سياسي، تشرئب الأعناق لما يُسفر عنه من نتائج. فما كان منى - ولإيمانى بدور المعلم فى نشر العلم وتبديد الجهل، فضلا عن إسهامه بنصيب كبير فى تربية أبنائنا - أن سارعت بالاتصال بوكيل وزارة التربية والتعليم بمحافظة كفر الشيخ، أُناشده إزالة أسباب شكوى هؤلاء المدرسين، حتى يتمكنوا من أداء عملهم بنفوس راضية وقلوب مطمئنة، ورغم أن اتصالى بالسيد المسئول كان يوم الجمعة ( وهو عطلة رسمية )، وفى وقت اشتدت فيه حرارة الجو مما يُعكر الأمزجة، إلا أنه لم يألُ جهدا فى إزالة أسباب الشكوى، وأمر على الفور بتوفير تليفزيون للسادة المدرسين، أدخل الفرحة على قلوبهم، لما يحمله ذلك التصرف من معان أهمها : اهتمام المسئول ومُسارعته بإزالة سبب الشكوى حتى ولو كانت هينة، أما السبب الآخر وراء فرحة هؤلاء المدرسين الذين تركوا ديارهم وأولادهم وخرجوا إلى محافظة نائية لأداء الواجب، هو تمكنهم من مشاهدة سير الأحداث الانتخابية ومشاركة الشعب فرحته. ولاشك أن مبادرة ذلك المسئول بحل هذه المشكلة البسيطة، تؤكد مدى وعيه بأن المسئولية تكليف وليست تشريفا، وأن الإدارة الحكيمة ليست هى التى تتبع سياسة القمع وفقط، بل هى من تطبق نظرية (العصا والجزرة)، بأن تضع كل شيء فى نصابه، فتشد وقت الشدة وتلين وقت اللين، أما أن تستخدم الشدة فى وقت يتطلب لينا، وتستخدم اللين فى وقت يتطلب شدة فهنا يكون الخلل، وصدق المتنبى: ووضع الندى فى موضع السيف بالعُلا .. مُضر كوضع السيف فى موضع الندى. لهذا قيل: المناصب محك الرجال، ومن ثم يجب لمن يرأس فئاما من الناس أن يكون أجزلهم مروءة، وأشرفهم مسعى، وأربطهم جأشا، وأصدقهم بأسا، وأصبرهم فى المواقف الصعبة، كما كان نبينا وأسوتنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم، الذى ثبت فى أصعب المواقف، فثبت فى غزوة أُحد حينما كسرت رباعيته وشُج وجهه الشريف وسال منه الدم، كما ثبت فى غزوة حنين حينما هُزم المسلمون فى أول المعركة فقال : أنا النبى لاكذب أنا ابنُ عبد المطلب، وغيرُها الكثير من المناقب التى لابد أن يتحلى بها من يقود العمل أىّ عمل؛ حتى يتحقق له النجاح. ومن ثم فإنه يُخطيء أشد الخطأ من يعتقد أن المسئولية، وجهٌ عابس، وقلبٌ قاس، ويدٌ شحيحة، أو هى جزاءات وخصومات .. نعم قد تكون هذه وسائل قيادة مع بعض البشر إلا أن السواد الأعظم من الجهاز الإدارى تلزمه وسائل أخرى كالحلم والإثابة واللين، والإشعار بالمسئولية التى تُفجر الطاقات فتبنى الأمم. Sabry_elmougy @yahoo.com لمزيد من مقالات صبرى الموجى